مسيرة الإصلاح في البحرين.. اختبار التعايش بين الحكومة والمعارضة

TT

«لم يكن أسبوعا عاديا، فقد كانت أيامه السبعة تنافس باقي أيام السنة ترقبا وانتظارا لما ستنتهي عليه الأزمة بين المعارضة والحكومة»، بهذه العبارة وصف دبلوماسي عربي لـ«الشرق الأوسط» الأوضاع في البحرين، وهو الأمر الذي يبدو جليا في حديث الشارع البحريني ما بين متشائم من عودة المصادمات لما كانت عليه في ما يعرف بأحداث التسعينات، ومتفائل يرى أن ما يحدث هو ممارسة حثيثة للديمقراطية. فقد شكلت المسيرة التي خرجت بها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، الذراع القوي للمعارضة البحرينية، يوم الجمعة الماضي حدثا مهماً، اختلف حوله البحرينيون، وبالرغم من انتهاء المسيرة، غير مصرح لها رسميا من قبل وزارة الداخلية، بدون أي تدخل من قبل السلطات الرسمية، إلا أن توابع هذه المسيرة لا تزال تتوالى بين الحكومة من جهة، والمعارضة البحرينية من جهة أخرى، مع ترقب قرار حكومي يقضي بسحب ترخيص جمعية الوفاق، وهو ما يعني إلغاء الترخيص الممنوح لها بالعمل وفق قانون الجمعيات التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، أو قرار آخر وهو إغلاق الجمعية لمدة 45 يوما ومنعها من ممارسة أي نشاطات أو فعاليات. وكانت شرارة القضية قد انطلقت عندما رفضت «الوفاق» الرضوخ لقرار وزارة الداخلية بعدم الموافقة على المسيرة، حيث بررت الوزارة قرارها بـ«الظروف الأمنية الراهنة التي تمر بها المنطقة وحفاظا على السلامة الوطنية بعدم التورط في مسيرات ومسيرات مضادة من شأنها الإخلال بالأمن والنظام العام والإضرار بالاستثمارات والنشاط الاقتصادي ومصالح المواطنين»، إلا أن «الوفاق» لم تلتزم بقرار السلطات وأصرت على تسيير مسيرة حاشدة في منطقة «سترة» ذات الأغلبية الشيعية، حتى أن تقدير أعداد المشاركين لم تخل من التجاذب بين الطرفين، فقد اختلفت تقديراتها بين 6 آلاف مشارك، وفقا للمصادر الحكومية، و120 ألف مشارك حسب بيانات جمعية الوفاق. وبالرغم من أن المسيرة دعت إليها «الوفاق» وشارك فيها مناصروها، وسط حديث عن اختلافات بينها وبين الجمعيات الثلاث الأخرى المشاركة في مقاطعة الانتخابات البرلمانية والمنضوية تحت لواء التحالف الرباعي أو المؤتمر الدستوري، إلا أن الجمعيات لم تدع لهذه المناسبة لإظهار خلافاتها الداخلية والتضامن مع «الوفاق» ضد الحكومة، فقد أعلنت الأمانة العامة للمؤتمر الدستوري عن تضامنها مع «الوفاق»، وتحملها المسؤولية في ما يعرف بـ«مسيرة الإصلاح»، مؤكدة على تضامنها مع جمعية الوفاق «إزاء الهجمة غير المبررة ضد جمعية مناضلة ما فتئت تضبط ايقاع شارعها السياسي وتتحمل الضغوط في سبيل الإبقاء على قنوات التواصل والحوار العقلاني». من الجانب الحكومي، كانت الحكومة قد أبدت استياءها من مخالفة «الوفاق»، ووجهت «كافة الجهات ذات العلاقة والاختصاص المسؤولة عن تطبيق هذه الأنظمة والقوانين إلى اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بمنع أي تجاوزات أو مخالفات قانونية مستقبلا»، إلا أن اللافت للنظر هو ذلك الرد السريع الذي أتى عبر اجتماع لكبار ضباط وزارة الدفاع برئاسة الشيخ خليفة بن أحمد، وزير الدفاع البحريني، قبل مرور 24 ساعة على انتهاء المسيرة، أكد فيه دعم رجال قوة الدفاع الدائم والمستمر لكافة المشاريع الإصلاحية الكبيرة التي ينتهجها الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، مشيرا إلى أن «رجال قوة الدفاع على أهبة الاستعداد دائماً لأي واجب يسند إليهم في الداخل والخارج»، مؤكداً أنهم دائماً جاهزون «لمساندة ودعم الجهات الأمنية في البلاد سواء في وزارة الداخلية أو الحرس الوطني، بما يسهم في الأمن والاستقرار الذي تنعم به البحرين»، وهو ما اعتبر ردا قويا ومباشرا على محاولة «الوفاق» تجاوز النظام وتسيير المسيرة رغما عن القرارات الحكومية. ولكن أمانة المؤتمر الدستوري رأت أن التلويح باستخدام القوة من خلال «زج القوات المسلحة البحرينية الباسلة في أغراض أمنية لم تخلق من أجلها، وتوجيهها بعيدا عن مهمات الدفاع عن الوطن والذود عن حياضه، إنما يفتح الباب على كافة الاحتمالات، ويذكر بأخطاء بعض الأنظمة التي لجأت إلى استخدام قواتها المسلحة ضد المدنيين العزل من مواطنيها وانتهى بها الحال إلى المحاكمة إمام المحاكم الدولية».

أمر آخر أخذ حقه من الاهتمام الكبير لتوابع «مسيرة الإصلاح»، ذلك هو التعليق القوي من قبل السفير الكويتي في البحرين، جاسم المباركي، عندما انتقد مسيرة الجمعة «غير القانونية»، مشيرا إلى أنها تترك أثرا سلبيا على الاقتصاد البحريني، وان المضي فيها بالرغم من عدم التصريح لها دعوة للفوضى، مبينا أن أي تأثيرات سلبية في البحرين لها انعكاساتها على دول مجلس التعاون، خاصة أنها مرتبطة بها في العديد من مجالات التعاون. هذا التعليق لم يجد صدى طيبا لدى مناصري «الوفاق» الذين اعتبروه تدخلا في شؤون بلدهم الداخلية، وانتقادا غير مقبول من سفير دولة خليجية.

وما بين ترقب الشارع البحريني لقرار الحكومة بـ«عقاب» جمعية الوفاق، على «مخالفتها للنظام» وتسييرها لـ«مسيرة الإصلاح»، وبين انتظار رد فعل «الوفاق» لهذا القرار، والذي يتوقع أن يكون قويا ومساويا لقرار الحكومة، يبقى الوضع في البحرين أشبه بالترقب المتبادل بين طرفي المعادلة السياسية في المشروع الإصلاحي الذي يتبناه الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وهنا يعود الدبلوماسي العربي للتعليق بالقول إن «شعرة معاوية» كانت وما زالت سيدة الموقف في التعامل بين الأطراف المتضادة، وهي الميزة التي تحسب للمشروع الإصلاحي ولجميع المشاركين فيه من جمعيات سياسية وفعاليات ناشطة.