العالم العربي يسبح على بحر من دم .. تاريخ الاغتيالات

ليس السياسيين وحدهم بل طالت الصحافيين والروائيين

TT

نشأ العنف والاغتيال السياسي في العالم العربي في ظل الصراع السياسي وكأداة لحل الصراع السياسي في الوقت ذاته. وعكس في غالبية الحالات العربية ميلا الي الاعتقاد بأن الطرف المتورط في القتل يقوم بذلك من اجل «هدف نبيل». هذا الميراث الشمولي ارتكز على ثقافة سياسية اتسمت، من حيث الأساس، بظواهر الحذف والبتر والإقصاء والنفي السياسي للآخر، وربما باستثناء السودان، لم يخل بلد عربي من انفجار الاغتيالات السياسية التي ظل فاعلها في الاغلب الأعم مجهولا وبلا حساب، وبما بين سياسيين ومثقفين وكتاب وصحافيين قتل المئات .

ففي العراق مثلا، سجل اغتيال وزير الدفاع العراقي جعفر العسكري أول ضحايا انقلاب بكر صدقي عام 1936، لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر، حين اغتيل صدقي نفسه في 11 أغسطس (آب) 1937. وكان الظن السائد حينها أن الأمور عادت إلى طبيعتها بعد فاصل مزعج، إلا أن المؤسسة العسكرية بدأت تسعى إلى دور «اللاعب»، لا إلى دور «الأداة» في اللعبة السياسية، فقامت بانقلاب ناجح في يوليو (تموز) 1958، وكان ضحيته جميع رموز العهد الملكي بدون استثناء، ومن بينهم الملك فيصل الثاني والوصي عبد الإله والسياسي المخضرم نوري السعيد. ومنذ 1958، شهدت المؤسسة العسكرية تبدلاً أساسياً في وظيفتها التي انتقلت بدورها إلى التنافس على صدارة المواقع القيادية، وسجل انقلاب فبراير (شباط) 1963 مرة أخرى تصفية أركان الانقلاب السابق، وفي مقدمتهم عبد الكريم قاسم، وما لبث أن أدى إلى انقلاب داخل الانقلاب، حمل حزب البعث في يوليو (تموز) 1968 إلى سدة السلطة. وما هو معروف على نطاق واسع أن رموز قيادة هذا الانقلاب كانوا خمسة عسكريين، منهم ثلاثة من أبناء تكريت، وهم على التوالي: أحمد حسن البكر وحردان عبد الغفار التكريتي وحماد شهاب. ولم يكد يمضي سوى وقت قصير حتى نشب النزاع على السلطة، وكان حردان التكريتي أول ضحاياه في عملية اغتيال مدبرة في الكويت، تلاه في التسلسل حماد شهاب. هكذا كرت مسبحة الاغتيالات السياسية في إطار النخبة البعثية، راح ضحيتها صالح مهدي عماش وعبد الخالق السامرائي وشفيق الكمالي وعزت مصطفى ومرتضى الحديثي وآخرون غيرهم. صحيح أن أسلوب الاغتيالات كان نهجاً ثابتاً في سياسات بغداد، إلا أن الصحيح كذلك هو الاختلاف في الآليات المتبعة والأهداف المطلوبة، ذلك أن استراتيجية الاغتيالات طرأ عليها تبدل بحيث باتت تستهدف القضاء على عناوين المعارضة ورموزها باعتبار ذلك مدخلاً لتفكيك بنية المعارضة وإضعاف قدرتها على الاستمرار. وفى الاردن اغتيل الملك عبد الله الأول بن الحسين أول ملوك الأردن عام 1951 بالرصاص عند المسجد الأقصى في القدس. وبعد ذلك قتل ابراهيم هاشم رئيس وزراء الاردن 1958 في بغداد عند تفجر الثورة العراقية، بينما كان وزميله سليمان طوقان في زيارة بحكم كونهما عضوين في سلطة «الاتحاد العربي» الذي جمع الحكمين الملكيين الهاشميين في كل من العراق والأردن. واغتيل هزاع المجالي رئيس الوزراء الاردني الراحل 1960 في تفجير داخل مكتبه بعمّان. كما اغتيل وصفي التل رئيس الوزراء السابق 1971 بالرصاص عند فندق الشيراتون بالعاصمة المصرية القاهرة، إبان مؤتمر مجلس الدفاع العربي المشترك، ونفذ الاغتيال فلسطينيون ثأراً لأحداث «ايلول الأسود».

وفي المملكة العربية السعودية قتل الملك فيصل بن عبد العزيز 1975 على يد ابن أخيه فيصل بن مساعد بن عبد العزيز في القصر الملكي بالرياض. اما في سورية، فاغتيل سامي الحناوي (قائد الانقلاب العسكري 1949) عام 1950 في بيروت علي يد أحمد حرشو البرازي ثأراً لابن عمه رئيس الوزراء محسن البرازي الذي أعدم بعد انقلاب الحناوي. كما اغتيل عدنان المالكي أحد أبرز كبار ضباط الجيش السوري العروبيين 1955 في الملعب البلدي في دمشق، وأدى اغتياله الى ضرب الضباط المؤيدين للحزب السوري القومي الاجتماعي بعد اتهام الحزب بالجريمة. كما اغتيل اديب الشيشكلي رجل سورية القوي فى النصف الاول من الخمسينيات، وهو ينتمي الى الطائفة السنية، في البرازيل 1964 على يد نواف غزالة وهو من جبل الدروز، وقتله انتقاما لضربه الجبل اثناء حكمه وسطوته. أما أشهر الاغتيالات فى سورية فهو اغتيال صلاح الدين البيطار أحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي ورئيس الوزراء والوزير السوري السابق الذي اغتيل 1980 بالرصاص في منفاه بالعاصمة الفرنسية باريس. اما في فلسطين فقتل كمال ناصر وكمال عدوان ويوسف النجار (أبو يوسف) وهم من كبار قادة المقاومة الفلسطينية 1973 في شققهم بالعاصمة اللبنانية بيروت، ونفذت عمليات الاغتيال قوات خاصة اسرائيلية. واغتيل خليل الوزير (أبو جهاد) احد مؤسسي حركة «فتح» وأبرز قادتها عام 1988 في تونس، خلال عملية نفذتها قوة خاصة اسرائيلية. ولحقه صلاح خلف (أبو اياد) نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وأحد مؤسسي حركة «فتح» والرجل الثاني فيها عام 1991، الذي اغتيل في تونس، خلال عملية نفذتها قوة خاصة اسرائيلية. وفي 1995 اغتيل فتحي الشقاقي زعيم «حركة الجهاد الاسلامي» في فاليتا عاصمة مالطة. واغتيل مصطفى الزبري (ابو علي مصطفى) أمين عام «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» عام 2001 في سياق سلسلة عمليات الاغتيال العسكرية المنظمة بطائرات الهليكوبتر، داخل مكتبه بمدينة رام الله. اما آخر الاغتيالات فكان اغتيال الشيخ احمد ياسين مؤسس حركة «حماس» ومرشدها وذلك عام 2004 علي يد اسرائيل، ثم عبد العزيز الرنتيسي قائد «حماس» في غزة 2004 اما اشهر التصفيات الداخلية فكان اغتيال رسام الكاريكاتور الشهير ناجي العلي في لندن أوائل الثمانينات. * كاتب وأكاديمي عراقي مقيم في فيينا