كيف يستفيد الخليجيون من اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي؟

ترتيب البيت من الداخل قبل ترتيبه من الخارج

TT

«كانت ولادة متعسرة بالفعل»، هذا هو الوصف «المناسب» الذي أطلقه عضو من أحد الوفود الخليجية المشاركة في اجتماعات اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي. وبعد اتفاق الجانبين في المنامة قبل ثلاثة ايام على انتهاء المفاوضات قبل نهاية العام الجاري، يتردد السؤال التالي: ما هي الفائدة التي سيجنيها المواطن الخليجي من جراء توقيع هذه الاتفاقية؟، وكيف ستكون انعكاساتها على الحياة اليومية لهذا المواطن؟

بداية، وبالرغم من ان إجمالي عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي يبلغ 21 مليون نسمة، إلا إنها تعد خامس اكبر سوق لصادرات الاتحاد الأوروبي، متفوقة في ذلك على دول وتكتلات كبرى مثل الصين ودول اتحاد الكومنولث المستقلة، حيث يعد مجلس التعاون الخليجي هو الوحيد الذي يوفر للاتحاد الأوروبي فائضا تجاريا ثابتا.

وتفتح اتفاقية التجارة الحرة الأوروبية الخليجية (المنتظرة)، بعد أكثر من 15 عاما من المفاوضات الطويلة حتى غدت من أطول المفاوضات الاقتصادية في العالم، باب التعاون بين الجانبين للوصول إلى آفاق جديدة تشمل الاستفادة من التجربة الأوروبية في مجالات متعددة، بالإضافة إلى فتح الأسواق أمام البضائع من كلا من الطرفين. وإن كان الجانب الأوروبي سيستفيد بصورة أكبر من الجانب الخليجي، باعتبار أن البترول يشكل 70% من صادرات دول مجلس التعاون الخليجي. فيما ستكون مجالات الاستفادة للجانب الخليجي متعلقة بمجالات أخرى، مثل تنظيم ندوات وورش التجارة الالكترونية وتدريب كوادر مكتب براءات الاختراع في مجلس التعاون، وتقديم الدعم الفني والاستشارات في المجال الزراعي، والتعاون في مجال تشخيص الأمراض الحيوانية، والاستفادة من خبرات المستشفيات البيطرية الأوروبية، والتعاون بين الجامعات ووسائل الإعلام. وكل هذه المجالات وغيرها تعرف في الاتفاقية بـ«فعاليات الشراكة». علما أن دول التعاون الخليجي تفتح أبوابها أصلا أمام كافة منتجات دول الاتحاد الأوروبي لما تتبعه اقتصاديات هذه الدول من سياسات الأسواق الحرة، في الوقت الذي يلجأ فيه الاتحاد الأوروبي عادة إلى وضع العقبات والعراقيل أمام المنتجات الخليجية.

وقال محمد بن عبيد المزروعي الأمين العام المساعد لمجلس التعاون الخليجي للشؤون الاقتصادية لـ«الشرق الأوسط» إن الاتفاقية ستنعكس ايجابيا على المواطن الخليجي، باعتبار أن دول المجلس تسعى أساسا في هذه المفاوضات المطولة للحد من القيود الاوروبية على الصادرات الخليجية، مبينا أن الاتفاقية ستخلق فرصا استثمارية واسعة، «وهو الأمر الذي سيؤدي إلى فرص وظيفية جديدة للشباب الخليجي». وأضاف المزروعي أنه ستتوفر للمواطن الخليجي فرص متعددة للاختيار من السلع والبضائع المتعددة، «كما أن الاتفاقية ستوسع المنافسة بين الأطراف المتعددة الموجودة في الأسواق الخليجية. مما يعني بالتأكيد وجود خدمات أفضل وسلع أرخص». واعتبر المزروعي أن الاتفاقية ستعزز من وضع الشركات الخليجية بحكم وجود المنافسة القوية، كما أنها «ستبني عودا صلبا للشركات الوطنية»، بحكم احتكاكها ومشاركتها للجانب الاروبي الخبير في هذا المجال. واعتبر أن من أكبر الفوائد المرجوة من الاتفاقية موضوع نقل التكنولوجيا وما يجذبه من استثمارات كبيرة للمستثمرين الاجانب في المنطقة الخليجية.

غير ان الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية اعترف بوجود تأثير سلبي لهذه الاتفاقية. لكنه استدرك بأنه تأثير طبيعي و«محدود على بعض القطاعات». وأشار إلى أن أكثر القطاعات تأثرا ستكون هي المنشآت الصغيرة بسبب وجود شركات ضخمة تنافسهم منافسة شرسة، «ربما لا يستطيعون الاستمرار معها». غير انه اعتبر أن الحل لهذه المنشآت الصغيرة، سيكون في الاندماج وتحقيق الميزة التنافسية التي تساعدهم على الاستمرار في المنافسة.

وبالرغم من الارادة السياسية التى اظهرها الطرفان، الا ان هذه الارادة ستواجه قريبا استحقاقات التفاوض بين طلب اوربي وتحفظ خليجي على قضايا تتعلق بتحرير تجارة الخدمات، الذي وافقت دول الخليج، على مضض، على ضمه للاتفاقية، على ان يقتصر ذلك على قائمة قصيرة يمكن توسيعها لاحقا. فيما استمرت المطالبات الاوروبية بدخول شركاتها في المناقصات الحكومية التي تطرحها دول الخليج، وهي الخطوة التي تخشى دول التعاون أن تضر بقطاع الخدمات الناشئ لديها.

وتشير معلومات متطابقة الى أن بين أسباب «الجمود»، (وهو الوصف الذي استخدمه تقرير أعده الفريق التفاوضي وعرضه امام اجتماع وزراء مالية التعاون الاسبوع الحالي في الرياض)، تعود الى هيكلة المفاوضات وفريق التفاوض. ففي حين اشتكى فريق التفاوض الخليجي من عدم تجاوب الحكومات بالسرعة المطلوبة مع مطالبات الفريق التفاوضي مما يتسبب في تأخير عرض الموقف الخليجي الموحد تجاه المقترحات الاوروبية، تشير المصادر الى ان دولة الامارات العربية المتحدة تقدمت بمقترحات محددة لتقوية الفريق التفاوضي وتشمل هذه المقترحات تفريغ المنسق العام وهو المقترح الذي يحظى بتوافق كبير. كما اقترحت الامارات تدعيم الفريق بلجان متخصصة. ولكن لم تقتصر عقبات التوصل لاتفاق على الجانب الخليجي، حيث تشير المعلومات الى ان اشتراط الاوروبيين اقامة اتحاد جمركي وتعرفة موحدة بين دول الخليج قبل التوصل لاتفاق بين الجانبين ساهم في تأخير التوصل لاتفاق. وقد عاد هذا الملف من جديد برغم قيام الاتحاد الجمركي الخليجي في 2003 بعد ان قامت البحرين بابرام اتفاقية منطقة التجارة الحرة مع اميركا، وبدء كل من عمان والامارات مفاوضات مماثلة، حيث ابدى الجانب الاوروبي بشكل مستمر، قلقه من ان تؤدي هذه الاتفاقيات الثنائية الى اضعاف التكامل الاقتصادي الخليجي. كما ان الجانب الاوروبي اقحم خلال الاجتماع الذي عقد في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، قضايا ذات طابع سياسي مثل الهجرة غير الشرعية وحقوق الانسان ومكافحة الارهاب في المفاوضات، وقد ساهم ذلك في اطالة امدها حتى اتفق الجانبان على استبعاد هذه الموضوعات «السياسية» من النص الاساسي لاتفاقية منطقة التجارة الحرة ونشره بصيغة رسائل تفاهم ملحقة بالاتفاقية.

وكان الاوربيون قد طلبوا من دول الخليج وضع قائمة بالخدمات التي ترغب في تحريرها، وتشير المصادر الى ان دول الخليج لم تقترح حتى الآن هذه القائمة. والامر ذاته تكرر في مجال تحرير قطاع المشتريات الحكومية، حيث رفضت دول الخليج في البداية ادراج هذا القطاع بدعوى انه غير مشمول اصلا في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية. لكن اوروبا رغبت في الحصول على تنازل بهذا الشأن. ومن المعروف ان دول الخليج تعطي الاولوية للشركات الوطنية عند طرح اي مناقصات حكومية وهو ما تريد الدول الاوروبية دخول شركاتها فيه. وتغطي الاتفاقية ايضا تجارة السلع وهو موضوع رئيسي، تشير المصادر الى ان التفاوض بشأنه يتطلب التوصل لاتفاق حول صادرات البتروكيماويات الخليجية، وبالتحديد السعودية لأوروبا وأيضا صادرات الأسماك الخليجية وبالتحديد العمانية. ومن المعروف ان الاتفاقية ستأتي مرفقة مع قائمة تفصيلية بالسلع التي سيتم تحريرها وتاريخ هذا التحرير حيث سيتم تحرير بعضها فوريا والآخر في فترات لاحقة.

ومع أن توقيع الاتفاقية أصبح وشيكا، إلا أن وعودا للجانب الأوروبي لم تترجم على أرض الواقع. فالمفوضية الأوروبية وعدت بإنشاء مكتب لها بالرياض، ولكنها ماطلت في ذلك قبل أن تبدي صعوبة تحقيق ذلك «لأنها بصدد تقويم جدوى مكاتب تمثيلها الخارجية، التي اصبحت تشكل عبئا ماليا ثقيلا عليها». وعد آخر تملص منه الأوروبيون وهو المساهمة في توفير التمويل اللازم لإنشاء مركز التقنية المقترح بسلطنة عمان، مع ان توصية إنشائه كانت التوصية الأساسية للمؤتمر الثاني للصناعيين الخليجيين ونظرائهم الأوروبيين الذي انعقد بمسقط في تشرين الأول (اكتوبر) 1995 .

أمر آخر أخذ حقه من الاهتمام في الفترات الأخيرة، وانعكس حتى على الاتفاقية نفسها، ذلك هو القلق الذي أبداه الجانب الأوروبي من التوقيع المنفرد لبعض الدول الخليجية لاتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة. وهنا اكدت دول الاتحاد الاوروبي على ضرورة أن تتفاوض دول الخليج ككتلة واحدة، اذ ان الاتفاقيات المنفردة أدت إلى بروز عوائق جديدة من قبل الطرف الأوروبي، الذي وجد في انفراد دول خليجية فرصة مناسبة لوضع مطالبات جديدة أخذت حقها من الاختلاف بين الجانبين.

وبالرغم من المزايا الكبيرة التي تزخر بها اتفاقية التجارة الحرة، إلا أن الخليجيين يعتبرون أن هناك ما هو أهم من هذه الاتفاقية ولم يتحقق بعد، وهو الاتحاد الاقتصادي المتكامل بين دول مجلس التعاون. فالمواطن الخليجي لم ير فوائد مباشرة لهذه الاتفاقيات الاقتصادية داخل نطاق المجلس ويتخوف هؤلاء من أن يكون التأثير الايجابي لاتفاقية التجارة الحرة مع الجانب الأوروبي، أكبر من تلك الاستفادة من الاتفاقيات الاقتصادية الخليجية بين الدول الأعضاء، وهو ما يعني أن المجلس قفز إلى ترتيب البيت من الخارج قبل الانتهاء من ترتيبه من الداخل. في حين يرى آخرون أن ما تحمله الاتفاقية الجديدة من ايجابيات، هو ثمرة لتأسيس اقتصادي متين بين دول المجلس، وهو ما سيتضح بصورة أكبر بعد توقيع الاتفاقية بصورة رسمية في نهاية العام الجاري، إذ لم تؤجل مجددا لتدخل العام السادس عشر.