أقلام كتبت التاريخ

روزفلت اهدى قلمه الى صحافي كتب افتتاحية تدعو لدخول الحرب العالمية الثانية

TT

قبل ثلاثة أشهر زاد غضب الغاضبين على دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الاميركي بعد اكتشاف ان توقيعاته على الخطابات، التي يرسلها الى عائلات الجنود الاميركيين لنقل اخبار قتلهم في العراق، ليست توقيعات اصلية ولكنها الكترونية. وعقد الوزير مؤتمرا صحافيا اعتذر فيه، وتعهد بأن يوقع على كل خطاب وفاة شخصيا وبقلمه. وربما كان يمكن لرامسفيلد ان يلقي اللوم على الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون لأنه اقر «قانون التوقيع الالكتروني في التجارة الداخلية والخارجية»، الذي اعطى التوقيعات الالكترونية صفة قانونية، وذلك بهدف تشجيع التجارة والمعاملات الالكترونية عبر الانترنت فى اطار ثورة الاقتصاد الالكتروني. وفي حفل التوقيع على القانون فى البيت الابيض وقع كلينتون الكترونيا. وكانت تلك اول مرة يوقع فيها رئيس اميركي على وثيقة ما «الكترونيا»، لكنها كانت المرة الاخيرة ايضا. اذ عاد كلينتون ومن بعده الرئيس الاميركي الحالي جورج بوش الى التوقيع على القوانين والمعاهدات الدولية باقلام حبر عادية، استخدمها قبل كل منهما المئات من قادة العالم فى توقيع الاتفاقيات منذ اكتشف القلم. واجمالا فقدت الكثير من الاقلام التي وقعت بها الوثائق التاريخية الاساسية فى التاريخ الاميركي منذ اعلان استقلال اميركا، لكن قلم توماس جيفرسون، الذي كتب اعلان الاستقلال، موجود في متحفه في مونتشيلو في ولاية فرجينيا، وهو من الفضة، ومن النوع الذي يغمس في الحبر. كما يحتفظ جامع تحف اميركي بقلم الرئيس ابراهام لنكون الذي وقع به على اعلان «عتق الرقيق»، وهو من الفضة ومن النوع الذي يغمس في الحبر ايضا. ومع نهاية القرن التاسع عشر، بدأ الرؤساء الاميركيون يوقعون باقلام حبر سائل، بعد ان اخترعها الاميركي لويس ووترمان في 1884 . واصبح اسمه «ووترمان» ماركة مشهورة في عالم اقلام الحبر، مثل اسمي «باركر» الذي اخترعه الأميركي جون باركر 1831 و«شيفر» الذي اخترعه جون شيفر 1819، حتى اخترع مواطنان من المجر قلم الحبر الجاف في 1938 . وكان عند الرئيس وودرو ويلسون اكثر من ماركة من هذه الماركات السائلة، ربما لأنه كان استاذا في الجامعة قبل ان يصبح سياسيا. ايضا ظلت الاقلام التى استخدمها الرئيس الاميركي الراحل فرانكلين روزفلت، الذي كان رئيسا لاربع دورات، محفوظة. واحد من هذه الاقلام عند احفاد جون باترسون، الذي كان رئيس تحرير جريدة «ديلي نيوز» في نيويورك، واهداه له بعد افتتاحية كتبها مباشرة بعد هجوم اليابانيين على قاعدة بيرل هاربر العسكرية، والتي ادت الى دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية. وقالت الافتتاحية التى نال عنها الصحافي قلم الرئيس هدية «نحن الآن يد واحدة للرد على العدو، ولتحقيق النصر، مهما كلف، ومهما طال». اما الرئيس جون كنيدي فكان يفضل استخدام قلم «ايستربروك» السائل (لا يصنع حاليا) للمناسبات الرسمية، وقلم «شيفر» الجاف للمراسلات الخاصة. واستعمل الرئيس ليندون جونسون اكثر من نوع، ومن اهم الاقلام التي استعملها قلم حبر وقع به على «قانون الحقوق المدنية» في 1965، الذى اهداه لاحقا الى داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ. وفيما فضل الرئيس ريتشارد نيكسون قلم «باركر» الجاف، وفضل الرئيس جيرالد فورد قلم «شاربي». وفضله ايضا الرئيس جيمي كارتر. لكن كارتر، لكثرة الكتب التى كتبها بعد ان ترك البيت الابيض، ولأنه وقع على مئات من كتبه خلال جولات الدعاية لها، بدأ يستعمل قلم حبر جاف من نوع «باركر». وفضل ريغان الاقلام الجافة على السائلة.

اما كلينتون فقد فضل استخدام اقلاما جافة قبل ان يصبح رئيسا، لكنه فضل قلم «شاربي» السائل عندما كان في البيت الابيض. وخلال فترة رئاسته الثانية، اعتمد كلينتون على اقلام «باركر» الجافة، وهو الذي شجع عادة التوقيع على قانون او اتفاقية بأكثر من قلم واحد، اذ كان يكتب كل حرف من اسمه بقلم وهو شيء غريب، ثم يهدي الاقلام الى الحاضرين، وخاصة الذين لهم صلة بالقانون او بالاتفاقية. وسار الرئيس بوش على نفس العادة.

ومن الاقلام التاريخية التي تحتفظ بها المتاحف وجامعو المقتنيات التاريخية قلم الرئيس جروفر كليفلاند الذي وقع به على اتفاقية انضمام ولاية يوتا للولايات المتحدة في 1894 . والقلم الذي وقع به الرئيس جون كنيدي على اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية في 1962 . ومن الاقلام التاريخية التى ما زالت موجودة ايضا قلم الجنرال شستر نيتمز الذي وقع به على معاهدة تسلم القوات اليابانية مع نهاية الحرب العالمية الثانية في 1945 (الجنرال دوغلاس ماكارثر وقع ايضا، ولكن كقائد لقوات الحلفاء، وليس باسم القوات الاميركية وما زال القلم موجودا). ولم يعد رائد الفضاء الاميركي نيل آرمسترونغ بقلم من القمر، بعد ان اصبح اول انسان يهبط على سطحه، ولكنه يحتفظ بالقلم الذي وقع به الرئيس نيكسون على ميدالية الحرية التي منحها له بعد عودته من القمر.

وفي «مركز نيكسون» في ولاية كاليفورنيا ما زال يحتفظ بالقلم الذي وقع به على اتفاقية نهاية الحرب بين الولايات المتحدة والمكسيك في 1848، والتي تخلت بها المكسيك عن ولايات كاليفورنيا واريزونا ونيومكسيكو، مقابل 15 مليون دولار.

ومع ان كل الاقلام التي توقع بها اتفاقيات تاريخية هامة او التى يستعملها الرؤساء يتم الاحتفاظ بها في متاحف، الا ان الاقلام التي ترتبط تاريخيا بفضيحة ما أدت الى تغييرات التاريخ تحتل مكانة مختلفة لانها تصبح جزءا من التاريخ للاحداث. وفي مكتبة الكونغرس الان هناك بقايا من مقتنيات الرئيس نيكسون عندما كان في البيت الابيض، وبعضها له صلة بفضيحة «ووترغيت» التي كانت سبب استقالته، ومنها قلم وقع به على قوانين واتفاقيات. وفي متحف في ولاية فلوريدا بقايا من مقتنيات الرئيس كنيدي منها جواز سفره، وجواز سفر زوجته جاكلين، عندما كان عضوا في الكونغرس، غير ان هناك كذلك قلم حبر سائل كان يستعمله. وفي متحف التاريخ الاميركي في واشنطن قلم الحبر السائل الذي استعمل للتوقيع على تعديل الدستور الاميركي لمنح المرأة حق التصويت 1920 .

اما في متحف ولاية كنساس فيوجد قلم الحبر المغموس الذي وقع به الجنرال روبرت لي، قائد قوات الولايات الجنوبية خلال الحرب الاهلية الاميركية، على اتفاقية الاستسلام لقوات الحكومة الفيدرالية. وعند جامع مقتنيات تاريخية القلم الذي وقع به الرئيس كارتر، في 1979، على اتفاقية التنازل عن اي حق اميركي في قناة بنما.

ولا يبحث جامعو المقتنيات التاريخية عن شيء مثل بحثهم عن القلم الذي وقع به الرئيسان السابقان الروسي جوزيف ستالين والالماني ادولف هتلر اتفاقية التحالف بينهما مع بداية الحرب العالمية الثانية، ليس فقط لأن الاتفاقية تاريخية، ولكن، ايضا، لأن هتلر، بعد ان غزا الكثير من البلدان الاوروبية، نقض الاتفاقية وغزا روسيا ايضا. وقال جامع مقتنيات تاريخية اميركي انه يحاول الحصول على قلم عند بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء اسرائيل السابق، وكان وقع به على تحالف مع اسرائيليين معارضين لاتفاقية اوسلو مع الفلسطينيين، وقال خطاب التحالف ان «لا بد من معارضة اي اتفاقية تحول الوضع من سيء الى اسوأ». وقيل ان نتنياهو يحتفظ بالقلم «ليوقع به على معاهدات السلام مع قادة الدول العربية التي لم توقع معاهدة سلام مع اسرائيل».