كـلمات عـابـرة.. للـغـات

«جهاد» و«انتفاضة» و«أم المعارك» تنقل العربية إلى العالمية و«كومبيوتر» و«إنترنت» و«موبيل» و9/11 تدخل كافة اللغات

TT

متى تصبح كلمة اجنبية جزءا من لغة محلية فى بلد ما؟ معهد اللغة الانجليزية فى اميركا وضع الشروط الآتية: اولا، عندما لا تحتاج الكلمة الى شرح، ثانيا، عندما لا تكتب بين قوسين او هلالين، وثالثا، عندما تتحول من اسم علم الى اسم عادي. وقال المعهد ان الشروط ليست شروطه هو، ولكنها تعتمد على توصيات خبراء اللغات العالمية الرئيسية، والذين يعتمدون «عليك انت ايها القارئ، وعلى مدى استعمالك لكلمات اجنبية». ووضع المعهد نفس الشروط لتحديد ما الذي تعنيه «كلمة عالمية». وقال في احد طبعاته قبل سنوات ان هناك خمسين «كلمة عالمية»، اي الكلمات التي اصبحت جزءا من اللغات العالمية الرئيسية، ومنها بنك، وشيك، وشيكولاته، وسيجارة، وغاز، واوتيل، وانفلونزا، ومدام، واوبرا، وكورس، وراديو، وباسبورت، وبيانو، وبوليس، وبروباجندا، وتاكسي، وزنك، وكومبيوتر، وانترنت. وهناك كلمتان من بين الخمسين كلمة اصلهما عربي وهما قهوة، وكحول. وبعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) على اميركا 2001، امكن اعتبار «9/11» كلمة عالمية، او رقما عالميا يعني شيئا معينا، وهو اول رقم يحدث له ذلك. وقال «معهد اللغة الانجليزية»: ان هناك خمسين كلمة اخرى في طريقها لتصبح عالمية، مثل كوكتيل، وانسكلوبيديا (موسوعة معارف) وهستيريا، وجاز، ومكرونة، وبيتزا، ونيكوتين، وبيجاما، وروماتيزم، وسلطة، وفيزا، وفانيلا. وفي القائمة هناك ثلاث كلمات اصلها عربي، وهي امونيا، ومقهي، وديناميت. وهناك خمسة اصوات اصبحت عالمية، منها بانغ (صوت انفجار)، وهس (صوت زحف ثعبان)، ومياو (صوت قطة)، وكواك (صوت بطة).

وقد نشرت صحيفة «واشنطن بوست»، خلال الاسبوعين الماضيين، كلمة «جهاد» اكثر من عشر مرات، معظمها اشارات الى «منظمة الجهاد» الفلسطينية، ومنظمات «جهادية» اسلامية اخرى. لكنها نشرت «جهاد» مرتين ككلمة انجليزية، مثلما جاء في موضوع عن زيادة تبادل الاتهامات بين قادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي، للإشارة الى ان «علاقة الود والإخاء تحولت الى جهاد»، اي «صدام». ونشرت الصحيفة، خلال نفس الفترة عبارة «أم كل المعارك» ثلاث مرات. مرة اشارة الى وصف الرئيس العراقي السابق صدام حسين الي المواجهة بينه وبين القوات الاميركية، ومرتين كعبارة انجليزية، الاولي في موضوع عن اغنية جديدة للمغنية الاميركية مارايا كاري، وصفتها الصحيفة على انها «ام كل الاغاني»، وثانيا، في موضوع عن وصول مولد كهربائي ضخم الى العراق، على انه «ام كل المولدات الكهربائية».

وتستعمل الصحيفة، منذ سنوات، كلمة «انتفاضة» ككلمة انجليزية (بدون وضعها بين قوسين او هلالين)، مثلها مثل كلمة «تسونامي» اليابانية (زلزال تحت سطح البحر يسبب موجات مد بحرية عاتية)، و«ختزبا» (جرأة) العبرية، و«نيت» (لا) الروسية. وكانت الصحافة الروسية، وقبلها صحف غربية قد استخدمت كلمة «شهيد» و«شهيدة» لوصف الاشخاص الذين يفجرون انفسهم فى عمليات انتحارية، مستعيرين هاتين الكلمتين من اللغة العربية. ومن ناحيتهم، بات العرب يستعلمون كلمات انجليزية فى حياتهم اليومية من دون الحاجة الى ترجمتها مثل «فيروه» (فصلوه)، و«فنشوهو» (تخلصوا منه)، و«باركنج» (موقف سيارات)، و«باي باي» اي مع السلامة، و«مركلس» اى فى حالة استرخاء. وفشل العرب الذين يريدون ترجمة كل كلمة انجليزية ترجمة حرفية، على طريقة الرئيس الليبي معمر القذافي الذي كتب ان مدينة «نيويورك» يجب ان تكون «يورك الجديدة»، وان مشروب «سفن آب» يجب ان يكون «سبعة عالية». وهناك بالمقابل كلمات انجليزية كثيرة اصبحت جزءا من اللغة العربية، مثل راديو، وتليفون، وتليغراف، وتلفزيون، وبوسطه، وبوليس، وساندويتش، وكومبيوتر وانترنت. وربما يريد العرب مراجعة تراجم قديمة ركيكة لكلمات مثل «قمر صناعي» و«مكوك الفضاء».

* تهجين مستمر

* ولا بد أن يستمر هذا التهجين بين اللغتين العربية والانجليزية، خاصة مع زيادة المواصلات والاتصالات بين العرب والغرب، ومع زيادة زحف اللغة الانجليزية وسط العرب (في بلادهم وفي اميركا)، ومع زيادة تغطية الصحف الاميركية لاخبار العرب. وربما قريبا ستستعمل الصحف الاميركية كلمات مثل «كفاية» و«ان شاء الله» و«بكره» و«معليش» ككلمات انجليزية. وفي الجانب الآخر، على العرب ان يستعدوا لكلمات انجليزية جديدة، مثل «سروغيت مازر» (امرأة تتبرع برحمها لحمل جنين امرأة اخرى) و«يوثانيشيا» (الموت الرحيم). وليست ظاهرة الكلمات عابرة اللغات بجديدة، فهناك كلمات علمية اصبحت عالمية منذ عقود طويلة مثل جبر وكيمياء وفيزياء (اصلها عربي)، وسايكولوجي (علم النفس)، وفيسيولوجي (علم الاعضاء) وزيولوجي (علم النبات)، وانثروبولوجي (علم الاجناس)، وبايولوجي (علم الاحياء). وعلى نفس المنوال هناك كلمات مايكروسكوب وتلكسوب وفيتامين وتوربينة، ومغناطيس وبترول وبندول وتيرموميتر (ميزان الحرارة). واسماء امراض مثل انفلونزا ودوسنتاريا وتراكوما وابيولا وايدز. واسماء ادوية، مثل: اسبرين وفاليوم وليبريوم وفياغرا. وطبعا، هناك كلمات عالمية بديهية، مثل المقاييس (متر وسنتيمتر وقدم وبوصة)، وخطوط الطول والعرض، واشكال علامات الجمع والطرح والقسمة والضرب. والمعادلات الكيماوية، والنوتة الموسيقية، واسماء الاماكن والناس ( الاسم لا يتغير من لغة الى اخرى). كما ان هناك كلمات «سياسية» عالمية دخلت اللغة العربية (العربية هي اللغة السادسة من حيث شيوعها فى العالم) مثل ديمقراطية ودكتاتورية وليبرالية، وهناك كلمات اقل شيوعا مثل اتوقراطية (حكم الفرد)، وثيوقراطية (حكم رجال الدين)، وتكنوقراطية (حكم كبار الموظفين). ومن الكلمات العسكرية العالمية التي دخلت كل اللغات تقريبا مارينز وهليكوبتر وكروز. وهناك ايضا كلمة «ترويكا» وهي كلمة روسية الاصل (الروسية خامس اكثر اللغات انتشارا فى العالم)، وتعني عربة تجرها ثلاثة خيول، وتستخدم عالميا للاشارة الى اللجنة او الهيئة التى تتكون من ثلاثة أشخاص او ثلاث جهات. وكلمة «هاتريك» وأصلها انجليزي بريطاني وهي مشتقة من تعبير «رفع القبعة» احتراما وتقديرا للاعب الذي يحرز ثلاثة اهداف فى مباراة للكركيت، واصبحت الان تستخدم للاشارة الى من يحرز ثلاثة اهداف في اي لعبة، خاصة في كرة القدم. وبسبب الصلة التاريخية بين اللغات الاوروبية والمسيحية، هناك كلمات من الديانة المسيحية اصبحت عالمية، مثل «بايبل» (انجيل)، و«بروفيت» (نبي)، و«سالفيشن» (خلاص)، و«فيرجن» (عذراء). ومن «القرآن الكريم» هناك كلمات عالمية يستعملها الجميع بنفس المعني مثل «الله» و«ان شاء الله»، و«سلام عليكم»، «شهر مبارك»، «اخواتي» و«الله اكبر».

* كلمات.. تأكل وتشرب

* ومن كلمات الطعام والشراب التي دخلت كل اللغات ومن بينها العربية: بسكويت وشمبانيا وبيره وكوكتيل وكاري وهامبورغر وباستة وبيتزا وبودنغ وساندويتش وسجق وسباغتي وستيك وتوست وشبس (شرائح بطاطس او ذرة محمرة). ومن كلمات المواصلات والاتصالات العالمية التي دخلت اللغة العربية: كابل وبرميل وفاكس وتاكسي وتراكتور وترانسستور وفيديو وروبوت (اصلها سلافي ومعناها «عبد» يلبي كل ما يطلب سيده). يضاف الى ذلك انترنت وويب ودسك وايميل ومودم وريموت كونترول وآنسرنج ماشين ومسيدج وميسد كول وموبايل (ويتوقع ان يتغلب هذا على الترجمة العربية، سواء «جوال» او «خلوي»). ومن الكلمات الرياضية العالمية التي دخلت العربية: جول واوفسايد وآوتسايد وفاول وهاندبول وكورنر. وأسماء العاب مثل كركيت وجمباز وبولو وتنس وغولف وتنس الطاولة و«هوكي» و«بيسبول» و«سكي» (التزحلق على الجليد)، و«سكيت» (المشي على الجليد)، و«باسكتبول« (كرة السلة) و«فولي بول» (الكرة الطائرة) و«ووتربول«(كرة الماء)، و«راكتبول» (كرة المضرب)، و«جول كيبر« (حارس مرمى) و«بنالتي« (ضربة جزاء). اما الكلمات الفنية العالمية التي دخلت العربية فمنها: كوميديا وتراجيديا وباليه وكورس واوركسترا وفيديو وساكسفون وسمفونية ودراما وسيرك وميكرفون وموديل وفايولينا وغيتار (اصلها عربي).

وقال خبراء في اتحاد اللغات العالمية المتداخلة (وعندهم قاموس الكلمات العالمية المتداخلة) ان «الكلمة العالمية» يمكن ان تكون متداولة في لغتين فقط، لا اكثر من ذلك. وان الشرط الاول هو تطابق نطق الكلمة في اللغتين، رغم اختلاف طريقة كتابتها، مثل «هاوس» (منزل) في اللغتين الانجليزية (ثاني اكثر اللغات انتشارا فى العالم) والالمانية. كما انه يجب الا تكون «الكلمة العالمية» مشتقة من لغة رئيسية، ويمكن ان تكون من لغة فرعية او حتى غير مكتوبة، ثم تتبناها لغة رئيسية، مثل «ايغلو»، ومعناها بيت من جليد عند الاسكيمو، التي التقطتها اللغتان الروسية والانجليزية، ونشرتهما حول العالم. وهناك كلمات عالمية انشطرت عن بعضها البعض، مثل «مايكرو ـ سكوب» و«تلغراف» اللتين انشطرتا واندمجتا لتظهر منهما كلمات اخرى، منها «مايكروغراف» و «تلسكوب». وهناك كلمات تدخل لغة اخرى لأن في تلك اللغة كلمة مشابهة لها، رغم اختلاف معنى الكلمتين، مثل «دولار» الانجليزية التي دخلت اللغة الالمانية بسهولة لأنها تشبه كلمة «ديل» الالمانية، ويعتقد كثير من الالمان انها اصل كلمة «دولار».

* جذور عالمية

* وليست اللغة العربية، هي الوحيدة التي دخلتها كلمات من أصل اوروبي، اذ دخلت التركية كلمات اوروبية كثيرة مثل ايكونومست (اقتصادي)، وديجيتال (رقمي)، وانتلكشوال (مثقف)، وديفالويسون (تخفيض)، واسمليسون (اندماج). ودخلت اللغة الصينية كلمات مثل «بكيني» و«شيكولاته» و«جاز» و«كارد»، لكنها لا تزال تستعمل كلمات صينية لأشياء مثل سيارة، وشارع (ولا يبدو انها ستغير اسماء الاطعمة الصينية التي اصبحت عالمية). كما دخلت اللغة الالمانية، خلال السنوات القليلة الماضية كلمات مثل ساندويتش وتيم (فريق)، وسيتي (مدينة).

وهناك كلمات عالمية بحكم جذورها المتعددة التى تنتمي الى أكثر من لغة، مثلا «كوف» في اللغة الانجليزية، ومعناها واصلها «كهف» العربية، ثم تحولت الى «كبا» الاسبانية، وللكلمة مشتقات مماثلة في اللغتين الايطالية والفارسية. وهناك «جهنا» الانجليزية، ومعناها «الجحيم»، لكن اصلها ليس عربيا، انما هو عبري (اللغتان قريبتان جدا من بعضهما البعض)، ومنها «جينا» الايطالية». وكلمة «غرافة» العربية التى تطورت لتصبح «كارافيه» بالانجليزية، ومعناها وعاء، وتستعمل في وصف وعاء النبيذ، ولها مشتقات مماثلة في اللغتين الفرنسية والايطالية. اما أشهر الكلمات من هذا النوع فهما كلمتي «شاي» و«تي» واصلهما صيني، وهو اسم شجرة اوراق الشاي، لكن «شاي» هو الاسم بلهجة «الماندرين» الصينية، اكثر اللغات تداولا فى عالم اليوم، ونقلها البرتغاليون، بينما «تي» هو الاسم بلهجة «اموي» الصينية، ونقلها الايطاليون. والان يتناقل العالم كله هاتين الكلمتين للاشارة الى نفس المشروب الذى قال علماء الاجتماع عنه يوما انه احد الطرق التي يمكن توحيد العالم بها.