هـش.. هنــاك مــن يسمعــك

هيلاري كلينتون قالت للصحافيين إنها رأت المهاتما غاندي يعمل في محطة للوقود في ميسوري وريغان نقل للعالم خبر إزالة الاتحاد السوفياتي عن الخريطة

TT

في الاسبوع الماضي ادلى كوفي انان امين عام الامم المتحدة بتصريحات خطيرة، حمل فيها لاول مرة، اميركا وبريطانيا المسؤولية الجزئية عن فضيحة النفط مقابل الغذاء، بسبب سوء ادارة الدولتين للبرنامج، وصمتهما سابقا عن انتهاكات ومخالفات مالية. واشتكى انان من الدول التي تنتقد الامم المتحدة كثيرا (وكان يقصد ايضا اميركا وبريطانيا ودولا اخرى)، وقال ان الوقت حان لترد الامم المتحدة عليها. لكن انان، عندما قال ذلك في مؤتمر للمتحدثين السابقين باسم الامم المتحدة، لم يكن يعلم ان الميكرفون امامه مفتوح، وسجل كل ما قال ونقل للاخرين عبر العالم. وسارع المتحدث الحالي باسم الامم المتحدة، وتحمل مسؤولية عدم ابلاغ انان بأن الميكرفون مفتوح. لكن هذه ليست اول مرة يتكلم فيها مسؤول كبير او شخصية مشهورة، ويعتقد ان كلامه غير مسجل، او ان الميكرفون الذي يتحدث امامه مقفل، او ان كاميرا التلفزيون لا تصور. فقبل عشرين سنة، ايام الحرب الباردة، كان الرئيس رونالد ريغان يستعد لتسجيل حديث اذاعي اسبوعي للشعب الاميركي، وطلب منه الفني ان يقول كلمة او كلمتين لضبط الصوت، فقال ريغان «ايها المواطنون، يسرني ان انقل لكم أنني وقعت على قرار من الكونغرس بإزالة روسيا من خريطة العالم، وانني اصدرت اوامر بتدميرها، وان الصواريخ ستنطلق بعد خمس دقائق». ونقلت الكلمة عبر الاثير الى الاميركيين، فما كان من مسؤولى البيت الابيض سوى الاعتذار وتوضيح الامر. وقبل اربع عشرة سنة وفي سبتمبر (ايلول) 1991، تحدث الرئيس جورج بوش الأب عن اهمية استخراج مزيد من البترول من ولاية آلاسكا، وانتقد الذين قالوا ان آبار وانابيب البترول ستؤذي البيئة وتنفر الحيوانات التي تعيش هناك مثل الدب القطبي. وقال بوش من دون ان يعرف ان الميكرفون امامه مفتوح «لا تصدقوهم. انا ذهبت الى هناك، ورأيت عشرات الدببة تتناسل على انابيب البترول». غضب بوش لأن الصحافيين سجلوا كلامه ونقلوه، ونسي انه، قبل ذلك بشهر واحد، اي في اكتوبر (تشرين الاول) حذر الممثل السينمائي ارنولد شوارتزنيغر (حاكم ولاية كاليفورنيا الان) من الصحافيين ومن ميكرفوناتهم المفتوحة.

وقال له، وهما يقفان امام مجموعة من الميكرفونات، «كن حذرا من هذه الاشياء، وخاصة النوع الذي عليه غطاء من الصوف. يقولون ان الصوف ينقل حتى الصوت الخافت، وهذه هي خطورته. راقب ما تقول». وظهر بوش الاب في مقابلة تلفزيونية مع لارى كينغ، في قناة «سي ان ان»، في اكتوبر عام 1992، وقبل المقابلة تحدثا حديثا خاصا، من دون ان يعرفا ان الميكرفون مفتوح. واشتكى بوش من آلام تصيبه من آن لآخر. وقال كينغ «هناك دواء افضل من اسرائيل»، وسأله بوش «يوقف الرشح او ينوم؟»، وقال كينغ «منوم قوي جدا»، ورد بوش «ممتاز».

وفي عام 1986 زار الامير فيليب، زوج ملكة بريطانيا، الصين، ووصف العاصمة بكين بأنها «مدينة اشباح»، وقال لطلاب بريطانيين يدرسون هناك «اذا بقيتم هنا مدة طويلة، ستصبح عيونكم مثل عيون الصينيين»، وشد جانبي عينيه باصبعيه، ليجعلهما مثل عيون الصينيين، وما كان يعرف ان كاميرا تلفزيونية سجلت كلامه بالصورة والصوت، مما أدى الى استياء بالغ فى الاوساط الصينية ولدى الصينيين في بريطانيا، الذين وصفوا تصريحاته بالعنصرية وانها تدل على الجهل. وقبل ذلك بخمس سنوات، شاهد الامير فيليب، المعروف اجمالا بتهور تصريحاته، مظاهرة نظمتها نقابة عمال ضد العطالة، وقال «لماذا يشتكي هؤلاء الناس من العطالة؟ أليسوا هم نفس الذين طالبوا بساعات عمل قليلة؟». وفي 1993 انهى جون ميجور، رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت، مقابلة مع تلفزيون «آي تي ان»، وظن ان الميكرفون اغلق عندما وصف وزراء في حكومته وصفا بذيئا، ووعد ان «يصلبهم»، واعترف بانه «مثل البنات احيانا»، ولا يعرف كيف يخطط للحملة الانتخابية. ولاحقا سقط ميجور في الانتخابات العامة سقوطا مريعا. ومن المعروف ان اصل كلمة «ميكرفون» لاتيني من «مايكرو» ومعناها صغير، و«فون» معناها صوت. وظهرت اول مرة في قاموس لاتيني، في عام 1683، وكان تعريفها «آلة تجعل الصوت عاليا». وخلال الحرب العالمية الاولى، ساهم مهندسون عسكريون اميركيون في تطوير ميكرفون لمخاطبة الجنود، وقد صنعت شركة «ويسترن الكتريك» الاميركية اول ميكرفون للاستعمال العام. واصبح المغني الاميركي بنغ كروسبي من اوائل الفنانين الذين غنوا امام ميكرفون في عام 1922 . وبعد ذلك اصبح استخدامه شائعا جدا وجزءا من الحياة اليومية للسياسيين وصناعة الترفيه اجمالا. غير ان اكثر المتورطين في مطبات الصوت المفتوح هم السياسيون، فخلال الحملة الانتخابية الاولى للرئيس جورج بوش الابن عام 2000، كان يقف الى جواره ديك تشيني، الذي اصبح نائبه، ليجيب على اسئلة الصحافيين. وقبل بداية الاسئلة كان بوش يعتقد ان الميكرفونات لم تفتح، وعلق على بعض الصحافيين واشار الى آدم كلايمر مندوب صحيفة «نيويورك تايمز»، ووصفه وصفا بذئيا، بعد ان اتهم الصحيفة بأنها غطت حملته الانتخابية تغطية سلبية. وفي وقت لاحق اعتذر بوش متعللا «لأني تحدثت، اعرف ان الميكرفون مفتوح»، لكنه رفض الاعتذار للصحافي نفسه. وخلال الحملة الانتخابية الماضية، تحدث السناتور جون كيري، مرشح الحزب الديمقراطي، مرات كثيرة وكان يعتقد ان حديثه غير مسجل او مصور. مرة قال غاضبا، وميكرفون معلق على بدلته، ان «الجمهوريين مجموعة من الكذابين والحرامية، ولم ار في حياتي مثلهم». وطلب متحدث باسم الحزب الجمهوري من كيري ان يعتذر للشعب الاميركي «لأنه نقل الحملة الانتخابية الى مستوى ضحل لا يليق بالاميركيين». وقال جمهوري آخر ان كيري «ظل يقول ان بوش يلجأ الى اتهامات شخصية، وها هو يفعل نفس الشيء. انه منافق». ومرة اخرى قال كيري، ان الصحافيين لا يهتمون الا «باخبار سخيفة»، واحتج الصحافيون المرافقون له، وقال متحدث باسمه انه «لم يرد سوى لفت انظار الصحافيين». ومرة اخرى انتقد كيري السناتور جون ادواردز، من ولاية نورث كارولينا، الذي نافسه في الانتخابات التمهيدية فى الحزب الديمقراطي قبل ان يختاره كيري لمنصب النائب، قائلا "ادواردز يقول انه سيفوز في كل ولايات الجنوب. كيف يقدر على ذلك وهو لم يفز في ولاية نورث كارولينا؟» (في الانتخابات الرئاسية لم يفز الاثنان في اي ولاية من ولايات الجنوب، بما في ذلك ولاية نورث كارولينا).

وليس الرجال وحدهم هم من يعانون من «لعنة الميكروفون»، اذ قالت المغنية بريتني سبيرز على مسرح في ريو دي جانيرو في البرازيل مؤخرا «لا اصدق ان المشاهدين ظلوا ينتظروني كل هذا الوقت...»، ووصفت جماهيرها ومعجبيها وصفا غير لائق. كما قالت السناتور هيلاري كلينتون، ولم تكن تدري ان الميكرفون مفتوح «رأيت كثيرا من الهنود يعملون في محطات الوقود في سنت لويس (في ولاية ميسوري). حتى غاندي رأيته هناك». وهو تعليق جلب لها انتقادات حادة.