المائة يوم الأولى في حياة الرئيس

كيف واجه أبو مازن قضايا الأمن والقضاء والفساد والاقتصاد؟

TT

الاثنين المقبل يوافق مرور مائة يوم على تنصيب محمود عباس (ابو مازن) رئيسا للسلطة الفلسطينية خلفا لياسر عرفات. وفي برنامجه الانتخابي وخلال حملته الانتخابية، وعد ابو مازن ببذل اقصى جهوده لمعالجة العديد من «الملفات» التي تهم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. على رأس هذه الملفات: الفساد والاقتصاد والقضاء والأمن. فما الذي تم في ما يتعلق بهذه القضايا؟ توجهت «الشرق الأوسط» بالسؤال الى 4 شخصيات تمثل قطاعات مختلفة من الفلسطينيين، منهم الموظف والاكاديمي والسياسي والبرلماني والصحافي. والنتيجة الاجمالية التي توصلت اليها هذه الشخصيات، هي ان ابو مازن ما زال يحاول ويتعثر ويتقدم ببطء لاسباب داخلية وخارجية وربما شخصية في ما يتعلق بهذه الملفات. وفي ما يلي الردود التي حصلت عليها «الشرق الأوسط».

* الأمن

* قال عزام الاحمد عضو المجلسين التشريعي الفلسطيني والثوري لحركة فتح والوزير السابق، «ان شعار الأمن والأمان، الذي رفعه الاخ ابو مازن، ما زلنا بعيدين عن تحقيقه، رغم اعلان التهدئة فلسطينيا، اذ ما زالت اسرائيل غير ملتزمة بوعودها وما يسمى بالتزامات شرم الشيخ»، لكن الاحمد يؤكد ان الاصلاحات الأمنية قائمة منذ عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، وشكلت لجنة أمن وزارية بهذا الصدد. اما بالنسبة لقرار اعادة هيكلة الاجهزة الأمنية في 3 اجهزة، فقد اتخذ ايضا في زمن عرفات. موضحا ان الاعلان أخيرا عن التوحيد «غير دقيق».

ويتبنى نفس الموقف الدكتور يوسف ابو مارية استاذ مساعد في الصحة النفسية في جامعة الخليل، ولكن بحدة اشد، اذ يقول «الأمن لا يزال بعيدا عن متناول اليد، فالمواطن الفلسطيني لا يزال يعاني وبقوة من فقدان السلم الاجتماعي داخليا نتيجة لانعدام الأمن، وما زال الاحتلال قائما. يضاف إلى ذلك ان السلطة لا تزال حتى الآن هاربة من يد الشرعية والسلطة السياسية الي يد مؤسسات الأمن وبعض أصحاب النفوذ والمسلحين، ممن لم يستوعبوا بعد أهمية وضرورة الانتقال للمجتمع المدني والقبول بسلطة القانون». ويلاحظ خليل شاهين الكاتب الصحافي في جريدة «الأيام» الفلسطينية، انه رغم الخطوات الايجابية المتأخرة على صعيد توحيد الأجهزة الأمنية «الا ان هناك تزايدا فى مظاهر الانفلات الأمني، كجرائم القتل والسرقة والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة والاعتداء على الصحافيين وحرية التعبير. من دون قيام الأجهزة الأمنية بالدور المطلوب منها، بل أنها تقف عاجزة في كثير من الأحيان عن وضع حد لمخالفات البناء والتعدي على أراضي الغير، رغم مطالبة البلديات لها للقيام بدورها، ومن المشكوك أن يغير توحيد الأجهزة شيئا في هذا الواقع». ويقول شاهين: انه لا يزال هناك قصور واضح في تحديد وظائف ومهمات الأجهزة الأمنية، وماذا يريد المواطن الفلسطيني منها، بحيث يتم تحديد أعداد أفراد الأمن وطبيعة التأهيل المطلوب وفقا لمهمات ووظائف تلك الأجهزة. كما يعتقد ان طبيعة العلاقة بين مؤسستي الرئاسة ورئاسة الوزراء والأجهزة الأمنية ومجلس الأمن القومي، لا تزال غير واضحة المعالم، وربما يعود السبب إلى استمرار صراع النفوذ ومراكز القوى. كذلك يرى ضبابية في الحدود بين السلطة وأجهزتها الأمنية وحزبها السياسي، متمثلا في حركة فتح. وخلافا لذلك، يرى رفعت صالح المفتش في مديرية التربية والتعليم في محافظة طولكرم، ان ثمة محاولات جادة من قبل أبو مازن لتنظيم وتوحيد الاجهزة الامنية، بإحالة بعض من قياداتها الى التقاعد، مستعدا بذلك لبدء مرحلة تسلم المدن في حال تطبيق ما تم الاتفاق عليه في شرم الشيخ.

* الفساد

* ويقول الاحمد ان الفترة الاخيرة شهدت انجاز قانون الكسب غير المشروع، وينتظر تشكيل لجنة خاصة لمتابعته وتنفيذه. ويذكر الاحمد انه منذ صدور تقرير هيئة الرقابة المالية الذي اشار بالاسم الى بعض الفاسدين في السلطة الفلسطينية، فإن عملية محاربة الفساد والفاسدين جارية ومتواصلة. وسبق ان احيل العديد من الفاسدين في غضون السنوات الخمس الماضية الى القضاء.

ويؤكد الدكتور ابو مارية بدوره، ان كبار الفاسدين في السلطة ما زالوا بعيدين عن يد القضاء، رغم تحويل ملفات بعض صغار الموظفين في وزارة المالية الى القضاء. ويتابع «لا يشعر المواطن بجهد جدي وحقيقي بقرب محاسبة السارقين للمال العام. نستطيع ان نجزم بان السارقين المحتملين مستقبلا من كبار الموظفين سينجون هم أيضا، لان السلطة ورغم المطالبات المستمرة لم تقم بتطبيق المادة 28/2 من قانون السلطة القضائية والمتعلقة بالإقرار بالذمة المالية لكبار المسؤولين من الوزراء».

ويعتقد شاهين من ناحيته ان الفساد باشكاله المختلفة لا يزال قائما، وان السلطة تتهرب من محاربة جذور الفساد، بتحويل عدد من الشخصيات الى القضاء. ويقول شاهين انه رغم ايجابية هذه الخطوة الا انها تشكل محاولة لارضاء الناس وليس علاجا فعليا للفساد. ويتساءل «كيف يمكن تفسير نقل رموز معروفة بالفساد الى مناصب اكبر بدلا من اعفائها من جميع مهامها ومناصبها؟». ويذكر ان ابو مازن قرر في الاونة الاخيرة نقل عدد من العاملين في مكتبه الى مناصب اخرى. ويقول صالح ان هناك «اصرارا عند ابناء شعبنا على مواجهة الفساد في الواقع الاداري والمالي». ويضيف «يلقى ذلك ارتياحا، كما حصل عند تحويل اربع شخصيات من المالية الى النيابة بتهمة الفساد المالي، الا أن هذه التوجهات محدودة جدا».

* القضاء

* يؤكد الاحمد انه رغم الظروف الصعبة، فان المحاولات الجادة مستمرة من اجل بناء جهاز سلطة قضائية مستقلة قادرة على فرض القانون. ويعيد الاحمد هذه المحاولات الى عدة سنوات مضت. لكنه قال ان ابو مازن اولى هذا الملف اهتماما خاصا، منذ اليوم الاول الذي تولى فيه سلطاته كرئيس للسلطة، وبذل جهدا شخصيا من اجل توفير احتياجات ومتطلبات الجهاز القضائي ليتمكن من فرض سيادة القانون. لكن كل ما يقال عن الجهاز القضائي يظل مرتبطا بتطور الاجهزة الامنية وقدرتها كأداة تنفيذية.

غير ان الدكتور ابو مارية يأسف لانه حسب قوله، لم يلحظ أي جهد من اجل تفعيل سلطة القضاء وتعزيزها وإرساء سلطة قضائية مستقلة وفاعلة. ويقول «لا يزال نظام السلطة الفلسطينية قائما على أساس التنظير بضرورة فصل السلطات ولا تزال الآمال لإعادة الحياة إلى النظام القضائي تراوح مكانها، وما زال النظام القضائي عاجزا عن فرض سيادة القانون ومنع التجاوزات من ان تقع على حريات الأفراد أو على الأموال العامة». ويضيف «لا تزال القضايا في المحاكم مؤجلة وأجهزة الرقابة والتفتيش القضائي بلا فاعلية، وما زال قانون الإقرار بالذمة المالية معلقا وما زال مجلس القضاء الأعلى مشكلا خلافا لأحكام قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002، ولا تزال التعيينات في الجهاز القضائي والنيابة العامة تتم وفقا للاعتبارات السياسية ومراكز النفوذ بعيدا عن الخبرة والمهارة وبشكل مخالف للقانون سابق الذكر». ويؤكد موقف ابو مارية، الصحافي شاهين بقوله إن وعود أبو مازن على هذا الصعيد ما زالت في معظمها حبرا على ورق، حيث يتواصل تداخل الصلاحيات بين وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى، الذي يرفض عدد كبير من المحامين ورجال القانون الاعتراف بشرعيته أصلا، منذ تشكيله بقرار من عرفات. يضاف الى ذلك حسب شاهين «انه لا تزال التعيينات غير المهنية على حالها في سلك القضاء، مما أضعف من دوره، وهو الجهة المطلوب منها الحفاظ على هيبة وسيادة القانون، فضلا عن استمرار دور القضاء العشائري وعدم احترام الأجهزة الأمنية لقرارات المحاكم، بل وسعيها للتأثير في هذا القرارات». ويضم الموظف صالح صوته الى صوتي ابو مارية وشاهين بالتأكيد على ان المواطن الفلسطيني لم يلمس أي تغيير في سلطة القضاء والتحرك باتجاه سيادة القانون، ولم يتم طرح اية خطط لتأهيل كوادر القضاء واعادة هيكلة الجهاز.

* الاقتصاد

* يرى الاحمد انه في ضوء استمرار الاحتلال وتقطيع اوصال المناطق الفلسطينية ومواصلة سياسة الاستيطان ومنع العمال من دخول اسرائيل وعدم وصول المعونات الموعودة، لم يتغير الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه المواطن، موضحا ان غياب فرص العمل واستمرار الاعتداءات الاسرائيلية يجعل ابو مازن في وضع صعب بل مستحيل. ويؤكد ان السياسة الاسرائيلية والوعود الاميركية غير صادقة في دعمها لابو مازن. ليس هذا فحسب بل ان اجهزة الاعلام الاسرائيلية تشن حملة متواصلة عليه، من خلال وصفه بالعجز والضعف واظهاره كأنه الوجه الآخر لعرفات كي يبرروا عدم التزامهم بعملية السلام. ويعتقد الدكتور ابو مارية ان الإنجاز في الملف الاقتصادي لم يتعد الوعود، فالاحصاءات لم تشر إلى أي تدن في مستوى البطالة ولم تظهر آفاق توظيف جديدة للعاطلين «على العكس من ذلك نجد سخاء في شراء السيارات الفارهة، اذ زودت السلطة أسطولها من السيارات بست قيمة الواحدة منها 480 ألف شيكل (100 الف دولار) لكبار الشخصيات. وأدت المحاولات الخجولة لفرض النظام إلى فقدان المئات من الأسر مصدر رزقها من بعض الأعمال التي شاعت في مرحلة الفوضى، مثل البسطات في الشوارع والسيارات المشطوبة التي تعمل في الأجرة، بعيدا عن القانون إلى غير ذلك. أما في ما يتعلق بالموظفين فما زالوا ينتظرون الزيادات التي وعد بها أبو مازن في حملته الانتخابية ولا يزال قانون الاحوال المدنية في الثلاجة ينتظر التطبيق». ويتفق صالح مع مارية في ان الامور في هذا الملف ما زالت على ما كانت عليه، اذ ان الاحتكارات، حسب رأيه لا تزال قائمة والقطاع الخاص لم يتم تفعيل طاقاته واشراكه في عملية التنمية والبناء. والعمالة الفلسطينية تنتظر التصاريح او معونات البطالة، كم أن الثروة الزراعية لم يتم التخطيط والدعم لها، كما حصل مع منتوج الزيت، الذي تعرض لكساد وانتكاس في اسعاره ناهيك من حجم الضرر الواقع على المزارع الفلسطيني والتاجر نتيجة الدمار الذي خلفه جدار الفصل العنصري. وعلى عكس ابو مارية وصالح، يرى شاهين ان أبو مازن، تمكن من تحقيق بعض وعوده في المجال الاقتصادي، وهو المجال الذي حرص خلال حملته الانتخابية على عدم رفع سقف التوقعات حياله. ومع ذلك فقد أتاح لوزير المالية سلام فياض المضي في سياسة الاصلاح المالي، التي كانت بدأت في عهد عرفات. وفي هذا السياق تمت مواصلة عملية مركزة الموارد المالية للسلطة، وتوحيد الإشراف على العمليات الاستثمارية والتجارية للسلطة من خلال صندوق الاستثمار الفلسطيني، وتقديم موازنة واضحة وعلمية لعام 2005، والمضي قدما في تطبيق قانون تقاعد العسكريين، والتحضير لتطبيق قانون التقاعد لموظفي القطاع العام المدنيين، وكذلك الاقتراب من تطبيق قانون الخدمة المدنية، فضلا عن النجاح في توفير التمويل الخارجي للموازنة، لا سيما خلال مؤتمر لندن.