من لقاء ميرفي إلى لقاء كروفورد.. ركيزتان للعلاقات السعودية ـ الأميركية

TT

ركز البيان المشترك، الذي صدر هذا الاسبوع، بعد محادثات ولي العهد السعودى الامير عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الاميركي جورج بوش على نقطتين: الاولى، تأكيد التعاون والقيم المشتركة بين البلدين، والثانية الدور الذى لعبته المكانة الدينية والسياسية السعودية فى العلاقات بين البلدين. وقال عن القيم فى جانب ان «الولايات المتحدة تحترم المملكة العربية السعودية كمنبع للاسلام الذي هو من اعظم الاديان في العالم». وقال، في الجانب الآخر، ان «المملكة العربية السعودية بدورها تدرك مبادئ الحرية التي قامت على اساسها الولايات المتحدة».

وظل هذا التركيز على التعاون والمصالح المشتركة من ناحية وعلى القيم من ناحية اخرى اساس العلاقات بين البلدين لأكثر من سبعين سنة. ففي 9 مايو (ايار)1933، قال المغفور له الملك عبد العزيز آل السعود للشيخ عبد الله السليمان، وزير المالية «توكل على الله، ووقع». وكان يقصد التوقيع على اول اتفاقية سعودية اميركية، مع شركة «سوكال» البترولية، قبل تأسيس علاقات دبلوماسية بين الحكومتين. سمع تلك العبارة جون فلبي، البريطاني الذي كان مقربا من الملك عبد العزيز، وجمع مذكراته في كتاب «مغامرات بترولية عربية». وقال ان الملك عبد العزيز لم يكن حتى حريصا على الاتفاق مع الاميركيين، وربما كان سيتفق مع البريطانيين لولا ان عرضهم كان مجحفا.

وبدأ تعاون الملك عبد العزيز مع شارلز كرين، المستثمر البترولى الاميركي، قبل ذلك بسنتين، عندما قابله واهداه سجادات وسيوفا وحصانين عربيين. لكن الملك فضل جس نبط شركة «آي بي سي» البريطانية التي كانت استخرجت البترول في العراق، وفوض فلبي للتفاوض معها. ورغم ان فلبي، البريطاني، كان يفضل شركة بريطانية على اميركية، اضطر لأن يقول لمندوب الشركة البريطانية، ستيفن لونغريغ، ان «الاميركيين قدموا عرضا افضل، وليس امامك الى ان تجمع حقائبك وتعود الى البصرة».

* بعثات الى اميركا

* بدأ الملك عبد العزيز ايضا ارسال طلاب سعوديين الى الجامعات الاميركية، ولم ير في ذلك تناقضا بين الاسلام واميركا. وقال احمد طباوي المؤرخ الفلسطيني في كتابه «التعليم الاسلامي» ان من اوائل السعوديين الذين درسوا في اميركا فاضل قباني (دكتوراه من جامعة كولورادو للمعادن في 1954)، وعبد الله التريكي (ماجستير من جامعة تكساس في 1947)، وعلي رضا (كان يدرس في جامعة كاليفورنيا، عندما بعث له الملك عبد العزيز برقية للانضمام الى وفد السعودية في مؤتمر سان فرانسيسكو الذي اسس منظمة الامم المتحدة في 1945). وسار على طريق الملك عبد العزيز اولاده، مثل الملك فيصل الذي ارسل سبعة من اولاده الى مدارس تمهيدية ثم جامعات اميركية، منهم الامير محمد الذي درس في جامعة في كاليفورنيا، والامير سعود (وزير الخارجية) الذي درس في جامعة برنستون، والامير خالد (امير منطقة عسير) الذي درس سنة في برنستون، ثم في جامعة أكسفورد البريطانية. وتذكر باركر هارت، السفير الاميركي السابق في السعودية، اول مرة قابل فيها الملك عبد العزيز، عندما كان قنصلا في جدة، في مارس (آذار) 1946. ولاحظ فيه تسامح الاسلام، وسمع منه ثناء على الاميركيين الذين يعملون في السعودية، رغم اختلاف الاديان.

* الاسلام والتطور

* عمل هارت في السعودية ثماني سنوات، موظفا في القنصلية الاميركية في جدة، ثم قنصلا في الظهران، ثم، بعد وفاة الملك عبد العزيز، سفيرا. وارسل مئات التقارير السرية الى وزارة الخارجية، واشار الى بعضها في كتابه «السعودية والولايات المتحدة». وعكس، في تقاريره السرية، قدرة الملك عبد العزيز على شيئين اولا، الفخر بقيمه وعاداته، وثانيا، الحرص على تقوية العلاقات مع اميركا.

ومما كتب ان الملك عبد العزيز «كان متدينا حقيقة، وسريع البديهة، وليس له هدف سوى تطوير مملكته، ويكره التطرف والتعقيد». وان سياسة الملك عبد العزيز هذه كانت واضحة في مجالين، علاقته مع رجال الدين السعوديين، وعلاقته مع الدول الاجنبية. وكتب «رغم العلاقة التاريخية القوية بين آل سعود ورجال الدين، ورغم اعتماد الملك عبد العزيز عليهم في توحيد الجزيرة، كانت هناك اشياء تقلقه»، اولا «السيطرة على المتطرفين وسطهم». ثانيا، اهمية الفرق بين «الشجاعة والاخلاص» وبين «التطرف». ثالثا، «انعكاس التطرف السلبي على الدبلوماسية» والعلاقات مع الدول الاجنبية.

وتبدو تقارير هارت في ذلك الوقت مشابهة للوضع الحالي، بالنسبة لموضوعين اولا، التطرف باسم الاسلام. ثانيا، العلاقات بين السعودية واميركا. وخلال هذا الاسبوع، في مزرعة كروفورد، أمسك الامير عبد الله يد الرئيس بوش، ولاحظ ذلك الصحافيون الاميركيون، وسألوا السفارة السعودية في واشنطن، وقيل لهم ان مسك اليدين «تقليد عربي يدل على الصداقة والود».

وقبل ستين سنة تقريبا، ارسل هارت تقريرا سريا الى وزارة الخارجية الاميركية عن اول مرة قابل فيها الملك عبد العزيز، كتب فيه «جلست الى جوار الملك، ومد الملك يده ومسك بيدي، وشعرت ان يدي صغيرة داخل قبضة يده الكبيرة، وكان ينظر الي وكأنه ابي وكأني ابنه، واحسست انه يريد ان يؤكد لي تقديره لزيارتي».

وكتب هارت تقارير سرية كثيرة عن قلة من رجال الدين في السعودية «قاوموا التطوير والتحديث والتنمية، اعتبروا ان كل جديد مصدره الشيطان، واحضره لهم الكفار الغربيون».

وكتب عن وفد من هؤلاء قابل الملك عبد العزيز، وقال له ان التليفونات والراديوهات ادوات شيطانية، وتنشر الفساد، وان لا بد من تدميرها كلها. وكان الى جوار الملك عبد العزيز راديو ينقل اذاعة القاهرة، وخلال الاجتماع نقل الراديو آذان صلاة الظهر. وفي غضب سأل الوفد عما سمعوا، فقالوا انه آذان للصلاة، فقال لهم، في صوت غاضب «كيف تقولون ان اداة شيطانية تنقل كلام الله، وانتم علماء كبار وأئمة مشهورون؟». وقبل ان يخرج الوفد قال الملك عبد العزيز «ليعلم الجميع انني سآمر بنشر ليس الراديوهات فقط ولكن، ايضا، التلفونات والتلغراف في كل انحاء المملكة، ولن اهتم بالدول التي صنعتها».

وكتب هارت تقارير كثيرة عن اهتمام الملك عبد العزيز بالقضية الفلسطينية، وعن دور ذلك في العلاقات بين البلدين. وقال انه لم يحضر اللقاء التاريخي بين الملك والرئيس روزفلت على ظهر المدمرة الاميركية «ميرفي» في قناة السويس، قبل ستين سنة، لكنه اشار الي البيان المشترك في الاجتماع، ولاحظ تركيز الملك عبد العزيز على موضوع فلسطين، وتعهد روزفلت بألا يوافق على تأسيس اسرائيل بدون مشورة الملك، وبعد وفاة روزفلت، وافق خليفته هاري ترومان على تأسيس اسرائيل.