لمن سيذهب الصوت الإسلامي في الانتخابات البريطانية؟

العراق وفلسطين مؤثران.. لكن الاقتصاد وقوانين الإرهاب أكثر تأثيرا

TT

لا يمكن اغفال أهمية «الصوت الاسلامي» في الانتخابات العامة البريطانية المقبلة. وعلى الرغم من أن المسلمين يشكلون نحو 5.2% من تعداد السكان، الا ان اصواتهم ستكون مفصلية في نحو 40 دائرة انتخابية يشكلون فيها اغلبية من اصل 645 دائرة انتخابية في مختلف ارجاء البلاد* وليس من المعروف حتى الآن لمن سيصوت مسلمو بريطانيا في الانتخابات المقررة في 5 من مايو (أيار) المقبل؟ فالاتجاهات ما زالت موزعة بين العمال والمحافظين والاحرار الديمقراطيين وغيرهم. وتسعى الأحزاب البريطانية الى جذب الناخبين إلى برامجها التي هيمن عليها الوضع الاقتصادي، وحالة الخدمات العامة، والهجرة، ومحاربة الجريمة، والعراق والحرب على الارهاب* غير ان القضايا التي ستحسم اتجاهات «الصوت الاسلامي» تتوزع بين القضايا الداخلية والخارجية على حد سواء. وفي استطلاعات الرأي التي جرت مؤخرا حول القضايا التي سيصوت على اساسها البريطانيون (ومن بينهم المسلمون)، لهذا الحزب او ذاك جاءت القضايا الداخلية وعلى رأسها الاقتصاد اولا، بدون ان يعني هذا ان قضايا العراق وفلسطين لن تكون مؤثرة في طريقة تصويت المسلمين. وبالرغم من عدم رضاء مسلمي بريطانيا عن اداء حزب العمال بسبب الحرب على العراق والاجراءات الامنية ضد المسلمين بعد 11 سبتمبر (ايلول) 2001، الا انه من غير المرجح أن تعارض الجالية الاسلامية العمال في المناطق التي قد يؤدي فيها هذا الامر الى فوز حزب المحافظين الذي أيد ايضا الحرب على العراق.

غير ان وجهات نظر المسلمين من المشاركة في الانتخابات تختلف، فأنس التكريتي، الناطق الرسمي باسم «الرابطة الإسلامية في بريطانيا» أعتبر في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه أن مشاركة المسلمين في الانتخابات العامة البريطانية أمانة وواجب لأنه من حق المسلمين أن يساهموا في صياغة القوانين ويشاركوا في اختيار المرشحين الذين يعكسون تطلعات ومشاغل الجالية المسلمة* مشددا على «ان الصوت المسلم يمكن أن يغير من نتيجة الانتخابات في أكثر من أربعين دائرة انتخابية»، وبذلك يرسل رسالة قوية إلى كافة الأحزاب المتنافسة مفادها انها لا يمكن اغفال أهمية الصوت الاسلامي.

وعلى النقيض من هذا التوجه، تحاول فئات اخرى منع المسلمين من الانخراط في الانتخابات، مثل الاصولي السوري عمر بكري مؤسس حركة «المهاجرون» التي حلت نفسها العام الماضي والمرشد العام لحركة «الغرباء» الذي قال «ان المشاركة في البرلمانات والمجالس البريطانية التشريعية من الشرك الأكبر المخرج من الملة». وكشف ان حركته شنت حملة لتوزيع البيانات والملصقات والقاء المحاضرات والمؤتمرات ضد المشاركة في الانتخابات في كل المدن البريطانية من باب «الامر بالمعروف والنهي عن المنكر». موقف «حزب التحرير» لم يختلف كثيرا عن موقف «الغرباء»، اذ قال في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه «يجب على المسلمين في بريطانيا والغرب عموما التنبه إلى إقامة حياتهم على أساس ثقافتهم الإسلامية ومنهجهم الخاص المرتبط بقيم معينة فرضها الإسلام، والتي تتباين جذرياً مع نظرة الأحزاب البريطانية المتنافسة في الانتخابات».

* خريطة معقدة للمسلمين

* غير ان خريطة المسلمين في بريطانيا تتنوع بشكل كبير، كما ان مصالحهم ليست موحدة بالشكل الذي يمكن ان يتصوره البعض. وللدلالة على ان «الصوت الاسلامي» لا يشكل كتلة موحدة حتى الآن، لم يقرر المسلمون في بريطانيا (سواء عرب او آسيويين او افارقة) التصويت لحزب واحد دون سواه* فمن ناحيتها، قالت الرابطة الإسلامية في بريطانيا إن الوقت لم يحن بعد لكي يمنح المجتمع الإسلامي صوته لحزب معين من دون الآخرين، مشيرة الى ان التوجه الأجدى هو أن يدرس المسلمون حال مرشحيهم كل في دائرته، بناء على مجموعة من القضايا التي ترى الرابطة الإسلامية أنها تتمتع بأولوية لدى المسلمين من ناحية، ولتحقيق مصلحة البلد والشعب البريطاني عموماً.

وحددت الرابطة الإسلامية مجموعة من القضايا ودعت المسلمين الى الاختيار بين المرشحين على ضوئها، ومن بينها الخدمات العامة، بما فيها التعليم والصحة، والموقف من قانون مكافحة الإرهاب، والحرب على العراق وفلسطين وكشمير، والموقف من قوانين التمييز الديني.

غير ان الرابطة وإن لم توجه المسلمين، عددهم مليون ومائتا الف شخص في بريطانيا، بالتصويت لحزب بعينه، الا إن ذلك لم يمنعها من الدعوة إلى التصويت في دوائر محدودة إلى شخصيات محددة عرفت بعلاقتها ومواقفها المتميزة من المسلمين وقضاياهم مثل السياسي البارز جورج جالواي الذي عارض الحرب على العراق، وطرد بسبب مواقفه من حزب العمال. وفي الاطار ذاته، قال الشيخ محمد صوالحة نائب رئيس «الرابطة الاسلامية في بريطانيا» في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الأوسط» ان الرابطة لن تدعم حزباً معيناً في كل الدوائر وستفحص مواقف المرشحين بشكل فردي وفقاً لموقف المرشح من قانون مكافحة الارهاب والقوانين المقيدة للحريات التي تستهدف المسلمين بشكل أساسي، وكذلك موقفه من قضيتي فلسطين والعراق. واجمالا تدعو الجماعات الاسلامية المعتدلة لمشاركة كبيرة من جانب الجالية المسلمة في الانتخابات قائلة «ان المسلمين يمكنهم ان يسيطروا على عشرات من مقاعد البرلمان"* وقالت عنايات بو نجلاو المسؤول الاعلامي في «المجلس الاسلامي البريطاني» لـ«الشرق الأوسط»: يشعر المسلمون أنهم «مجتمع منبوذ» ولكن ليس امامهم الا المشاركة الايجابية في الانتخابات* وفي 2004، ظهرت لأول مرة أهمية الصوت المسلم، حيث استثمر المسلمون أصواتهم في الانتخابات المحلية والتكميلية إضافة لانتخابات البرلمان الأوروبي عن طريق مرشحين لهم أو دعم مرشحين بعينهم، وساعد هذا الانخراط المسلم في إنجاح عدد من المرشحين وفي إخفاق البعض الآخر.

* هل تتغير التحالفات السياسية؟

* وبالرغم من تقلص شعبية بلير، يعتقد الكثير من المسلمين انه ما زال الخيار الافضل. وأعلن المجلس الاسلامي البريطاني نتائج مسح يظهر أن التأييد لبلير بين المسلمين بلغ نحو 75% في 2001 ولكن من المحتمل أن يكون قد تقلص الى النصف في الوقت الحالي. لكن مع ذلك تحول بعض الناخبين المسلمين الى ثالث أكبر الاحزاب في بريطانيا وهو الاحرار الديمقراطيون. وبالرغم من أن توجهات الحزب تنتمي الى الوسط في العادة فانه ينظر له الان على انه يساري أكثر من العمال في الكثير من القضايا، كما انه يعارض الحرب في العراق. وفي منطقة «بثنال جرين» لم يتحول كل المسلمين الى تأييد حزب «رسبكت» الذى اسسه جالواي ويأمل في أن يحقق مكاسب في منطقة بشرق لندن يمثل فيها المسلمون نصف السكان وتنافسه فيها أونا كينج من حزب العمال. كما ينظر المسلمون لحزب المحافظين على انه متشدد أكثر من حزب العمال في القضايا التي تهم المسلمين مثل قانون مكافحة الارهاب والرقابة على الهجرة. وبالرغم من أن المسلمين يمثلون أكثر من 5.2 في المائة من السكان فلا يوجد أكثر من عضوين بالبرلمان من المسلمين من بين 659 عضوا. وهذه المرة هناك 67 مرشحا مسلما من بينهم المصرفي المتقاعد عظمة بك (والد معظم بك السجين البريطاني العائد من غوانتانامو)، وهو مرشح عن إحدى دوائر برمنجهام* وبابر احمد (الاصولي الباكستاني المطلوب اميركيا المحتجز في سجن «بيل مارش») وهو مرشح عن دائرة شمالي برنت، وكلاهما، مرشحان عن حزب «السلام والتقدم» الذي يهتم بقضايا حقوق الانسان.

وقال ناشطون سياسيون مسلمون من بينهم اللورد نذير أحمد الكشميري الاصل إن التحالفات السياسية للمسلمين بدأت تتغير* وتابع اللورد نذير وهو أول مسلم يدخل مجلس اللوردات 1998 «الحرب على العراق وحدت آراءنا بشكل ما، كانت بمثابة نداء صحوة، وكان علينا أن نقرر ما الذي نريده». وأضاف أنه «منذ بداية الحرب أدركت الحكومة البريطانية أن نسبة المؤيدين للعمال بين المسلمين انخفضت من 90% إلى 30%"، مضيفا أن «جميع الأحزاب البريطانية بدأت تدرك أننا صوت مؤثر، فبالرغم من أن عدد الأصوات ليس كبيرا الا انها أصوات حاسمة لمقاعد مفصلية في الانتخابات».