الجيتار ضد الفقر

TT

نشرت صحيفة «مترو» البريطانية قبل ايام كاريكاتيرا ساخرا على قمة الثمانى المقبلة، اظهر زعيمي دولتين تشاركان في القمة، التي تبدأ اعمالها فى اسكتلندا في السادس من الشهر المقبل، يتحاوران حول افضل طريقة لإنجاح القمة. فاقترح احدهما، العمل على كسب ود مغني الروك الايرلندي الشهير بوب غيلدوف الى جانب القمة. وغيلدوف هذا، يقود منذ نحو 20 عاما، حملة للقضاء على الفقر في افريقيا ودول العالم الثالث، تحت شعار «لنجعل الفقر تاريخا». وهو بدأ منذ اسابيع حملة جديدة لنفس الهدف باتت تكتسب زخما يوميا مثيرا، محركها ان الاوضاع الانسانية والاقتصادية فى القارة الافريقية لم تتحسن فعليا بالرغم من الحملة التي قادها وفنانون عالميون آخرون طوال السنوات الماضية. غير ان غيلدوف، الذي اعلن الاسبوع الماضي عن تظاهرته الجديدة لمواجهة الفقر في افريقيا تحت شعار «لايف ـ 8» (بسبب قمة الثمانى)، مذكرا بحملته الاولى الشهيرة «لايف ـ ايد» في يوليو (تموز) 1985، لإنقاذ اثيوبيا من المجاعة بعد ان ضربها الجفاف، وجمعت 40 مليون جنيه استرليني، هو الذي يحاول جر قمة الثماني، الى اهداف حملته لا العكس. بمعنى آخر، انه يأمل في ان يؤدي ضغط حملته العالمية الى الغاء ديون الدول الافريقية الفقيرة والنامية. وقد قرر غيلدوف ان يبدأ في الثاني من يوليو (تموز) المقبل، فعاليات فنية في خمس مدن عالمية كبرى، هي باريس وروما وبرلين وولاية فيلادلفيا الاميركية ولندن التى ستشهد عرضا مجانيا ضخما ستحييه مجموعة من المغنين والموسيقيين الافارقة، ومن اصول افريقيا، تحت شعار «دعوا افريقيا تغني وحدها». وقد اجري يانصيب لاختيار 72.500 يحصلون على 150 الف تذكرة (تذكرتان لكل فائز) خصصت لحفل «هايد بارك». وقد أغلق باب المشاركة، التي جرت عبر الهواتف النقالة منتصف ليل الاحد، بتلقي مليون رسالة هاتفية. هذه الرغبة الكبيرة في حضور الحفل، لا تبدو ترفيها وحسب، بقدر ما هي مشاركة في محاولة لتحقيق شيء من العدالة السياسية. انها بكلمات غيلدوف نفسه «ليست من اجل التبرع بل من اجل العدالة السياسية». فارق جوهري بين هذه الحملة والحملة الاولى، وقد اعاد المغني التون جون التذكير بهذا الفارق حين قال «هذه المرة ثمة وعي سياسي مختلف. لقد جعل غيلدوف الفنانين يفكرون بما يفعلون، اكثر من مجرد العزف على آلاتهم الموسيقية او التسكع بسياراتهم الفارهة». وبالاضافة الى التون جون، تضم قائمة المشاركين مجموعة من الفنانين الذين تندرج اسطواناتهم في خانة الأكثر مبيعا. مثل كولد بلاي، وديدو، واني لينوكس، وبول مكارتني، وفرقة «ار. أي. ام» وفرقة «سيسور سيستر»، وستنغ، وجوس ستون، وروبي وليامز، وفرقة «يو -2»، ومادونا، وآ ـ ها، وجاميروكاي، وول سميث، وآخرين. وستكون هذه الحفلات الخمس، نقطة الانطلاق في «المسيرة الطويلة من اجل العدالة»، التي ستنطلق عشية قمة الثماني، من جميع انحاء بريطانيا ومن الراغبين في المشاركة من عواصم اوروبية اخرى لتنتهي في العاصمة الاسكتلندية ادنبره.

وتمهيدا لحملته اطلق غيلدوف الاحد الماضي، حملة «فرعية»، من قارب صغير في ساوث هامبتون، دعا خلالها مالكي السفن الشراعية وسفن النقل واليخوت لنقل الفرنسيين، الراغبين في المشاركة في المسيرة عبر بحر المانش الى الشواطئ البريطانية للسير باتجاه ادنبره. كما سعى الى استنهاض الروح الوطنية البريطانية، باضفاء طابع وقيمة «الاسطورة التاريخية» على حملته، حين اشار بذكاء، الى واقعة دنكرك 1940، حين حاصر الجيش الالماني الجيشين البريطاني والفرنسي، فهب المواطنون بمراكبهم لانقاذ الجنود المحاصرين.

خلال اقل من شهر على بدء حملته، التي قال المغني الشهير ستينغ انها «بدأت تؤثر، ولا يمكن الا ان اكون جزءا منها»، حقق غيلدوف تقدما على مستويين رسميين: الاول، اعلان وزيرة الثقافة، تيسا جويل، ان «لايف ـ 8»، هي التي سترسم اجندة قمة الثماني. والثاني، الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة توني بلير لواشنطن لاقناع الادارة الاميركية بالمزيد من التعاون. كما استبق وزير الخزانة البريطاني غوردون براون اللقاء برسالة واضحة لواشنطن ولبوش ولبقية «الاصدقاء» في نادي الثماني الكبار تمحورت حول اعادة طرح نسخة مستحدثة من «خطة مارشال» لإنقاذ افريقيا والدول النامية. حيث شدد الوزير البريطاني، على ان محاربة الفقر في افريقيا، تقف في رأس اولويات حكومة بلاده. براون اوضح صراحة ايضا، انه اذا لم تلغ الدول الثماني ديون افريقيا والبلدان النامية، توجب على الدول الفقيرة ان تسدد لها، ما يعادل 15 مليار دولار اميركي خلال السنوات العشر المقبلة فقط. بقاء الوضع على حاله، وعدم الاستجابة، لما التزمت به الدول الغنية في قمة «الحرب من اجل استئصال الفقر»، التي عقدت 1970 (قررت انفاق الدول الغنية ما يعادل 0.7 من ناتجها القومي من ارباح تجارة البضائع ومن الخدمات، على المساعدات الخارجية ـ باستثناء التزام كل من الدنمارك واللوكسمبورغ والنرويج والسويد وهولندا)، ستكون له نتائج كارثية ومفجعة. لكن يمكن تجنبها ـ حسب براون ـ بتخلي الدول الغنية لدول «افريقيا جنوب الصحراء»، عن 1% فقط من مداخيل تجارتها العالمية، ما يعني توفير 70 مليار دولار لهذه المنطقة، تعادل تقريبا، خمسة اضعاف ما تتلقاه من مساعدات دولية حاليا.

ومع رفض بوش التراجع كثيرا عن موقفه خلال قمته مع رئيس الوزراء البريطانى، لم يتبق امام بلير سوى اعادة قراءة كاريكاتير صحيفة «الغارديان»، التي نشرت على صفحتها الاولى في الاول من يوينو (حزيران) الحالي غيلدوف على خشبة المسرح اثناء تقديم (لايف ـ 8)، يهتف مندهشا وسعيدا ايضا «يا الهي. لقد حضر بلير ومعه غيتاره». وبمعنى آخر، على رئيس الحكومة البريطانية الاسراع في الانضمام الى حملة غيلدوف، قبل ان يعلن الاخير تشكيل «حكومة رأي عام» برئاسته.