جدل حول المرأة.. والقيادة في السعودية

في الماضي قدن الدبلوماسيات السيارة .. وفي الريف والهجر قادت البدوية السيارة لتسيير حياة أسرتها

TT

تروي سيدة الأعمال السعودية مضاوي القنيعير، أن عمها كان يملك مزرعة في تنومة (منطقة عسير في جنوب السعودية) منذ أكثر من 15 عاماً، وكان يسكن بجواره رجل من أهل الجنوب السعودي، لا يملك إلا مزرعة وابنة وحيدة. وكانت تلك الابنة تعمل في المزرعة إلى جانب والدها، وكانت تقود الجرار الزراعي لحراثة الأرض وحصد المحصول، وتقود سيارة والدها لشراء لوازم المعيشة، ولبيع المحاصيل وسط البلد، وكان عمها ينظر إلى ابنة جاره وكأنها ابنته. ومنذ أكثر من أسبوعين، أثير جدلٌ واسع في السعودية عن قيادة المرأة للسيارة، بسبب طرح عضوين من مجلس الشورى السعودي توصية بالسماح للمرأة بقيادة السيارة.

خرج الموضوع من أروقة مجلس الشورى، وانتشر في أحاديث السعوديين وفي مجالسهم، كما طرق الموضوع في معظم المنتديات الإلكترونية التي يرتادها السعوديون، وسارعت الصحف المحلية لنشر بعض التقارير والأخبار والتحقيقات والحوارات عن قيادة المرأة للسيارة، بينما لم ينقل التلفزيون السعودي، بقنواته الأربع، أي مشهد للسجال الاجتماعي حول المرأة وقيادة السيارة، والحال نفسه ينسحب على الإذاعة السعودية.

فهل الجدل حول قيادة المرأة للسيارة ما زال حساسا؟ في الماضي، كانت الدبلوماسيات الأجنبيات يقدن سياراتهن في السعودية، لا سيما في مدينة جدة، حيث كان مقر البعثات الدبلوماسية، وفي الريف السعودي والهجر، قادت البدوية السيارة لتسيير حياة أسرتها، وما زال بعضهن متمسكات بهذا الدور. المرأة السعودية والأجنبية أيضاً، قادت ـ وما زالت ـ تقود سيارتها في حرم شركة أرامكو السعودية، وفي جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وكلا المنشأتين تقعان في مدينة الظهران (شرق السعودية)، كما تقود بعض النساء الأجنبيات سياراتهن داخل بعض المجمعات السكنية المخصصة للأجانب، لا سيما القادمين من القارتين الأوروبية وأميركا الشمالية. وطيلة هذه المدة لم تظهر أي مشكلة من قيادة المرأة للسيارة، وكان التسامح موجودا تجاه هذا الحق، حتى من المجتمع البدوي الوفي لمبادئه وعاداته وتقاليده، إذاً ما الذي يحدث اليوم؟ وما الذي تغيّر؟ ولماذا ذهب هذا التسامح الاجتماعي؟

تقول الدكتورة عائشة المانع، أكاديمية سعودية، إن البدو كانوا إلى وقت قريب، يكوّنون أكثر من 75 في المائة من سكان المملكة، ومن المعلوم أن انتماء الرجل البدوي إلى مبادئه وعاداته وتقاليده لا يقل شدة وأهمية عن دينه، كما أن من عادة البدوي عدم افتراض السوء في الآخر، لأن الافتراض السيئ، لا يأتي في الغالب إلا من أشخاص يقترفون ذلك السوء. والبدو ما زالوا موجودين في السعودية، وإن تقلصت نسبتهم، وما زال بعض النساء يقدن السيارة في أطراف المدن السعودية وهجرها. مضيفة أن «قيادة المرأة للسيارة ليست مسألة دين، بل هي قضية اجتماعية، غير أن السؤال الصادم، هو أين هو ذلك البدوي مما يحدث اليوم من جدل حول المرأة؟ إن قضية المرأة لم تعد من القضايا الكمالية، بل أصبحت ضرورة، وليس باستطاعة أي شخص إنكار ذلك، فقيادة المرأة للسيارة شيء لا بد منه ولو بعد حين، سواءً كان اليوم أو غداً».

وأضافت المانع أن المجتمع السعودي ليس أفضل من غيره، لأن فيه الخير وفيه الشر، ولو أن الأمر يعود لسد الذرائع، وهي القشة التي يتعلق بها الممانعون، لكان من الأولى منع زراعة العنب والفواكه، حتى لا يصنع منها خمر أو نبيذ، لأن كل شيء إذا أريد استخدامه بشكل سيئ، سيكون شيئاً سيئاً، ولو استخدم بشكل ايجابي، فسيكون، أيضاً، أمراً جيداً.

وتابعت «لماذا جعلت قضية قيادة المرأة للسيارة قضية كبرى؟ قديماً قالوا إن التلفزيون حرام، واليوم تقريباً موجود في كل بيت، وفي الماضي قالوا إن التلفون حرام، ثم أصبح منتشراً ومتعدد الاستخدامات وضروريا، وفي يوم ما، قيل إن المرأة السعودية إذا تعلمت فإنها ستفسق! وإذا دخل الهاتف المنزل هتك عرض المرأة! فما الذي تغيّر؟! ولماذا المرأة حالياً تتعلم وتشاهد التلفزيون وتتحدث في الهاتف؟! وفي اعتقادي أنه كان يقف خلف ذلك كله، قرار سياسي، فإن لم يكن هناك قرار سياسي لإخراجنا من هذه المحنة، فلن نخرج مطلقاً».

معتبرة أن «الموقف من قضية قيادة المرأة للسيارة، ليست بسبب أن المجتمع السعودي محافظ، بل هو نتاج رؤية خاطئة، كرست في وسائل الإعلام ومن قبل بعض الفئات التي تروج لتلك الرؤية».

في المقابل، رأت إحدى السعوديات في مشاركتها لـ 45 سعودية لقيادة السيارة قبل أكثر من 14 عاماً، أنها كانت تجربة مريرة وغير سعيدة بكل تفاصيلها، على الرغم من خطورتها، لأنها عاشت عاماً كاملاً، بعد القبض عليها مع صديقاتها، والتحقيق معهن وإيقاف بعضهن من اعمالهن، خاصة العاملات في سلك التعليم، عاشت حياة اجتماعية معزولة تماماً عن المجتمع، حيث توقفت عن الزيارات الاجتماعية، وتمت مقاطعتها من قبل أقربائها، الذين اعتبروا خطوتها مع زميلاتها، اعتداء سافرا على العادات والتقاليد، ومساسا مباشرا بالدين، مما جعلها تعيش منعزلة، لعل وعسى أن ينسى المجتمع قضية نصف الساعة، التي قادت فيها مجموعة من السعوديات السيارة في مظاهرة سلمية، أو أن تأتي قضية أخرى كبرى ينشغل بها المجتمع. وأضافت «الخطأ كان في التوقيت المختار، حيث كانت المنطقة مشتعلة بحرب الخليج، غير أن الفكرة نبعت وأيدناها جميعاً، وآمنّا بأن الوقت قد حان، لكسر قيود ليس لها أي مبرر حول قضية قيادة المرأة للسيارة، غير أننا نسينا أو جهلنا أو أغفلنا أننا نعيش وسط مجتمع لا ولن ينسى، رغم أن التاريخ عامر بكل القصص التي لعبت فيها المرأة دوراً يعادل الدور الذي لعبه الرجل في كل المجالات».

ولو أعيد تنفيذ تجربة قيادة بعض السعوديات للسيارة مرة أخرى اليوم، فهل ستكررها؟ قالت إنها لن تقدم على ذلك، لأنها عاشت ألماً طويلاً قبل أن يصمت المجتمع عن الحديث، و«تجريمنا وإلباسنا ثوب الكفر والزندقة. غير ان ردود الفعل الان ستكون مختلفة عن السابق، وإن كان المجتمع لم يتخلص بعد من جموده تجاه بعض الأفكار».

من جهتها، أكدت سيدة الأعمال السعودية، مضاوي القنيعير أنه منذ أكثر من 45 عاماً، كانت الدبلوماسيات الأجنبيات يقدن السيارة في السعودية، مضيفة أنها تقف «شخصياً مع قيادة المرأة للسيارة، وبنسبة مائة في المائة، ولدي رخصة قيادة من أميركا، وعندما أقود السيارة هناك، لا ألفت انتباه أي أحد، لأنهم ينظرون إلي كإنسان، ولأن الوعي والسلوكيات الحسنة موجودة هناك، ولكنني أعتقد أن أي تطور يحدث تدريجياً هو الأفضل، لا سيما في الوقت الحالي، وتحديداً قيادة المرأة للسيارة، لأنها مسؤولية ووعي قبل أن تكون أي شيء آخر، وأتمنى عدم وضع أي مبررات غير منطقية، من أجل تمرير قيادة المرأة للسيارة في المجتمع السعودي، لأنه لا يمكن الاستغناء عن السائق بهذه السهولة، والدليل على أن السائق موجود في البحرين وفي مصر وفي أميركا، ولم تغن قيادة المرأة للسيارة هناك للاستغناء عن السائق، ثم أن المرأة العاملة لن تتمكن من الخروج من عملها لجلب الأولاد من المدرسة، أو لشراء بعض اللوازم المنزلية، وبالتالي ليس هناك من داع لوضع مبررات هشة لإقناع المجتمع بهذه المسألة».

وتوقعت القنيعير بأنه لو بدأ تعويد المجتمع على رؤية امرأة تقود سيارة بشكل تدريجي، من خلال السماح للأجنبيات، من دبلوماسيات ومقيمات في السعودية بقيادة السيارة، لخلق وعي كاف يسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، من دون أي عوائق تذكر، لأن المرأة السعودية الآن تتعرض لمضايقات وهي مع السائق، فكيف لو كانت هي من يقود السيارة؟ مؤكدة أن «المرأة السعودية ستقود السيارة خلال خمسة أعوام على الأقل، وأنا متفائلة بذلك، ولكن بضوابط وشروط محددة، وفي زمن محدد في البداية، كما حدث في دولة الإمارات، حيث منعت المرأة في البداية من قيادة السيارة بعد الساعة الثامنة أو التاسعة مساء».

وعلّقت السيدة مضاوي بأن المجتمع السعودي البدوي ليس متسامحاً، ولكنه مجتمع الفطرة، وليس مجتمع الفضائيات أو الإنترنت، فكان الرجل إذا سافر بسبب أي ظرف، يطرق باب جاره، ليطلب منه حماية عائلته وتلبية حاجاتهم. وكان الرجل، أيضاً، حينما يسأل عن جاره، تقوم المرأة بإدخاله البيت وهي في كامل حجابها، وتقدم له القهوة حتى يأتي زوجها، لكن اليوم العلاقات الاجتماعية تغيرت وتبدلت، معتبرة أن «كل الأسر السعودية لا تربي بالطريقة الصحيحة، ولذا لا بد من الأخذ بعين الاعتبار سلوكيات المجتمع السعودي قبل تنفيذ أي شيء، وينبغي إيجاد وعي شامل لدى الفرد السعودي، من خلال التعليم ووسائل الإعلام، ويجب أن يفهم الرجل قبل المرأة سلوكيات القيادة والثقافة المرورية المثالية، وينبغي عدم وضع قيادة المرأة للسيارة في منظور ديني بحت، ولكن ضمن ضوابط مرورية واجتماعية وثقافية معينة».