المرأة العربية : معارك التوزير

طيف من الحراك لن يكون الحصول على حقيبة وزارية آخر مطافاته

TT

* فإن تسألوني بالنساء فإنني ـ بصير بأدواء النساء طبيب

* إذا شاب رأس المرء أو قل ماله ـ فليس له من ودِّهن نصيب (الشاعر علقمة بن عبدة).

* الأم مدرسة إذا أعددتها ـ أعددت شعبا طيب الأعراق (الشاعر أحمد شوقي).

ألقتْ دولة الكويت بحجر ثقيل في بركة ميراث المرأة العربية السياسي والاجتماعي، بعد أن أجاز لها البرلمان حقوقها السياسية بعد مخاض كبير، فجاءت أول قطفة للمشروع تقلد السيدة معصومة المبارك في الأسبوع الماضي حقيبة وزارة التخطيط المهمة، لتنضم بذلك الى رهط من النساء العرب ممن استوزرن بعد كفاح، تفاوت بين دولة ودولة، علوا وهبوطا، نجاحا وإخفاقا، في مسيرة عربية، يكون من الخطأ قراءتها بمعزل عن ميراث ومخاض ضخم تداخل فيه ما هو تاريخي مع ما هو ديني، ليتداخلا بل ويلتحما معا مع ما هو اجتماعي واقتصادي وما هو سياسي ليتفاعل كل ذلك مع فضاءات ومستحقات العولمة، هذا (الغول) الذي يروج كثيرون أن واقعها، في ألفية جديدة، إنما يزحف، وإن ببطء، ليحطم تدريجيا (الجغرافيا)، ولاحقا (التاريخ)، وصولا الى (عالمية الإنسان)، ليكون للمرأة بمثل هذه الرؤية نصيب، بكل التقاطعات التي تحملها هكذا فرضية مع نظريات خلافية وجدلية مثل (نهاية التاريخ) لفرانسيس فوكاياما (وصراع الحضارات) لصمويل هنتنجتون، وتقاطعهما أيضا مع قطبية (الإسلام السياسي) واستقطاباته المعروفة في المنطقتين العربية والإسلامية، بل ومشروعات (الإصلاح السياسي) الذي تدخل (قضايا المرأة) في صميم عصبه الحي، ولا يتيح المجال هنا الخوض في تفاصيل أخرى كثيرة.

المخاض الطويل ذاك مع المرأة العربية، وصولا الى استوزارها، يمكن أن نستشرفه من تلك الحالة التراثية والقيمية التي سجن فيها معظم الإنتاج الثقافي والديني والفلسفي العربي (المرأة)، إن لم يزورها في بعض الأحيان، فأوقفها في العصر الجاهلي على (الغزل) أهم أبواب الشعر الجاهلي، وليتوالى ذلك الإرث في سياقات أخرى خصص معظمها (للمرأة الزوجة)، وذلك هو الجاحظ يورد في (البيان والتبيين) أن نساء العرب كن يعلمن بناتهن (اختيار الأزواج)، وكانت الواحدة تقول لابنتها: «اختبري زوجك قبل الإقدام والجرأة عليه، أنزعي زج رمحه، فإن سكت فقطعي اللحم على ترسه، فإن سكت فكسِّري العظام بسيفه، فإن سكت ........ امتطيه فإنما هو حمارك». وعلى ذات منوال الحصر تبارى التراث في حصرية الاختيار (فقولبها). وذاك هو الإمام والفيلسوف أبو حامد الغزالي يخصص باباً بكامله في سفره القيم (إحياء علوم الدين) للنكاح، والمقصود به لغة وشرعا الزواج، فيحصر فوائده في خمس: الولد وكسر الشهوة وتدبير المنزل وكثرة العشيرة ومجاهدة النفس بالقيام بهن.

فخليجياً، وفي محيط الكويت الجغرافي، كان ذلك الميراث والمخاض العربي الطويل قد أسفرا عن استوزار كوكبة ضمت في سلطنة عمان: راوية البوسعيدي وراجحة بنت عبد الأمير (حقيبتا التعليم العالي والسياحة) على التوالي. وفي قطر تولت شيخة أحمد المحمود أيضا حقيبة التعليم العالي، فيما تقدمت لبنة بنت خالد القاسمي في دولة الأمارات خطوة أخرى لتتولى وزارة (سيادية) وليست (خدمية) هي حقيبة (الاقتصاد والتخطيط) لتشارك فايزة أبو النجا في مصر (التعاون الدولي) في الوزارات السيادية، وسهير العلي في الأردن (التخطيط والتعاون الدولي)، وفي الأردن أيضا هناك وفي الوزارات الخدمية علياء بوران (السياحة والآثار) وأسماء خضر (الثقافة) ونادية السعيد (الاتصالات)، مثلما هناك وفي مصر أمينة الجندي (التأمينات والشؤون الاجتماعية)، وفي البحرين تقلدت ندى حافظ وزارة خدمية (الصحة). وفي العراق نجد نرمين عثمان (البيئة وحقوق الإنسان بالوكالة)، ونسرين برواري (الأشغال العامة والبلديات)، ليتوالى وجود المرأة في الوزارات الخدمية، في معظم الدول العربية، فهناك وفي الجزائر خالدة تومي (الثقافة)، ونوارة جعفر (الأسرة وقضايا المرأة) ، وسعاد بن جاب الله (مكلفة لدى رئيس الحكومة بالتعليم العالي والبحث العلمي).

والشاهد هنا أن المخاض الطويل ذاك فتح لنفسه آفاقا جديدة في المنطقة العربية مع تقدم العصر، ومرة أخرى، نجد المرأة مع قوالب جديدة، يمكنك أن تقرأ فيها تلك الحالة الجدلية على (مسيرة المرأة من بيتها الى مكان عملها مرورا بحقوقها وواجباتها)، والتي أفرزتها عليها منذ منتصف خمسينات القرن الماضي طروحات اليسار العربي (بطيفه العريض)، والسلفية الدينية (بمدارسها المتعددة)، ولك أن تستعين بالخيال هنا في قراءة لوحة عريضة، كناتج لذلك الحراك، تنظر اليك من خلالها بعيون شاخصة نساء، على سبيل المثال، مثل المناضلة جميلة بوحريد في الجزائر، والإسلاميتان عائشة بنت الشاطئ وزينب الغزالي في مصر، والشيوعية فاطمة أحمد إبراهيم في السودان، ومن بعد، وعلى سبيل المثال أيضا، المطربتان نوال الزغبي ونانسي عجرم في لبنان، والرياضية نوال المتوكل من المغرب. هكذا لوحة تحمل ما تحمل من مخاضات إثبات الوجود والتنفس خارج سجون شعراء العصر الجاهلي وما بعده، وخارج زنازين وصايا الأمهات، والقوالب العربية ونصائحها في الزواج، ومن أشهر هذه النصائح قول العرب: لا تتزوجوا من النساء ستاً : لا أنانة ولا منانة ولا حنانة ولا حداقة ولا براقة ولا شداقة، ليسهبوا بعد ذلك في وصف أي منهن، بل وخارج مستنقعات إغواء المرأة بمارد (التلفزيون) لتيبيس عقلها وطاقاتها وتسميرها في حزمة من الاسنان البيضاء والسيقان العارية والدعاية لمشروبات غازية أو مواد غذائية.

قدوم معصومة المبارك يماهي وجود زميلاتها ممن تمت الإشارة اليهن، وممن لم ترد أسماؤهن من المغرب وموريتانيا ومصر والسودان، مثلما ينضم الى رصيد طويل من نضال قادته الرائدات من النساء، والمؤمنون بحقوق المرأة من الرجال، ليثمر في اتجاهات عدة لا تقف مبرأة من رشاش كثير أصاب قضايا المرأة وسيصيبها لاحقا، في عصر مستحقات العولمة. فكما يتوَّج ذلك الكفاح في بعض تجلياته بالتوزير، فهناك معركة أخرى خفية تتوج تجلياتها على المرأة بتزويرها، وبآثار أكبر وأخطر من قوالب قدامى الأمهات لبناتهن.. وتهنئة ممتدة للمرأة العربية.