ديمقراطية .. بالدماء

36 قتيلاً ومائة جريح و3 آلاف معتقل.. ثمن أول انتخابات تعددية في إثيوبيا

TT

دفعت اثيوبيا الاسبوع الماضي 36 قتيلاً وحوالي مائة جريح وأكثر من ثلاثة آلاف معتقل ثمناً لأول تجربة ديمقراطية عبر انتخابات تعددية تشارك فيها احزاب المعارضة. وبسبب هذا الثمن نفسه جمدت بريطانيا الاربعاء الماضي مساعدات قيمتها 55 مليون دولار لاثيوبيا. فماذا حصل في هذه الدولة الواقعة شرق افريقيا والتي يبلغ عدد سكانها 70 مليون نسمة وتعتبر اكثر البلدان فقراً في العالم؟ ومن المسؤول عن صبغ التجربة الديمقراطية الوليدة بدماء مجموعة من الطلاب أرادوا الاحتجاج على نتائج غير رسمية للانتخابات فاز فيها الحزب الحاكم؟.

يبدو أن «الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب اثيوبيا» (الحزب الحاكم) التي يتزعمها رئيس الوزراء ملس زيناوي استعجلت كثيراً تنفيذ النموذج الغربي في الانتخابات وباسترخاء كبير ومن دون تحضيرات ملائمة للانتخابات. ولم تتنبه السلطة الحاكمة للخصوصية السياسية والمجتمعية في الوطن الاثيوبي إلا عشية الانتخابات البرلمانية في الليلة التي سبقت يوم الاقتراع في 15 مايو (ابريل) الماضي. ففي تلك الليلة أصدر زيناوي مرسوماً نص على منع التجمعات الشعبية والمظاهرات بدءً من يوم الاقتراع وحتى انتهاء فترة شهر كامل من تاريخ اعلان النتائج النهائية للانتخابات. وبرر ذلك لاسباب أمنية ولتجنب حصول عمليات تخريبية في البلد تحت غطاء التظاهرات. وربما كان زيناوي قد استرجع في الليلة ذاتها، أجواء الشحن السياسي والتوتر الذي رافق الحملات الانتخابية لحزبه ولأحزاب المعارضة، خصوصاً أن الاخيرة استطاعت حشد مؤيدين في تجمعات فاق عددها تجمعات مؤيدي حزبه المتربع على السلطة منذ 14 سنة. وربما غاب عن زيناوي أن الديمقراطية بالمفهوم الغربي وحدة لا تتجزأ. إذاً لا يمكن ان تكون ديمقراطياً في إجراء الانتخابات وفي الوقت نفسه ديكتاتورياً تمنع الناخبين من حرية التعبير بالاحتجاج والتظاهر. وهو الامر الذي ادى الى صدام بين السلطة الحاكمة وطلاب مؤيدين لتحالفي المعارضة الرئيسيين «التحالف من أجل الوحدة والديمقراطية» وتجمع «القوى الإثيوبية الديمقراطية الموحدة». وربما كان غياب التنسيق الجاد بين الحزب الحاكم وهذين التحالفين المعارضين، قبل الانتخابات، احد العوامل الرئيسية في الصدام الذي جرى لاحقاً. وأول الأخطاء التي ارتكبها الحزب الحاكم، باعتراف المحكمة الاثيوبية العليا، هو إعلان نتائج جزئية غير رسمية بعد حوالي اسبوعين على عملية الاقتراع، جاء فيها ان المعارضة فازت بكل مقاعد العاصمة اديس ابابا وأن الحزب الحاكم فاز في بقية انحاء البلاد بغالبية ساحقة. وأدى هذا الاعلان غير النهائي للانتخابات الى خروج طلاب من جامعة اديس ابابا للتظاهر في شوارع العاصمة احتجاجاً على هذه النتائج، خصوصاً ان المحاكم الاثيوبية تلقت 229 شكوى تطعن في نزاهة الانتخابات بمراكز اقتراع مختلفة في العاصمة وخارجها.

الاجهزة الامنية، بما في ذلك الشرطة، اعتبرت تظاهرات الطلاب خرقاً للقانون استناداً للمرسوم الذي اصدره زيناوي بمنع التظاهر، وحصل الصدام الذي حصد 36 قتيلاً وأكثر من مائة جريح واعتقال اكثر من ثلاثة آلاف شخص خلال ثلاثة ايام اقفلت خلالها كل المرافق الخدماتية في العاصمة. ودان الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة اطلاق الشرطة النار على المتظاهرين. كما قررت بريطانيا الاربعاء الماضي، في خطوة لافتة تعبر عن احتجاجها، تجميد مساعدة بـ 55 مليون دولار لإثيوبيا وطالبت باطلاق المعتقلين او محاكمتهم. أحزاب المعارضة نفت اتهام الحكومة لها بالتحريض على التظاهر وتنظيم التجمعات، واستطاع وفد من الاتحاد الاوروبي التوسط بين الطرفين الذين اتفقا على وقف اعمال العنف والاحتكام إلى هيئة الانتخابات الإثيوبية والمحاكم التي قررت التحقيق في 299 شكوى تطعن في الانتخابات. لكن المعارضة اشترطت اخيراً، لتنفيذ الاتفاق، اطلاق كل المعتقلين خلال التظاهرات، ووقف السلطات حملاتها لاعتقال اعضاء في المعارضة وعدم تقييد حركة قادتها الذين وضع عدد منهم قيد الاقامة الجبرية في منازلهم ومنعوا من السفر خارج البلاد.

وحتى الآن، وبانتظار اعلان النتائج النهائية للانتخابات المقررة في الثامن من الشهر المقبل، يبدو ان الاوضاع الأمنية ما زالت تحت السيطرة، خصوصاً أن المعارضة تمارس فعلاً اقصى جهدها في عملية ضبط واضحة للنفس ، وبرهنت بذلك مدى حرصها على ان لا تتوسع دائرة اعمال العنف من الاحتجاج السياسي الى عنف من نوع آخر قد لا تحمد عقباه، وتحديداً إذا ما تحول الى عنف قبلي في هذا البلد الذي يطلق عليه «متحف القوميات»، اذ يضم أكثر من 80 قومية مختلفة و 150 قبيلة تتحدث بحوالي 39 لغة ولهجة، واديانها بالعشرات.