كتب منعت .. في الغرب

من ضمنها الإنجيل وألف ليلة وليلة وقصص كانتربري واعترافات روسو

TT

يوم 12 ديسمبر (كانون الاول) 1937 كتب جوزيف غوبلز وزير الدعاية في حكومة الزعيم الالماني ادولف هتلر في يومياته: «ارسلت الى الفوهرر (هتلر) 18 فيلما من افلام «ميكي ماوس» هدية بمناسبة عيد الكرسماس لأني اعرف انه يحب مشاهدتها، ورد بأنه شاكر وسعيد». وفي ذلك الوقت كانت افلام «ميكي ماوس» قصيرة، تتراوح ما بين خمس وعشر دقائق وكانت بالابيض والاسود، كما كانت بصوت وولت ديزني، مؤسس وصاحب شركة «ديزني» للرسوم المتحركة. وكان الفأر «ميكي» في اغلب الافلام التي انتجت يلعب دور فأر فكاهي وطيب، فيما كان القط يلعب دور المتربص المشاكس. لكن وكجزء من الدعاية العسكرية الاميركية ضد هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، انتج ديزني افلاما عن الفأر «ميكي» وهو يتندر على هتلر والالمان، ويصورهم بأنهم جادون اكثر مما يجب، واشرار. فقرر هتلر منع افلام وكتب ورسومات وتماثيل ومجلات «ميكي ماوس» بعدما اعلنت اميركا الحرب عليه، وبسبب دعاية «ميكي» ضده، لكن هتلر لم يكن اول من منع الكتب والمجلات، والافلام، وليس آخر واحد.

وذكر تقرير عن الكتب الممنوعة، اصدرته جامعة بنسلفانيا أخيرا، ان الانجيل كان اول كتاب منع، بعد ان طبعه الالماني يوهان غوتنبرغ الذي اخترع ماكينة الطباعة في 1450. ففي البداية، رحب رجال الدين بالانجيل المطبوع، لكن، بعد سنوات، لاحظوا ان بعض الناس اشتروه وقرأوه وفسروه كما يريدون، وبسبب ذلك غضب رجال الدين الذين كانوا يحتكرون تفسيره وطلبوا من الاباطرة والملوك منع توزيعه.

وفي فرنسا، مهْد الحريات الشخصية، وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير، منع لويس الحادي عشر امبراطور فرنسا كتاب «سقوط القدس» للشاعر الايطالي تاسو الذي صدر في 1581. ورغم ان قصائد الكتاب اشادت بانتصار المسيحيين في الحرب الصليبية الاولى، الا انها تنبأت بأنه لن يكون نصرا نهائيا، وان هناك من هم اعلى من «الاباطرة والملوك» سينتصرون في النهاية، واعتبر الامبراطور هذا اشادة بالمسلمين وبصلاح الدين الايوبي الذي حرر القدس.

وبعد ثمانين سنة، وفي فرنسا ايضا، منع لويس الرابع عشر، وامر بحرق كل نسخ كتاب «خطابات اقليمية» الذي دافع فيه الفيلسوف الشهير باسكال عن نظرية تقول ان «الانسان مسيَّر وليس مخيرا». وبعد اكثر من مائة سنة، وفي فرنسا ايضا، منع لويس السادس عشر كل الكتب التي طالبت بالثورة الفرنسية، او تنبأت بها، او شجعتها. لكنه لم يستطع وقف الثورة عندما بدأت في 1789، وانتهت بقطع رأسه بالمقصلة.

وقد انتقلت حمى الخوف من الثورة من فرنسا الى بريطانيا الملكية التي منعت سنة 1792، كتاب «حقوق الانسان» وحاكمت كاتبه توماس بين بتهمة «الخيانة» لانه دافع عن الثورة الفرنسية. وقبل ذلك منعت كتابه الاول «البديهة» الذي دافع فيه عن الثورة الاميركية ضد الاستعمار البريطاني. وعندما هاجر الى اميركا، وكتب كتاب «عصر المنطق» الذي انتقد استغلال رجال الدين للدين، غضب عليه الاميركيون، وطالب بعضهم بمنع كتبه ومحاكمته. لكنه اثر على توماس جفرسون الذي كتب الدستور الاميركي الذي فصل بين الدين والحكومة.

وكما ان هناك كتبا عديدة حول الثورة والدين تم منعها، هناك كتب حول الجنس تم منعها. واشهرها قصة «فاني هيل: مذكرات امراة تبيع اللذة»، التي كتبها البريطاني جون كليلاند في 1749 ومنعت ربما في كل بلد عبر التاريخ، الى ان تم رفع الحظر عليها في اوروبا دولة بعد دولة. غير انه لم يرفع الحظر عنها في اميركا الا بعد قرار من المحكمة العليا في 1966، وذلك بعد مائتي سنة من صدورها.

كان الاميركيون، ولا يزالون اكثر تشددا من الاوروبيين في منع كتب الدين والجنس، وذلك لأن الدين يلعب هناك دورا اكبر ولأنه كان من اسباب اكتشاف بلدهم ومن اسباب توسعهم. ففي 1919 عدل الاميركيون الدستور لمنع صناعة وبيع وشرب الخمر، وتبع ذلك منع الكتب والمجلات التي تروج لها. (رفع الحظر عندما عدل الدستور مرة اخرى بعد خمس عشرة سنة).

لكن، لأن الدستور الاميركي يشدد على حرية الرأي ويمنع منع الكتب، تحايل الكونغرس في القرن التاسع عشر واصدر «قانون محاربة الرذيلة»، الذي منع ادارة البريد الفدرالية من نقل «كتب ومطبوعات ومواد رذيلة، وسفيهة، وقذرة».

ورغم ان القانون قديم جدا، ولم يعد يستعمل، لكنه موجود، لجأ اليه الكونغرس قبل عشر سنوات، بعد انتشار الانترنت، ووضع «قانون اصلاح الاتصالات» الذي منع نقل «مواد وصور رذيلة، وسفيهة، وقذرة» عن طريق الانترنت. (لكن المحكمة العليا افتت بأن القانون غير دستوري، ويخرق حرية الرأي، الا بالنسبة للاطفال).

كما منعت ادارة البريد الاميركية في الماضي، اعتمادا على «قانون محاربة الرذيلة»، قصص «الف ليلة وليلة» العربية. ويبدو انها اعترضت على اشياء مثل المغامرات الجنسية الكثيرة التي ترد في الكتاب. ومنعت «قصص كانتربري» التي كتبها البريطاني جيفري سوشر في القرن الخامس عشر. ويبدو انها اعترضت على اشياء مثل «زوجة من باث» واحلامها الجنسية.

كما منعت قصة «لسستراتا» التي كتبها الاغريقي ارستوفانس في القرن الخامس قبل الميلاد عن ضغط النساء على الرجال لوقف الحرب الطويلة بين اثينا واسبارتا. ويبدو انها اعترضت على أوصاف جنسية عندما اعتصمت نساء اثينا بمبنى الاكروبول، وحرمن ازواجهن من معاشرتهن حتى يوقفوا الحرب. ورغم ان اميركا رفعت الحظر عن قصة «لسستراتا» منذ مدة طويلة، لكن بعض المحافظين تململوا عندما انتشر توزيعها، ومثلت على المسارح، قبل ثلاثين سنة، كرمز لمعارضة اميركيات على حرب فيتنام. وأخيرا اشارت اميركيات الى القصة كجزء من جهودهن لوقف حرب العراق، ولا بد ان يتململ مؤيدو الحرب بسبب ذلك.

لكن اكثر القصص التي منعت، واثار منعها ضجة، هي «يوليسس»، للايرلندي جيمس جويس، لأنها تعد بالنسبة للغالبية العظمى من النقاد أهم عمل ادبي في القرن العشرين. وقد كتبها جويس في 1914 عن «بلوم» اليهودي وزوجته «مولي» وعشيقها «بوليان». والقصة بسيطة ومعقدة في نفس الوقت، لأن فيها تشابها مع قصص اغريقية قديمة، وفيها تشابه مع حياة المؤلف الشخصية، بما في ذلك خطابات مع عشيقته عن عذريتها، ويعتقد ان هذا، بالاضافة الى عبارات ايرلندية خادشة للحياء، كانت من اسباب منعها. في اميركا، منعت ادارة البريد الفدرالي نقل القصة لأكثر من عشرين سنة بعد صدورها. ومنعت، ايضا، نقل قصة «كانديد» التي كتبها الفرنسي فرانسوا ماريه اروى فولتير، في 1759 عن اقطاعي اوروبي طرد «كانديد»، ابن اخيه من قصره بعد ان اكتشف علاقته الغرامية مع ابنته، وعن مغامرات الصبي المثيرة في دول كثيرة. ولم تلغ ادارة البريد الاميركية منع القصة الا في سنة 1944، بعد مائتي سنة من صدورها.

ومنع الاميركيون ايضا «اعترافات» وهي مذكرات الفيلسوف الفرنسي الشهير جان جاك روسو التي كتبها في 1782، وفيها عبارات وصفت بأنها قذرة، بالاضافة الى رأيه المثير للجدل في مواضيع دينية من بينها الحكمة من وراء الكوارث التي يتعرض لها الانسان، وهل هي عقاب من الله او اختبار منه. كما منعت قصته «ايملي» لأن لها صلة بآرائه عن الدين وهجومه على رجال الدين المسيحي التقليديين وسيطرتهم على تفسير الانجيل. وكان غريبا ان يمنع الاميركيون كتب اثنين من عمالقة عصر النهضة في فرنسا، هما فولتير وروسو، خاصة لأن المواضيع التي كتبا عنها (واختلفا حولها احيانا) وضعت اساس الفكر الغربي الحديث. كما منعت كتب روسو، ايضا، في كثير من الدول المسيحية الكاثوليكية، وفي جنوب افريقيا.

ومنع كتاب «العصيان المدني» الذي كتبه الاميركي هنري ثورو، في القرن التاسع عشر، عن استقلالية الرأي، والتخلص من الخرافات الدينية، وتحكيم العقل، وتفضيل الخيار الاخلاقي.

ومنع كتيب عارض التجنيد الاجباري. ووصل الامر الى المحكمة العليا التي اصدرت قرارا لا تزال آثاره باقية حتى اليوم، وهو ان الشخص الذي يصرخ «حريق» داخل مسرح لا يقدر على ان يقول انه حر في ان يفعل ذلك (لأنه يخوف الذين داخل المسرح، ويعرض حياتهم للخطر).

وبسبب سيطرة الأقلية المسيحية البيضاء على الحكم في جنوب افريقيا لفترة طويلة (حتى سقطت عندما خرج مانديلا من السجن)، منعت الحكومة هناك كتبا لاسباب دينية، مثل كتاب روسو، ولاسباب سياسية مثل كتاب «الرجل الحديدي» الذي كتبه، في بداية القرن الماضي، الاميركي جاك لندن، الذي كان من قادة المثقفين الاميركيين اليساريين.

ومنعت حكومة جنوب افريقيا العنصرية كتبا اخرى لاسباب غريبة. مثل كتاب «فرانكشتاين» المخيف، وقالت انه «قذر». ومثل كتاب «الجمال الاسود»، وقالت انه «يثير المشاكل»، رغم ان القصة عن حصان، ولا صلة لها بالاغلبية الافريقية السوداء هناك. ومنعت طبعات خاصة من الانجيل، وحظرت استيراد القرآن الكريم. لكن دولا اخرى منعت، ايضا، الانجيل والقرآن الكريم، مثل روسيا خلال الحكم الشيوعي خاصة خلال سنوات حكم جوزيف ستالين.