موسى هلال.. سيف «الجنجويد»

قال إنه لم يحمل السلاح يوما لكنه حرض الآخرين على القتال

TT

دخل موسى هلال كتاب التاريخ من اوسع ابوابه، ولكن ليس كمخترع او رئيس دولة او زعيم سياسي، وإنما كقائد لميليشيا «الجنجويد»، التي نشرت الرعب في اقليم دارفور، الذي يشهد حربا اهلية منذ عامين ادت الى قتل نحو 180 الف شخص وشردت نحو مليونين، حسب احصائيات الامم المتحدة التي اعتبرت الازمة الاسوأ في العالم، وذلك رغم ان هلال ينكر تهمة الانتماء الى الجنجويد، وتهمة ارتكاب جرائم حرب، موضحا ان ما يقوم به دفاع عن اهله لا غير. ومشكلة هلال انه بات يواجه أكبر قوة في العالم، متمثلة في الولايات المتحدة التي وجهت له مع 5 آخرين تهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية في دارفور، وتطالب بمحاكمته دوليا كمجرم حرب مثله مثل ما فعلت مع قادة دول آخرين، من امثال الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش. وليس مستبعدا ان يطالب بالمثول امام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، التي شكلت حديثا للنظر في مثل هذه القضايا. لكن هلال، 44 سنة، ذا البشرة النحاسية والقوام التمثالي والعينين الحادتين، يصف نفسه بأنه «شيخ عرب»، ورجل دين وأنه مسؤول عن 300 ألف من عرب دارفور، مثلما كان أبوه مسؤولا منذ الحكم الثنائي المصري الانجليزي في السودان بدايات القرن الماضي. ويقول إن مهمته هي حماية قومه وحفظ كرامتهم. وأكد في احد لقاءاته الصحافية الاخيرة انه لم يحمل سلاحا مطلقا، لكنه «حرض العرب الآخرين على القتال». ويقول «عندما طرحت الحكومة برنامجا لتسليح كل الناس، لا أنكر أنني جمعت أبناءنا وطلبت منهم أن يحملوا السلاح، وقد استجابوا للطلب. وقد بلغ عدد الذين حملوا السلاح ما لا يقل عن 3 آلاف».

ويعتبر هلال وهو أب لـ13 من الابناء من 3 زوجات، إن النزاع في دارفور مستمر منذ سنوات طويلة وان «الافارقة» ظلوا يقتلون العرب في صراعات حول الأرض والماء. ويشير الى ان «مثل هذه الأشياء تولد الأحقاد». ويصور نفسه حاميا ومدافعا عن القبائل العربية ضد المجموعات الافريقية، منكرا أن الجنجويد يقومون بعملية تطهير عرقي. وقال في ذلك «لا يمكن لأحد أن يزيل عرقية من الوجود».

وتصف الحكومة السودانية طلبا اميركيا بمحاكمته، بانه «امر في غاية الصعوبة»، مثل ان يطلب من لبنان محاكمة زعيم حزب الله الشيخ حسن نصر الله. عائلته مثل معظم العوائل العربية في دارفور، في حالة بحث دائم عن أراض جديدة للرعي. وبناء على مراقبين وشهود وبحث أجرته شعبة أبحاث الكونغرس الاميركي، فإن والد هلال انتقل، عام 1976، إلى منطقة أمو في شمال دارفور، حيث كانت تعيش القبائل الافريقية، وأنه حصل على أرض هناك عن طريق رشوة أحد الموظفين الفاسدين. وفي عام 1997 سجن هلال لقتله 17 من السودانيين بدارفور، حسب ما أوردته دراسة للكونغرس. وقبل ذلك بعدة سنوات سجن لقتله جنديا في جهاز الأمن ونهبه مصرفا في نيالا، المدينة المعروفة بجنوب دارفور حسب الدراسة نفسها. ولما انفجرت التوترات في دارفور في بداية 2003، استعانت به الحكومة لصد العدوان. ويقول تيد داغن، المتخصص في الشؤون الافريقية بشعبة الأبحاث التابعة للكونغرس، ان هلال كان في السجن وقت تصاعد جرائم دارفور عام 2002، مشيرا الى ان الحكومة قررت إطلاق سراحه لينظم قوات الجنجويد ويقودها. وقد أطلق سراح هلال بعد تدخل شخصي من النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه حسب داغن. وقال إن رجلا آخر هو الجنرال عبد الله صافي النور، القائد بسلاح الطيران، وحاكم دارفور السابق، تدخل أيضا لإطلاق سراح موسى هلال. وعبد الله صافي النور هو ابن عم موسى هلال.

وحسب متابعين سودانيين، فان هلال ولد في قرية صغيرة تسمى «دامرة الشيخ» تقع قي شمال دارفور، على بعد بضعة كيلومترات في الناحية الغربية من مدينة «كتم». عدد بيوتها لا تتعدى الثلاثين «قطية» (خيمة من سيقان نبات الذرة)، يتناثر حولها عدد من المباني الثابتة، مبنية من الطوب الاخضر، وتتوسطها مدرسة ابتدائية صغيرة مبنية على طراز قديم، شوارعها رملية ومغبرة ومختلطة باحجار رمادية، تسلكها سيارة لاند كروزر حمراء يطلق على هذا النوع في السودان اسم (ليلى علوي)، يركبها الشيخ موسى هلال وتتبعها سيارتان من نفس الطراز، يستقلها شباب من عرب المحاميد مدججون بمختلف الاسلحة بزي غير منسق وغير منسجم، هم في الحقيقة حراس الشيخ هلال.

ويشير باحثون سودانيون الى ان هلال بنى صومعة احلامه، بعدما اغراه نظام «الانقاذ» بكوم من الرتب العسكرية الوهمية، مع ان سجلات الكلية الحربية السودانية لا يوجد فيها اسم طالب حربي يدعى موسى هلال. وانه استغل هذا الوضع المميز لاثارة الكثير من الفتن بين القبائل العربية والافريقية، التي يسميها بالزرقة، تفنن هو وانصاره بقتل المواطنين الابرياء وحرق القرى، منطلقين من مقرهم الذي يسمونه باللواء السابع مشاة في كبكابية. ويقولون «فعل هلال كل هذا وهو يعتقد بانه يؤدي دورا وطنيا وبطوليا»، يقول هلال «حاربتهم وهزمتهم ودمرت اوكارهم فلذلك يحقدون علي».

ويضيف الباحثون «منذ وقت بعيد ظهر اسمه في القوائم السوداء لكنه لم يستطع ان يستوعب خطورة الموقف. يقول هلال «انا لا اعرف كولن باول ولا كوفي أنان، انا لست كبشا ليأخذني هؤلاء للمحاكمة.. انا زعيم عشيرة»، يقول كل هذا وكان ناقوس الخطر يدق حول خيامه وينبهه بان ما يجري في هذه البقعة من العالم، هو شيء غير عادي، ولكنه لم يستيقظ، يقول: «هذه الحرب ليست حرب ابادة وهي حرب بين جماعات معارضة وحكومة، انا أديت واجبي كزعيم عشيرة.. انا ميداني لاني ولدت في الميدان».

ويشير الباحثون الى ان تجربة هلال الطويلة واحتكاكه المباشر بالمسؤولين، قاده الى ترتيب لقاء له مع القائم بالاعمال الاميركي (مسجل بالصوت والكاميرا)، وعلى الرغم من ان اللقاء كان اجراء روتينيا ذا طابع استخباري يقوم به المسؤولون الاميركيون في كل انحاء العالم، الا ان هلال اعتبره انتصارا تاريخيا ومكسبا سياسيا له، يقول وهو خارج من مبنى السفارة «شرحت للاميركيين، وضحت لهم، صححت مفهومهم، وقلت لهم ان الجنجويد ليسوا قبائل عربية هم قطاع طرق ولصوص». وقلت لهم «انا شيخ كبير يؤلمني ان يسميني احد بجنجويدي». من حيث يدري او لا يدري قام هلال بدور كبير في تسليط الاضواء حول شخصه وبتوفير فيض من المعلومات عن سيرته الذاتية، لدرجة ان مراسل صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية يعرف عدد ابنائه ومشروبه المفضل «المانجو» ويحفظ عددا من النكات عن هلال كلها تتحدث عن الحرب». وفي بحث نشر على الإنترنت نصحه المقربون منه، بعبارة سودانية تقول «روق المانقه شوية (وهي عبارة سودانية تعني «ارفق بنا») فان الطوفان مقبل لا محال». ويشير البحث «بظهور تقرير لجنة تقصي الحقائق الدولية. ومع ان التقرير لم يكشف عن الاسماء، الا ان هلال فطن بذكائه الى ان اسمه قد يكون موجودا لذا يقول «انا قد اكون شاهد ملك ضد البشير وطه، وهنالك لواء اخر اسمه عوف هو الذي قام بتدريب انصاري.. انا لست خائفا، كل الملفات سلمتها للمنظمات الدولية». وقريبا سيشهد العالم اجمع اكبر عملية دولية لمطاردة ومحاكمة مجرمي الحرب، وقبل ان يأتي هذا الطوفان، فان امام الشيخ هلال، ابن دامرة الشيخ ان يشيع احلامه بقلب باك وان يجهز حقائبه ويعد العدة لرحلة جديدة الى لاهاي.. قد يعود منها او قد لا يعود.