يحتفل الاميركيون بعد اسبوعين بشهر «محاربة السأم»، وخلال هذا الشهر يتفنن الافراد والشركات في ابتداع الافكار للتصدي للسأم والملل الذي هو سمة العصر الحديث. وقبل ثلاثة ايام احتفل العالم باليوم العالمي للتبرع بالدم، وخلال النصف الاول من الشهر الجاري احتفل العالم باليوم العالمي لمنع تجنيد الاطفال، ويوم البيئة العالمي، ويوم مواجهة التصحر والجفاف. وخلال النصف الثاني من الشهر سيحتفل العالم باليوم العالمي للاجئين، ويوم دعم ضحايا التعذيب، ويوم حظر المخدرات ونقلها وتجارتها. هذه الايام العالمية التي وصل عددها الان الى واحد وخمسين يوما يتم خلالها الاحتفال عالميا بأحداث مهمة على نطاق العالم اجمع، تحددها الجمعية العامة للامم المتحدة بقرارات ملزمة دوليا، ومن بينها الاحتفال بيوم «تأسيس الامم المتحدة» في 24 اكتوبر (تشرين الاول) من كل عام. وتواصل الجمعية العامة حتى الان اعلان ايام خاصة من وقت لآخر، حسب توصية من لجنة خاصة بذلك. لا توجد في قائمة الايام العالمية اي احتفالات في يناير وفبراير ربما لان العطلات الرسمية فيهما كثيرة. غير ان هناك ثلاثة ايام في مارس منها «اليوم العالمي للقضاء على التفرقة العنصرية»، ويومين في ابريل منهما يوم «الصحة العالمية»، وأربعة في مايو منها يوم «حرية الصحافة»، واثنين في يوليو، منهما «اليوم العالمي للسكان». وثلاثة في اغسطس منها «اليوم العالمي لمنع تجارة الرقيق والقضاء عليها»، وثلاثة في سبتمبر منها «اليوم العالمي لمحو الامية». وعشرة في اكتوبر منها يوم «القضاء على الفقر». وستة في نوفمبر منها يوم «التضامن مع الشعب الفلسطيني»، وثمانية في ديسمبر منها «اليوم العالمي لحقوق الانسان».
ويعتقد ان سبب كثرة الايام العالمية خلال الشهور الثلاثة الاخيرة من السنة هو انها شهور اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة، والتي تبدأ عادة في الاسبوع الاخير من سبتمبر (ايلول)، لكن لا يوجد يوم محدد لها، لأنها تبدأ عادة يوم الاثنين وهو ايضا «يوم السلام العالمي».
* كيف اختيرت الأيام؟
* حددت الجمعية العامة هذه الايام حسب توصية من لجنة خاصة في قسم المؤتمرات والاحتفالات. وهناك اكثر من سبب لاختيار هذه الايام. مثلا «يوم الغذاء العالمي» في 16 اكتوبر هو يوم تأسيس منظمة الغذاء والزراعة (فاو) التابعة للامم المتحدة في 1945، وقد أعلنته المنظمة يوما عالميا في 1979، وتبنت الجمعية العامة القرار في 1980. ويوم «وقف العنف ضد النساء» الذي يتم الاحتفال به فى 25 نوفمبر، هو يوم اغتيال ثلاث شقيقات في جمهورية الدومينكان (في البحر الكاريبي) في 1961، بأوامر من حاكمها الجنرال رفائيل تريللو. وقد تبنت القضية منظمات نسائية عالمية، وأعلنته يوما خاصا لوقف العنف ضد النساء في 1981، وتبنته الجمعية العامة في 1999. اما «اليوم العالمي لحقوق الانسان» فيتم الاحتفال به في 10 ديسمبر، وقد حددته الجمعية العامة في 1950، اشارة الى اليوم الذي اقرت فيه الاعلان العالمي لحقوق الانسان في 1948 .
اما يوم «العمال المهاجرون» الذي يتم الاحتفال به في 18 ديسمبر فهو اليوم الذي اجازت فيه الجمعية العامة قانون «حماية حقوق العمال المهاجرين وعائلاتهم» في 1990، واعتمدته يوما خاصا في 2000 . اما يوم «الايدز» فيتم الاحتفال به في 1 ديسمبر، وكانت اعلنته منظمة الصحة العالمية يوما خاصا في 1987، وتبنته الجمعية العامة في 1988. اما يوم «القضاء على الرقيق» فيحتفل به في 2 ديسمبر وقد اجازته الجمعية العامة في 1949، وتبنته في 1955. اما يوم «التسامح» فيتم الاحتفال به في 16 نوفمبر، هو يوم اصدار منظمة اليونسكو إعلان التسامح بين الاديان والشعوب في 1995، بعد ان اعلنت الجمعية العامة في 1993 تلك السنة «عام التسامح» وتبنت الجمعية العامة القرار 1995 .
* أسابيع وشهور وسنوات
* وبالاضافة الى الايام العالمية، خصصت الجمعية العامة للامم المتحدة اسابيع للاحتفال بمناسبات عالمية معينة، موزعة على مدار السنة، منها اسبوع «التضامن مع الشعوب المحتلة»، واسبوع «التضامن مع الشعوب التي تناضل ضد التفرقة العنصرية». وخصصت سنوات معينة لنفس الهدف، مثل السنة الحالية التي اعلنت «عام القروض الصغيرة» التي تقدم الى اناس او جمعيات في المناطق الفقيرة في دول العالم الثالث. ويمكن ان تخصص السنة الواحدة لأكثر من مناسبة، مثل السنة قبل الماضية التي اعلنت «عام الجبال» لمواجهة زحف العمران، و«عام السياحة البيئية» التي لا تهدد البيئة. اما الاعوام التي سبقت فكانت اعوام «الحوار بين الحضارات»، و«المتطوعون»، و«مواجهة التفرقة والعدوانش. وهناك عقود خاصة، مثل العقد الحالي الذي بدأ قبل تسع سنوات وهو عقد «القضاء على الفقر»، وقبله كان هناك عقد «التنمية الصناعية في افريقيا»، وعقد «مواجهة التفرقة العنصرية». وتوجد، طبعا، اختلافات بين الايام والمناسبات الوطنية لأن كل دولة تضع جدولا لذلك. وفي الولايات المتحدة حدد الكونغرس ايام عطلات رسمية، مثل يوم الاستقلال، ويوم المحاربين الذين قتلوا في الحروب، ويوم العمال. لكن يوم العمال الاميركي يختلف عن العالمي، وذلك لأنه وضع قبل اكثر من مائة وعشرين سنة، اشارة الى مظاهرة عمالية في نيويورك يوم 5 سبتمبر 1882. وفي وقت لاحق تبنى مجلس بلدية نيويورك اليوم ذاته، ثم تبنته ولاية نيويورك، وحددت له اول يوم اثنين في سبتمبر (ايلول). وقال بيان اصدرته وزارة العمل الاميركية، في يوم العمال في السنة الماضية، ان اليوم «ليس يوم شخص او جمعية او منظمة، ولكنه يوم العمل، لكل من يعمل» ويفهم من هذا انه «يوم عمل» لا «يوم عمال» إشارة الى خلاف تاريخي عقائدي بين الرأسمالية والاشتراكية الاجتماعية، لأن بقية دول العالم تحتفل بيوم العمال (لا يوم العمل) في اول مايو (آيار).
* الأيام الدينية
* لكن الاميركيين وغيرهم يتفقون على الاحتفال بأيام لا تتغير، مثل ايام الاستقلال والثورات والاحداث التاريخية. وايضا الايام الدينية، لأن الكريسماس، مثلا، يحل دائما يوم الخامس والعشرين من ديسمبر. وطبعا، تعتمد الاعياد الاسلامية على القمر، ولهذا تتغير في التقويم الميلادي. وهناك فرق بين اعياد دينية رسمية، تعتبر يوم عطلة، واعياد غير رسمية، وبين عيد ديني وغير ديني وشبه ديني. مثلا، يحتفل الاميركيون باعياد غير رسمية في ايام مؤرخة، مثل «الهالاوين» يوم 31 اكتوبر (ارتداء ملابس تنكرية، خاصة للاطفال)، و«فالنتاين» او «عيد الحب» يوم في 14 فبراير. وعيد «فالنتاين» يشارك فيه الاميركيون بقية شعوب العالم. ويقال ان اصله يوم زواج «زيوس»، إله الاغريق. او زواج إله الاخصاب الروماني «لوبركس»، او «فالنتيناس» اسقف الفاتيكان الذي قال ان الحب الحقيقي هو الحب بين زوجين. لكن الجميع يتفقون على انه يوم 14 فبراير (شباط).
كما يحتفل الاميركيون باعياد في ايام غير مؤرخة مثل «عيد الام» في ثاني احد في مايو، و«عيد الاب» في ثالث احد في يونيو، وعيد «الاجداد والجدات» في ثاني احد في سبتمبر. مثل هذه الايام اما يعلنها الكونغرس او البيت الابيض، ولكن بدون تحديدها كيوم رسمي. ويحدد حكام الولايات، او المجالس التشريعية فيها، اياما معينة، مثل يوم «الحلوى» في ولاية اوهايو، ويوم «الرواد» في ولاية يوتا (اشارة الى جماعة دينية اسست الولاية).
وهناك ايام عالمية غير دينية او شبه دينية، بدأت في سنة معينة ومكان معين ثم انتشرت، مثل كذبة اول ابريل، اشارة الى قرار الملك الفرنسي تشارلز التاسع، في 1582، بتغيير التقويم الميلادي، الذي كان يبدأ في اول ابريل، الى التقويم الغريغورياني ليبدأ في اول يناير، ولم يصدق كثير من الناس التغيير، واعتبروه كذبة، وحافظوا على اول ابريل، خلال السنوات الاولى. ثم اضيفت اليه خرافة بأن كل رجل يتزوج في ذلك اليوم ستسيطر عليه زوجته. وان كل مولود في ذلك اليوم سيكون محظوظا في كل شيء إلا على موائد القمار.
* أيام منظمات وجمعيات
* وكانت مجلة «هاي تايم» الاميركية، المتخصصة في المخدرات، قد حددت يوم 20 ابريل يوما للمخدرات. ويأتي الى واشنطن آلاف الناس كل عام لمطالبة الكونغرس بتخفيف العقوبات على تعاطي المخدرات، او باعتبار «الماريوانا» مخدرا طبيا (اعلنت المحكمة العليا في الاسبوع الماضي عدم دستورية قانون في ولاية كليفورنيا، وولايات اخرى، يسمح بذلك). وحدد الاميركي سكوت ماكلاود، استاذ جامعي متخصص في رسومات الكرتون، يوم 24 ابريل لرسم الكرتون، ووضع مسابقة لرسم اكبر كمية خلال ذلك اليوم.
* أعياد تجارية
* ويحتفل الاميركيون بأيام او شهور حددتها شركات او جمعيات كجزء من الدعاية لنشاطها (واحيانا يوافق عليها الكونغرس، لكن بدون التزام رسمي). مثلا، شهر يونيو الحالي هو شهر «الالبان» و «قيادة السيارة» و«الشاي المثلج» و «الوردة» و «التنس» و«الديك الرومي» و«الفواكه والخضروات» و «تبني قطة لا صاحب لها»، وشهر يوليو القادم سيكون شهر «الآيس كريم» و «دونالد داك» و «محاربة السأم» و«ساندوتش هوت دوغ» و«الرحلات»، واليوم الاول من الشهر سيكون يوم «النكتة» ويوم «الشبح». واليوم الاول من شهر اغسطس القادم سيكون يوم «تلفزيون ام تي في» و «احترام الوالدين»، والشهر نفسه سيكون شهر «البطيخ» و«الصداقة». وشهر سبتمبر سيكون شهر «الفطور الصحي» و «الذهاب الى مكتبة عامة».. والباب مفتوح امام اي شخص ليحدد يوما معينا لاي شيء «معقول». مثلا، اعلنت موسوعة «ويكيبديا» الاميركية طلب اقتراحات ليوم ديني عالمي واحد تجتمع فيه كل الاعياد الدينية في العالم، وليوم «الحديث في المصعد»، ربما لأن الناس لا يتحدثون في المصعد.