الموسيقى ضد السياسة

نجم روك يلفت الأنظار إلى قمة الثماني.. لكن بأي نتيجة ؟

TT

الجدل الدائر في كندا هذه الأيام ليس حول هوكي الجليد. فمنظم «لايف 8» بوب غيلدوف، موسيقي الروك البريطاني الشهير، أثار جدلا الأسبوع الماضي عندما انتقد افتقار الحكومة الكندية الى التعهد بتقديم مساعدة للدول الاكثر فقرا في العالم.

وأشار غيلدوف الى أنه اذا لم تضاعف كندا المعونة فان رئيس وزرائها بول مارتن يجب ان لا يزعج نفسه بشأن حضور قمة الثماني الكبار التي تنعقد في الفترة من 6 الى 8 يوليو (تموز) الحالي في اسكوتلندا. وقال السير غيلدوف «إبق في بلدك. لا تأت. لست موضع ترحيب ما لم تكن مستعدا للقيام بشيء ما بصورة نهائية من أجل فقراء هذا العالم». ولم يكن نجم الروك الوحيد الذي يلوم رئيس الوزراء الكندي. فبونو، المغني الرئيسي في فريق «يو تو» الآيرلندية الشهيرة أبلغ حشدا في حفل موسيقي بفانكوفر في ابريل (نيسان) الماضي بأنه يشعر بخيبة أمل لأن السيد مارتن لم يتعهد حتى الآن بزيادة إنفاق كندا على المعونة الأجنبية ليصل الى نسبة 0.7 في المائة من اجمالي الناتج المحلي للبلاد بحلول عام 2015 .

وقد استاء كثير من الكنديين الأسبوع الحالي من تلقينهم دروسا في الشؤون العالمية على يد موسيقيين ومغنين عالمين، ولكنهم ربما لم يكونوا على دراية بالطريقة التي تغير بها العالم. ففي سنوات الستينيات من القرن الماضي قدم موسيقيو الروك أغاني احتجاج سياسي ادت الى مساعدة النساء والاقليات والسود في نيل حقوقهم السياسية والمدنية. وفي الأيام الحالية باتوا لاعبين في الميدان السياسي. ويبدو أن هذه الظاهرة بدأت في عام 1985 عندما نظم السير غيلدوف حفل «لايف أيد» الموسيقي الذي جمع ما يقرب من 100 مليون دولار للمجاعة الاثيوبية. وقد لفت ذلك العرض الهائل للتعاطف مع المحتاجين أنظار السياسيين. فزعماء الدول الغربية يلتقون الآن مع بونو بالطريقة التي يحاولون بها اللقاء مع شخصية دينية مثل بابا الفاتيكان. وصار بونو، وهو يربت على كتف السيد مارتن وكذلك الرئيس جورج دبليو بوش ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، مثار فخر لهؤلاء لانها مؤشر على انهم ينتهجون سياسات انسانية. وقد ألقى بونو خطابا عاصفا في مؤتمر حزب العمال البريطاني المنعقد أواخر العام الماضي أثنى فيه على تعهد رئيس الوزراء توني بلير ووزير خزانته غوردن براون بالمساعدة في دعم الدول الفقيرة عبر الغاء الديون. وبالتالي فانه لا بد أن ينشر «لايف 8» عرض الروك العالمي الذي ينظمه السير غيلدوف والمنتظر أن يبدأ اليوم في ثماني مدن في العالم، مزيدا من الوعي بالمشاكل التي تعاني منها أفريقيا. وعلى طريق الاستعداد للحفل الموسيقي كان الموسيقيون والمغنون في مختلف وسائل الاعلام يعبرون عن آرائهم عما يتعين على الدول الصناعية الثماني الكبرى القيام به من أجل معالجة الفقر والمرض في أفريقيا.

ولكن المرء يتساءل عما يعرفه نجوم البوب والروك حقا عن التنمية الدولية، وما اذا كان بوسعهم تحفيز زعماء مجموعة الثماني على القيام بما هو أكثر من أجل مكافحة الفقر في العالم. ويتساءل كثير من العاملين في مجال الاغاثة، مرتابين بما فعلته حملة السير غيلدوف السابقة، «لايف أيد»، وعما اذا كان ضررها أكثر من نفعها.

وأشارت مقالة نشرت أخيرا في مجلة «بروسبيكت» البريطانية الى أن المنظمات المعنية بتقديم الاغاثة باتت ممثلة لبرنامج الحكومة الاثيوبية الستاليني القاضي بفرض المزارع الجماعية، الأمر الذي ساعد على خلق الكارثة قبل عقدين من الزمن. واليوم تعتبر اثيوبيا أفقر بكثير مما كانت عليه قبل 20 عاما، وتعتمد، في الوقت الحالي، بشكل دائم، على المعونات الخيرية. انه لأمر جدير بالثناء أن موسيقيي أيامنا هذه قادرون على لفت الأنظار الى الفقر في العالم، ولكن من غير المحتمل أن يؤدي ذلك الى حل سريع للأزمة الانسانية في افريقيا.

* باحث متعاون مع «الشرق الاوسط»