السعودية.. التغيير بين مؤيديه ومعارضيه

خلافات حول «مناهج» و«تطوير» و«إصلاح» و«تغيير» و«تعديل»

TT

لم يشتغل المجتمع السعودي بمناقشة قضية لمدة طويلة، وبتحرك كامل من جميع الفئات العمرية، مثلما اشتغل بقضية «تغيير المناهج» التي طرحت في وسائل الإعلام ومنابر المساجد ومنتديات الإنترنت وغرف المعلمين والمجالس والديوانيات في بيوت السعوديين، وهذا الاهتمام الاجتماعي حول مناقشة قضية تغيير المناهج يبرره الدكتور حسن الهويمل بأنه نتيجة أن «كل واحد من أبناء البلاد (السعودية): إما دارس أو مدرس، أو أن له ولداً أو بنتاً أو أخاً أو أختاً، فالتعليم كالهواء يمس الناس كافة».

وتعد عملية تطوير المناهج في المملكة قديمة بعمر التعليم النظامي نفسه، غير أن المحرض الأساس لنقاش تغيير المناهج هو لسان وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول، الذي أطلق «مبادرة المشاركة والديمقراطية» التي احتوت على أهمية تحديث التعليم، لا سيما المناهج، وذكرت المبادرة أن التعليم الأساسي في الشرق الأوسط يعاني من نقص (وتراجع) في التمويل الحكومي، بسبب تزايد الإقبال على التعليم متماشيا مع الضغوط السكانية، كما يعاني من اعتبارات ثقافية تقيد تعليم البنات.

وذكرت المسؤولة عن «مبادرة المشاركة والديمقراطية» إيلينا رومانسكي، أن الإدارة الأميركية تسعى فعلياً إلى تغيير المناهج التعليمية في الدول العربية، بما يؤدي إلى التخلص من الحقد والتحريض على الكراهية والعنف في المنطقة، موضحة أن السعي لتغيير المناهج ليس له علاقة بالنصوص الدينية، لإنه ليس بمقدور أي جهة التدخل في النصوص الدينية، وأن هذا ليس ما تسعى إليه الإدارة الأميركية، وأن المناهج التعليمية في العالم العربي هي المسؤولة عن تراجع معدلات التنمية العربية، وأن أي نظام تعليمي يسمح بمناهج تدعو صراحة إلى العنف والكراهية لن يكون قادرا على إعداد أفراد قادرين على التعامل مع العولمة والنظام العالمي الجديد. من جانب آخر، توقعت دراسة تربوية خليجية حديثة أن تلقي أحداث 11 سبتمبر (أيلول) بظلالها على مستقبل التربية في العالم العربي في ظل اتهام الأنظمة التربوية والتعليمية العربية بأنها «محضن» لتفريخ الإرهابيين والمتطرفين. واعتبرت الدراسة، التي تضمنتها محاضرة أعدها بتكليف من مكتب التربية العربي لدول الخليج نائب رئيس جامعة الإمارات العربية المتحدة الدكتور سعيد عبد الله حارب، المطالبة بتغيير المناهج التعليمية العربية بأنها تشكل قوة ضاغطة على الساسة والتربويين وعلماء الاجتماع، وقد تمتد لتشمل كافة النظم السائدة في الدول العربية بما فيها النظم السياسية. وفندت الدراسة اتهام التربية العربية بتحمل المسؤولية الأولى في تفريخ الإرهابيين، معتبرة من وجهت لهم أصابع الاتهام في أحداث 11 سبتمبر بأنهم لم يكونوا وليدي التربية العربية المباشرة، وأنهم لم يستطيعوا التكيف معها وفق رؤيتهم الخاصة ما دفعهم للذهاب إلى بيئة أخرى تهيئ لهم كل أسباب التطرف والإرهاب. وبعد بروز القضية على السطح، اختلف السعوديون على المصطلح السابق لكلمة «المناهج» اختلافاً كبيراً، فهناك من ينادي بوضع كلمة «تطوير»، وآخر يرى كلمة «إصلاح»، وثالث يعترف بكلمة «تغيير»، ورابع يلطف الكلمة إلى «تعديل»، واستمر المجتمع في مناقشة ذلك فترة ليست بالبسيطة.

ثم أُعلن في لقاءين وطنيين للحوار الفكري، وضمن التوصيات، ضرورة تطوير التعليم وتحديثه بما يتلاءم مع المناخ العالمي وفق الهوية المحلية، ومن جهة أخرى تمت تبرئة المناهج من كونها سبباً في العنف والإرهاب داخل السعودية وخارجها.

وفي خضم احتدام النقاش الاجتماعي، ويأس المعارضين للتغيير من منع تطوير المناهج الدراسية، لا سيما بعد التعديل والاختصار الذي طرأ على موضوع «الولاء والبراء» في الإسلام تجاه غير معتنقيه، في مقرر مادة التوحيد، وقّع في نهاية 2003 نحو 150 عالماً سعودياً، بينهم قضاة وأساتذة جامعة على وثيقة تحذر من تغيير المناهج التعليمية.

ثم نقل النقاش إلى دائرة الفتوى الشرعية، والتي يحرص كثير من السعوديين على البحث عنها وقبولها في أوقات الأزمات الاجتماعية، خاصة تلك الصادرة عن شخصيات ذات صبغة دينية وتتمتع بدعم شعبي، مثل الشيخ ابن جبرين الذي تعرض لقضية تغيير المناهج في إجابته عن سؤال حول مناهج التعليم في العالم الإسلامي، حيث قال «لا شك في صلاح النية، وحسن الأهداف عند تقرير المناهج التعليمية، في أغلب البلاد الإسلامية، ثم مع مرور الزمان، نشأ من يريد في الظاهر قصدًا حسنًا، والله أعلم بما يضمره، فاقترح تغيير المناهج القديمة، أو الاقتضاب من بعضها، وإضافة علوم أو مواد ثانوية، وفرض دراستها، مع قلة الحاجة إليها، أو عدم أهميتها أو اختصاصها ببعض الأفراد، فكان ذلك سببًا في عزوف كثير عن التعليم النظامي إما لصعوبته، أو لنفرة بعض النفوس عنه، أو لقلة الفائدة التي تعود إلى ذلك الطالب، وميل نفسه إلى علوم وأعمال أخرى، وكان الأولى أن يجعل لهؤلاء مدارس خصوصية، يقرر فيها دراسة العلوم الدنيوية الضرورية، والمواد الشرعية، ويعفى من ينتظم فيها عن علم الجبر والهندسة، واللغات، والفيزياء وشبهها، ثم ان هذه العلوم لا شك في أهميتها، ومسيس الحاجة إليها، ولكن ذلك في حق من يرغبها، ويجد من نفسه ميلا إلى التعلم والعمل معها».

وعلى المستوى الخليجي قدّم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وثيقة لإصلاح التعليم في منطقة الخليج في العام الماضي حين كان ولياً للعهد، والتي عقدت لأجلها ورشة عمل لمناقشة طرق تفعيلها، في يناير الماضي في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، حيث ناقش أحد المتحدثين فيها، الباحث إبراهيم علوي، في معرض ورقته «مادة التطوير: منهج التفكير». وقال إن المادة الموؤودة في مسرح التعليم هي تدريب الطلاب على منهج التفكير، التفكير في حل المسائل التي ترد في الامتحان «من خارج الكتاب»، وبعد ذلك التفكير في حل المهام التي تلقى عليه في العمل، وفوق ذلك في المشاكل التي تزدحم بها طرقات الحياة عموماً، والأهم من ذلك التفكير في التحديات التي تفترش درب التفوق الحضاري.

وذكرت المادة 206 من السياسة التعليمية للمملكة، بأن الدولة تعنى بالمناهج الدراسية باعتبارها وسيلة مهمة من وسائل التربية والتعليم، من جهة أخرى في المقابل نشرت وزارة التربية والتعليم في موقعها الإلكتروني أنها بنت «المشروع الشامل لتطوير مناهج التعليم بالمملكة» مستندا إلى سياسة التعليم الواضحة، ويهدف المشروع إلى إحداث نقلة نوعية في التعليم من خلال إجراء تعديل نوعي وجذري في المناهج.

ورأت الوزارة أن دوافع تطوير المناهج في المملكة متنوعة، فهناك باعث داخلي يكمن في أن المناهج كانت مناسبة لظروف اجتماعية سابقة، غير أن التطور السريع في المجتمع السعودي المعاصر في المستوى الثقافي والاقتصادي والتقني وأساليب الحياة اليومية يستدعي تغيراً موازياً، أما الدافع الخارجي لعملية التطوير فاستند الى ملاحقة التغييرات العلمية والتكنولوجية التي حدثت في العالم خلال العقدين الماضيين. في هذا السياق، ذكر وزير التربية والتعليم السابق الدكتور محمد الرشيد تحت قبة مقر مجلس الشورى أن هناك أخطاء في المناهج الدراسية بحاجة إلى تطوير وتعديل وتصحيح.

وقد تناولت المنتديات الإلكترونية قضية تغيير المناهج بشيء من الجد وأشياء من الهزل، حيث سخر أحد كتاب الإنترنت من أن كتاب التاريخ مكتوب فيه هذا المسجد الأقصى، وفوقه صورة مسجد الصخرة!، وفي منتدى آخر، سرد كاتب إنترنتي قصة رواها أحد أصدقائه، عندما قالت له ابنته الصغيرة: بابا، نحن نقرأ في المدرسة أن (أمي تغسل الملابس، وأمي تكنس المنزل، وأمي تطبخ)، لكن يا بابا، أمي لا تعمل هذه الأشياء، فالخادمة هي التي تعملها، فهل ما أقرأه في الكتاب خطأ ؟!! أم أن ما يحصل في بيتنا خطأ ؟!!.