الأردن.. الاختيارات الصعبة

يختار الكثير نظام التوجيهي من دون اقتناع إلا أن هناك آخرين يفضلونه

TT

على الرغم من أننا نتفاخر عادة بالخيارات العديدة التي باتت في متناول يدينا في ما يتعلق بكل شيء تقريبا يمس حياتنا، إلا اننا نكتشف ببعض الالم ثمن الاختيارات التي بات بوسعنا التمتع بها، ويظهر هذا الثمن جليا عندما نتطرق إلى الحديث عن التعليم. فالمدارس في الأردن، والتي تشبه مثيلاتها في أنحاء المعمورة، تقدم أنظمة عدة للتعليم الثانوي مثل الاختبارات الوطنية، والمعروفة باسم التوجيهي، بالاضافة إلى مقررات دولية أخرى مثل الشهادة الدولية للبكالورية (IB)، وشهادة الثقافة (الثانوية) البريطانية (GCE). وقد وضع النظام التوجيهي في اوائل الستينات، وهو برنامج لمدة سنتين ينقسم الى اربعة فصول دراسية. ويستطيع الطلاب الذين اكملوا عشر سنوات دراسية أن يلتحقوا بهذا البرنامج بحيث يمكنهم من الاختيار من عدة مجالات: العلمي والأدبي والشريعة والحرفي والفني ومجالات أخرى. ويدرس النظام التوجيهي في المدارس العامة ويوجد في معظم المدارس الخاصة مقابل رسم اختبار رمزي قيمته 25 درهما أردنيا، باستثناء رسوم المدرسة. وبينما يختار الكثير نظام التوجيهي من دون اقتناع، إلا أن هناك آخرين في المدارس العامة في الغالب يفضلون فعلا هذا الاختيار لأسباب عدة منها التمويل واللغة وعدم المعرفة بالمقررات الأخرى. ومع ذلك، ومع وجود أكثر من 14.5 في المائة يعيشون تحت حد الفقر، فالأمر لا يعد مفاجأة لاختيار الغالبية للنظام التوجيهي. وبرغم تأكيدات الحكومة أن ارتفاع النمو الاقتصادي قد ساعد في التخفيف من حدة الفقر في البلاد يقول الاقتصاديون المستقلون أن هناك استقطابا متزايدا بين الغنى والفقر في مجتمع به معدلات بطالة عالية. فأبو علاء، يناهز عمره الخمسين، وهو موظف سابق بالجيش ويعمل الآن كضابط أمن في إحدى الشركات الخاصة ويعول ستة أطفال في مراحل مختلة من التعليم، يقول ان التعليم بالنسبة له هو أكثر المنح التي يمكن أن يمنحها لأولاده بدون النظر إلى دخله المحدود. ويقول أبو علاء «أنا على استعداد أن أبيع ملابسي الداخلية كي أعلم أولادي، إذا دعتني الحاجة لذلك»، ويتابع «فلولا قصر الحاجة، لكنت ألحقت أولادي بالمدارس الخاصة حتى يلتحقوا بالمقررات الدولية للتعليم». ويضيف قائلا «دائما ما يذهب راتبي قبل أن أحصل على راتبي أول الشهر». وفي الوقت ذاته، يقول ولده علاء، الذي أنهى دراسته التوجيهية وهو الآن في العام الآخير من دارسته لعلوم التمريض في إحدى الجامعات العامة، إنه يود لو كان قد التحق بأحد المقررات الدولية للتعليم. فهو يواجه صعوبة في دراسته بالجامعة كونها باللغة الانجليزية، وفضلا عن اللغة الانجليزية، فالنظام التوجيهي يدرس باللغة العربية. ويوضح علاء قائلاً «في أحد الاختبارات بالجامعة كان ضمن الأسئلة سؤال من عشر درجات عن كيفية كتابة موضوع باللغة الانجليزية، وكان الموضوع صعباً، حتى قال لنا مدرسنا لاحقا إن هذا السؤال كان ضمن منهج الفصل التاسع في المدارس الخاصة. منذ تلك اللحظة أدركت أنه اذا كنت قد التحقت بأحد برامج التعليم الدولية لكان ساعدني في الدراسة الجامعية بشكل كبير، خاصة أن الدراسة هنا باللغة الانجليزية». واستطرد أبو علاء قائلا إن هذا هو أفضل السبل المتاحة لديه. فهو يتحدث عن أحد اصدقائه وعنده سبعة من الأطفال بعضهم أذكياء بالفعل. إلا أن رفيقه يفتقر إلى الظروف المادية التي تمكنه من الحاقهم جميعا في مدرسة يختارها هو بنفسه. ويشير أبو علاء إلى الطريقة التي يتم من خلالها دفع رسوم أطفاله وهي عن طريق تبرعات الآخرين من حوله. وحسب سبير كرعة، رئيس إحدى المدارس الثانوية الخاصة بالأردن، والتي تقدم مقررات النظام التوجيهي والـ (GCE) الثانوية البريطانية، يختار البعض النظام التوجيهي بالطبع لقلة التكاليف. حيث تبلغ تكلفة امتحانات الثانوية البريطانية حوالي 2000 درهم أردني فضلا عن رسوم الدخول بينما تبلغ مصاريف التوجيهي 20 درهما أردنيا فقط. وقد بدأ نظام الثانوية البريطاني في المملكة المتحدة 1951. ويرغب الطلاب في الالتحاق بنظام الـ ( GCE ) للاختيار من بين مواد من بينها اللغات والرياضيات والآداب والعلوم والعلوم الاجتماعية. وهو مقرر، مثل التوجيهي، لمدة سنتين ولكن بمصاريف أعلى بكثير من النظام التوجيهي. وليس معنى ذلك أن الناس ذوي الدخل المحدود هم الذين يؤثرون نظام التوجيهي. فلا يتحدث إياد عطا الله، البالغ من العمر العشرين ربيعا، والذي يعد نفسه لاجتياز اختبارات التوجيهي هذا العام في مدرسة حكومية بالأردن، عن العبء المالي للمقررات الدولية. فالنسبة له، فهو لم يفكر مطلقا في مقرارات أخرى غير نظام التوجيهي.

ويقول إياد «أولا، أنا لا أعلم شيئاً عن المقررات الأخرى لأن مدرستي لا تقدمها. ثانياً، أنا لا أجيد الانجليزية بالدرجة الكافية التي تمكني من متابعة المقررات الدولية باللغة الانجليزية. فنظام التوجيهي أسهل» ويأمل إياد في دراسة تصميم الرسومات بالحاسب الآلي في إحدى جامعات الأردن. وفي الوقت ذاته، فإن خالد رماحي، وهو أب لثلاثة أطفال في مراحل دراسية مختلفة يدرسون في إحدى المدارس الخاصة بالأردن، يتحدث عن تعليمهم وكيف أنه يرى في النظام التوجيهي النظام الأنسب بالنسبة لهم. ويتابع «أختلف أنا وزوجتي في هذه النقطة، فهي ترغب في أن يلتحقوا بالمقررات الدولية إلا أنني أرغب في الحاقهم والحصول على شهادة النظام التوجيهي. ويرجع ذلك لأنني أعلم أنهم سوف يتلقون تعليمهم في إحدى الجامعات الأردنية، كما أن نظام التوجيهي يتيح فرصا كثيرة لهم في ما يخص القبول بالجامعة محلياً». ومع ذلك، فليس من الضروري للذين يرغبون في الدراسة بإحدى الجامعات الأردنية أن ينتظموا في نظام التوجيهي. فهناك عدد لا بأس به من الطلاب في مدرسته يدرسون في الجامعات الأردنية بنتائج نظام الثانوية البريطانية (GCE)، كما يوضح رماحي ، فالبعض يفضلونها لأنها سوف تحسن من انجليزيتهم، ولأن بعض مواد التخصصات بالجامعة مثل الطب والهندسة تدرس باللغة الانجليزية».

أما سها فاشح، وهي منسقة مقررات الشهادة الدولية للبكالورية في إحدى المدارس الخاصة بالاردن والتي تمنح شهادة التوجيهي والشهادة الدولية للبكالورية والشهادة الثانوية البريطانية، فتبرز أيضا هذه النقطة. فهناك عدد من طلابها يقومون بالدراسة في الجامعات الأردنية إلا إنهم لا يزالون يؤثرون الالتحاق بمقررات الشهادة الدولية للبكالوريا. تقول سها «يريد بعض أولياء الأمور أن يروا المزيد من الانفتاح على العالم من خلال تعليم أولادهم في هذه الأيام. وكما يقول مديري، فإننا نرى في مدارسنا أننا في مركز العالم، وليس في الأردن فقط. حيث أنه لا بد للطلاب أن يكونوا جزءا من العالم المحيط حولهم». ومثلها مثل شهادة الثانوية البريطانية، فتكاليف الشهادة الدولية للبكالوريا تعتبر مكلفة بالقياس بشهادة التوجيهي. وفي هذه النقطة يجدر بنا أن نذكر أنه بالنسبة لذوي الدخول العالية الراغبين في الدراسة في الدول الأجنبية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ولبنان، فالأنظمة الدولية في التعليم تعتبر مناسبة لهم. وعلى سبيل المثال، فدينا حداد، البالغة من العمر 23 ربيعا، وهي موظفة موارد بشرية في إحدى الشركات الخاصة بالأردن، تشير إلى الأسباب العديدة التي جعلتها تؤثر الشهادة الدولية للبكالوريا، وكان من أهمها رغبتها في الدراسة بالخارج. وتقول «كنت أرغب في أن أتلقى تعليما عاليا في بريطانيا، ومع حصولي على شهادة البكالوريا الدولية فقد تمكنت من الالتحاق في السنة الأولى الجامعية بدون الاضطرار إلى الدخول في سنة التأسيس (تمهيدي)، كما هو الحال لو كنت قد التحقت بنظام التوجيهي».