مصر.. بين المدني والديني

المشكلة ليست في مبدأ التطوير بل في الالتباس

TT

منذ أكثر من عشرين عاماً لا حديث في مصر يعلو على حديث تطوير المناهج التعليمية، الأمر الذي استدعى عقد عشرات المؤتمرات; منها مؤتمر التأم العام الماضي تحت رعاية الرئيس المصري حسني مبارك لبحث هذا الموضوع. ورغم الاتفاق بين كافة أطياف المجتمع المصري على ضرورة مراجعة المناهج التعليمية ووضع مناهج جديدة تركز على الفهم أكثر من الحفظ والتلقين، فإن الحديث الأميركي عن ضرورة تطوير المناهج التعليمية في البلدان العربية أصاب جهات عديدة في مصر بمخاوف من أن يكون التطوير هو استجابة لطلبات أميركية تستهدف تذويب الهوية العربية الإسلامية لدى التلاميذ، وهو أمر يحرص كافة المسؤولين في مصر على نفيه، مؤكدين أن تطوير المناهج التعليمية عملية مستمرة بدأت منذ سنوات، وستستمر في المستقبل حتى تحقق أهدافها. وتبدو المشكلة الحقيقية في مصر في معالجة الالتباس الناجم عن التعدد غير المدروس في أشكال التعليم، فهناك التعليم المدني الحكومي والخاص، إضافة إلى التعليم الأجنبي على الطرق الأميركية والبريطانية والفرنسية، وفي حين تبدو الحكومة مصرة على استمرار خطوات تحديث مناهج التعليم المدني العام وفقاً للخطط الموضوعة يبدو التعليم الديني أو التابع للأزهر أكثر مقاومة للتغيير رغم أن هناك اتجاها لإعادة مراجعة التعليم الديني وإصدار تشريع جديد ينظمه.

شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي نفى نفياً قاطعاً وجود تدخلات خارجية لتغيير مناهج التعليم الديني، وقال: نحن لا نأخذ تعليمات من أحد. وأضاف «بمبادرة منا قمنا بتهذيب بعض المؤلفات والكتب وإضافة مواد جديدة لأن هذا شأن الحياة فلابد أن تتطور المناهج من سنة لأخرى»، مؤكداً وجود لجان متخصصة وموجهين من الأزهر يعملون على عملية مراجعة المناهج وتطويرها.

وفي خططها أيضاً لتطوير التعليم العالي، كشفت الحكومة المصرية عن مشروع جديد في هذا الشأن يستهدف دمج الأزهر مع التعليم العام لأول مرة لكن هذا الموضوع حظي برفض داخل البرلمان، خاصة من النواب الإسلاميين الذين أعلنوا تخوفهم من أن يؤدي هذا القانون مستقبلا إلى إنهاء التعليم الديني الأزهري وإلحاقه بعد ذلك بوزارة التعليم.

لكن أستاذ الفلسفة في جامعة الأزهر، الدكتور محمد إبراهيم الفيومي، أكد أن الأزهر مدرسة وسطية معتدلة، مشدداً على ضرورة تجريد الثقافة الإسلامية من الشوائب وآثار التعصب السياسي والمذهبي وإدخال مجالات الدين المقارن ضمن نطاق الدراسة في الأزهر. وقال «نعم للإصلاح، لكن يجب أن يكون الإصلاح داخلياً ويراعي الهوية والبيئة والإنسان». وإذا كان تطوير التعليم الديني هو الأكثر إثارة للجدل في مصر، فإن خطوات تطوير التعليم المدني تسير بخطى محسوبة ومدروسة، حيث أكد وزير التعليم المصري الدكتور أحمد جمال الدين لـ«الشرق الأوسط» أن عملية التطوير مستمرة على كافة المستويات، وأن العام الدراسي القادم سيشهد لمسات واضحة من التطوير الذي سيعود بالفائدة على الطلاب، مشيراً إلى أن الخبراء يعكفون على وضع الدراسات وتحديد المشكلات من خلال عدة ملفات لتطوير التعليم قبل الجامعي.

وأشار الوزير إلى أن نظام الثانوية العامة سيشهد تطويراً شاملاً، وإن كانت هناك ملفات مهمة جداً لتحسين العملية التعليمية ككل وليست الثانوية العامة هي كل شيء. وأوضح أن هناك تجارب ناجحة طبقت بالفعل وأدت إلى تحسين العملية التعليمية وتحقيق الجودة من خلال اتباع طرق تدريس غير تقليدية وتغيير الشكل التقليدي لحجرة الدراسة وتقليل كثافة الفصل والتعليم بالتقنيات الحديثة كجزء من العملية التعليمية ورفع مستوى الأداء للمعلمين وتفعيل متابعة أولياء الأمور ورقابة أعضاء مجالس الأمناء لسير العملية التعليمية.

وتابع أن التوسع في تطبيق برامج تطوير التعليم سيشمل محافظات القاهرة والمنيا والفيوم وبني سويف وقنا وأسوان والأقصر والشرقية والدقهلية وبقية المحافظات تباعاً، حيث التوسع في البرامج التعليمية غير النمطية التي تستهدف فئات خاصة من المتعلمين من الفتيات والفتيان في الأماكن المحرومة أو النائية مثل برامج مدارس الفصل الواحد ومدارس المجتمع والمدارس الصديقة للفتيات وغيرها من المبادرات المتميزة وغير النمطية وتأكيد وجوب قيام جهات الاختصاص المحلية بممارسة مسؤولياتها واختصاصاتها حسبما أوضحتها القواعد القانونية واللائحية، واعتبار المدرسة هي الوحدة الأساسية التي تختص بإدارة شؤونها بذاتها من خلال مجلس الأمناء وتنفيذ برنامج تدريبي واسع ومتميز وعملي للقيادات التعليمية لممارسة المسؤوليات وشجاعة اتخاذ القرارات التي تتطلبها اللامركزية واستكمال تشكيل مجالس التعليم بالمحافظات التي لم تشكل فيها بعد. وأكد الوزير أن الوزارة تسعى لجعل بيئة المدرسة المصرية قادرة على تنمية القدرات الابتكارية والإبداعية للتلاميذ والعمل على اكتشاف المواهب وصقل الملكات والمهارات الفردية والجماعية، وذلك من خلال عدة محاور هي تنظيم المسابقات المحلية والاشتراك في المسابقات الدولية الحافزة للموهبة والموهوبين وتحفيز ودعم الطلاب الموهوبين مادياً وأدبياً لضمان استمرارهم وتطوير المناهج والمواد التعليمية وإثراء محتوياتها بما يسهم في اكتشاف الموهبة وتنميتها وإعداد اختبارات وبطاقات ملاحظة ومتابعة اكتشاف الموهوبين وتقديم جوائز قيمة لكل معلم يكتشف موهوباً من بين تلاميذه ويقدم له الرعاية التعليمية المناسبة والاهتمام بالتميز الرياضي وإعداد برامج ابتدائية للموهوبين ودراسة مدى إمكانية إعادة تطبيق نظام التسريع للتلاميذ المتميزين أصحاب الكفاءة الاستثنائية.