عرب أميركا بعد أربع سنوات من الكارثة .. فوائد تجنى من رحم المعاناة

TT

اثناء الإعداد لكتابة هذا الموضوع عن تأثير هجمات سبتمبر على العرب الأميركيين والمقيمين الدائمين في الولايات المتحدة، خلال الأربع السنوات التي تلت الأحداث، كان التصور المسبق أن البحث سيطغى عليه الحديث عن التأثيرات السلبية والمعاناة التي مر بها عرب أميركا بسبب الأحداث وتداعياتها، ولكن اللقاءات والحوارات مع مهاجرين عاديين ومع قياديين في أوساط العرب الأميركيين حولت الانتباه إلى جوانب أخرى يمكن وصفها بالإيجابية، حيث أن هجمات سبتمبر على فداحتها، كانت كأي حدث تأريخي آخر له آثار سلبية من جهة، وفوائد جانبية على مستويات متعددة، طبقا للمثل العربي القائل «مصائب قوم عند قوم فوائد». ولإيضاح القصد من هذه العبارة يمكن الإشارة إلى أن الهجمات تمخضت عن إعلان حرب عالمية على الإرهاب، وقد فوجئ الأميركيون منذ الوهلة الأولى بأن مواجهة الإرهاب تحتاج لمتحدثين باللغة العربية، كأولوية أولى ثم لغة «البشتون» التى يتحدث بها الناس فى افغانستان وباكستان وأماكن اخرى، وتلي ذلك اللغة الفارسية التى يتحدث بها الايرانيون ضمن مجموعات عرقية اخرى. وإذا كنت مواطنا أميركيا وتجيد أيا من هذه اللغات الثلاث، فمعنى ذلك أن الأبواب أصبحت مفتوحة أمامك. وقد تصاعد الطلب على الناطقين بالعربية بالذات بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الولايات المتحدة، وأصبحت الهيئات الحكومية الأميركية تدفع بسخاء وتتنافس على استقطاب المتحدثين بالعربية للعمل في مكتب المباحث الفيدرالية والاستخبارات الأميركية ووزارة الأمن الداخلي والجيش الاميركي والبحرية وقوات المارينز، وغيرها من القطاعات. وبسبب عجز هذه الجهات وغيرها عن توفير ما تحتاجه من مترجمين ومعاونين يجيدون العربية فقد لجأت إلى الشركات الخاصة التي انتشرت بكثرة في الولايات المتحدة، الى نشر إعلاناتها في مختلف الصحف الكبرى والمحلية، وحتى صحف الجاليات في المدن المتباعدة. وللوقوف على جوانب أخرى جدت على حياة العرب الأميركيين التقت «الشرق الأوسط» بعدد من قيادات بارزة في الجالية العربية والإسلامية ومهاجرين بعيدين عن الأضواء سلطوا الضوء على تأثير تلك الأحداث في حياة العرب الأميركيين بشكل خاص، والمسلمين الاميركيين بوجه أعم. وكان أول محدثينا الإمام حسن القزويني، مرشد المركز الإسلامي الأميركي في ولاية «ميتشغان»، وهو أكبر مركز إسلامي في أميركا الشمالية تم بناؤه بعد أحداث سبتمبر، قال القزويني، إن التأثيرات السلبية لأحداث سبتمبر على الجالية الإسلامية وعلى الإسلام بشكل عام تتلخص في حدوث تراجع نسبي في الحريات المدنية في الولايات المتحدة، خصوصا ما يرتبط بالمسلمين، بسبب التنصت على مكالماتهم، وتفتيشهم في المطارات بدقة اكثر من بقية المسافرين وغير ذلك.

غير انه على الجانب الاخر، رأى الإمام القزويني أن الشعب الأميركي، وبسبب الفضول وحب الإطلاع تعرف على الإسلام. وقال «كثير من الأميركيين دفعتهم الأحداث للبحث في الدين الإسلامي وكشف حقيقته. أما الدكتور زهدي جاسر، رئيس المنتدى الإسلامي الأميركي في ولاية أريزونا، فقال لـ«الشرق الأوسط»، إن من إيجابيات أحداث سبتمبر أنها فرزت السيئين عن المسالمين، مشيرا إلى أن تشديد القوانين والإجراءات عاد بالفائدة على المهاجرين الجيدين وخلص الجاليات الإسلامية من العناصر المتشددة. وقد اتصلت «الشرق الأوسط» بالإعلامي العراقي نزار حيدر، مدير «مركز الإعلام العراقي» في واشنطن، حيث بدأ حديثه بذكر التأثيرات السلبية لاحداث سبتمبر، قائلا إن قوانين الولايات المتحدة أصبحت تشبه إلى حد كبير قوانين بلدان العالم الثالث من الناحية الأمنية أو في قوانين التجنس والإقامة، وفي بعض الأحيان خرجت بعض القوانين والممارسات عن مبادئ المساواة، التي عرفت بها أميركا، وظهر التمييز في بعض الأماكن بشكل واضح على أساس ديني أو عرقي. أما التأثير الإيجابي للحدث، ففي رأيه، كان دفع الرأي العام الأميركي إلى دراسة الفكر الذي أنتج أحداث سبتمبر، حيث بدأ التعرف جديا على الإسلام، على اعتبار أن الإسلام كان متهما كدين. ومن الجالية اليمنية في الولايات المتحدة، تحدث أحمد حسين بنما، مؤسس المركز اليمني الأميركي لمكافحة الإرهاب، الذي رأى أن المواجهة مع التطرف كانت قائمة بين العرب أنفسهم وأن أحداث سبتمبر كانت مفيدة للطرف المعتدل، وسخرت القوة الاميركية لمحاربة التطرف وهو أمر مفيد للعرب أنفسهم لو تمحصوا في الأمر. ويزعم البعض أن أعداد المهاجرين العرب تناقصت بعد الهجمات بسبب مغادرة الاف العرب للأراضى الاميركية، ولم تعلن أي إحصاءات حول الموضوع، الا انه من المستبعد أن تكون أعداد المهاجرين العرب قد تناقصت، لأن الأوضاع في البلدان المصدرة للمهاجرين لا تشجع على العودة بالمقارنة بالأوضاع في الولايات المتحدة، ولكن الشيء المؤكد أن أعداد القادمين الجدد لم تعد بنفس الكثافة التي كانت عليها قبل الهجمات، وذلك بسبب التشدد في الإجراءات. لقد دفعت هجمات سبتمبر وما تعرض له المسلمون، العديد من المسلمين الأميركيين للمشاركة في الحياة السياسية والتصويت في الانتخابات المحلية والعامة، وزادت هذه المشاركة بعد حرب العراق التي نظر إليها الكثير من المسلمين الأميركيين على أنها «غير ضرورية»، وبدون المشاركة السياسية فلن يستطيع العرب الأميركيين أن يعبروا عن ارائهم على المستوى القومى او يؤثروا في صنع القرار السياسي في المستقبل.