سجون سيئة السمعة

من «روبن» نيلسون مانديلا إلى «باستيل» فولتير.. ومن «كاتراز» آل كابون إلى «كوبر» إسماعيل الأزهري

TT

ربما سيأتي يوم يكون فيه سجن «غوانتانامو»، في القاعدة العسكرية الاميركية في كوبا، متحفا يزوره الناس، ويشاهدون السلاسل والقيود الحديدية المثبتة على الارض، وملابس السجن البرتقالية، وعصابات العيون وسدادات الاذن وكمامات الافواه. وربما سيأتي يوم يكون فيه سجن «ابو غريب» في العراق متحفا ايضا، وغيرهما من السجون التي اشتهرت بسبب قدمها والشخصيات التى سجنت فيها. وربما سيأتي ذلك اليوم لأن الناس يزورون الان سجن «روبن» الذي سجن فيه الزعيم الافريقي نيلسون مانديلا، كما يزورون متحف برج لندن (تاور اوف لندن)، الذي كان اقدم واشهر سجن سياسي في العالم. غير انه لم يكن سجنا في البداية، بل كان قصرا بناه، قبل الف سنة، الملك وليام الاول (يسمى ايضا، وليام الفاتح، ووليام النورماندي، لأنه كان اول ملك بعد سقوط لندن في ايدي الغزاة النورمانديين الفرنسيين)، لكن جزءا من البرج اصبح سجنا في ما بعد، ودخله مشاهير، وضع بعضهم في حفر عميقة تحت سطح الارض. فقد سجن فيه في 1297، وليام والاس الاسكوتلندي، لأنه قاد ثورة مسلحة ضد احتلال انجلترا لاسكوتلندا. وسجن فيه في عام 1465، الملك هنري السادس، بعد ان عزله الملك ادوارد الرابع. واعدم فيه، بعد ذلك بعشرين سنة، الاميران ادوارد وريتشارد، ابنا الملك ادوارد الرابع نفسه. وقطع فيه، في عام 1536، رأس الاميرة آن، الزوجة الثانية للملك هنري الثامن، لأنه اتهمها بالخيانة الزوجية. وقطع فيه، بعد ذلك بست سنوات، رأس الاميرة كاثرين، الزوجة الخامسة لنفس الملك، لنفس السبب. وقطع فيه، بعد ذلك بمائة سنة، رأس سير وولتر رالي، الذي اشترك في اكتشاف اميركا، لأنه قاد تمردا ضد الملك جيمس الاول. كما سجن فيه رودلف هيس، نائب ادولف هتلر، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية (اعيد الى نورمبيرغ، حيث حكم عليه بالسجن المؤبد)، وكان هيس آخر سجين سياسي يدخل برج لندن.

وبني سجن «روبن»، قبل اربعمائة سنة تقريبا، في جزيرة روبن، على مسافة عشرة كيلومترات من مدينة كيب تاون في جنوب افريقيا. وكان سجنا للقراصنة خلال رحلات اكتشاف البحارة الاوربيين لأفريقيا وآسيا. وعندما بدأ البريطانيون والهولنديون يتنازعون على حكم جنوب افريقيا، اصبح سجنا لكل من فقد السلطة. وعندما سيطر الهولنديون على جنوب افريقيا وأسسوا حكومة عنصرية بيضاء، اصبح سجنا للمعارضين السود. وتخرج منه، قبل خمس عشرة سنة، نيلسون مانديلا ليصبح رئيسا لأول حكومة للاغلبية السوداء هناك. وكان مانديلا قد قضى هناك اكثر من نصف فترة الثماني والعشرين سنة التي حكم بها عليه، وكتب في مذكراته، عن «الضوء الساطع الذي لا ينطفئ ليلا او نهارا في كل زنزانة».

وتنازع الاوروبيون، ايضا، على العالم الجديد، بعد ان اكتشفوه، وتركوا سجونا مشهورة، مثل سجن جزيرة «الكاتراز» داخل خليج سان فرانسيسكو (في ولاية كاليفورنيا). فقد سيطر الاسبان على الجزيرة في عام 1775، واطلقوا عليها اسما ذا أصول عربية، هو «القطراس»، لأن الجزيرة ظهرت لهم من بعيد وكأنها هو. وعندما هزمت الولايات المتحدة اسبانيا، وسيطرت على كاليفورنيا وولايات اخرى في الغرب، وضعت في الجزيرة معارضين، خاصة من الهنود الحمر، ووضعت فيه، في القرن العشرين، مجرمين مثل آل كابون، وروبرت ستراود، الذي كتب قصة «رجل طير الكاتراز»، التي اصبحت فيلما سينمائيا بطله بيرت لانكستر. وفي عام 1970، بعد تأسيس الولايات المتحدة بمائتي سنة تقريبا، هجم على السجن ثوار وطلاب من الهنود الحمر، وقالوا انه كان ملك اجدادهم، لكن الشرطة الاميركية اخرجتهم بعد فترة قصيرة.

سجن الشيطان

* وتركت منافسات الاوروبيين على العالم الجديد سجن جزيرة اخرى مشهور، هو «جزيرة الشيطان» (دفل آيلاند)، امام ساحل غيانا الفرنسية، بالقرب من غيانا الهولندية (سورنام) وغيانا البريطانية. وفي عام 1894، سجنت الحكومة الفرنسية الفرد دريفوس، الضابط اليهودي، بعد ان اتهمته بالتجسس لصالح عدوتها المانيا. وبعد خمس سنوات اطلقت سراحه بعد ان ثبتت براءته، واعتبر الحادث واحدا من علامات عداء الفرنسيين لليهود. لكن يوجد اشهر سجن جزيرة فرنسي في فرنسا نفسها، على مسافة ثلاثة كيلومترات من مارسيليا، في جزيرة «اف». وزادت شهرة السجن بسبب الكساندر دوما، القاص الفرنسي، الذي كتب قصة «كونت دي مونت كريستو»، وبطلها السجين السياسي ادموند دانتز. ويوجد سجن فرنسي اشهر من السابقين، هو قلعة «الباستيل» في باريس (كان قلعة عندما بني في القرن الرابع عشر). وهنا بدأت الثورة الفرنسية عندما هجم الفرنسيون على السجن، في 14-7-1789. ومن الذين سجنوا فيه فرانسوا مارى اروي دي فولتير، وماركيز دي ساد، ودكتور مانيت، والاخير سجين خيالي، اشتهر في رواية «قصة مدينتين» التي كتبها تشارلز ديكنز، القاص البريطاني.

لكن ما هو السجن السياسي؟ يقول جيمس دفسون، المتحدث باسم منظمة العفو الدولية (امنستي انترناشونال) لـ«الشرق الأوسط»، انهم لا يقدمون تعريفا للسجن السياسي لأن كثيرا من المعتقلين السياسيين يسجنون مع غيرهم. وقال ان «السجين السياسي هو الذي يسجن في ظروف سياسية واضحة. ويشمل ذلك نية العمل الذي قام به، او العمل نفسه، او نية الذين سجنوه». «المزة» و«كوبر»

* وقبل خمس سنوات، اعلنت الحكومة السورية اغلاق سجن «المزة» في دمشق، وقال الرئيس السوري بشار الاسد ان «المزة» سيصبح «معهد علوم تاريخية». لكن تقارير صحافية قالت ان هناك اضواء كهربائية وتحركات غريبة داخل السجن، ربما تدل على عدم اغلاقه نهائيا. وقد بنى الفرنسيون السجن عندما احتلوا سورية، وكان جزءا من ثكنات عسكرية. ومن اشهر الذين سجنوا فيه خلال سنوات حكم حزب البعث: صلاح جديد ونور الدين الاتاسي ومحمد الطويل وعيد عشماوي.

وفي السودان، بنى البريطانيون سجن «كوبر» (على اسم اداري بريطاني)، وسجنوا فيه اسماعيل الازهري لأنه عارض استعمارهم، لكنه اصبح، في عام 1954، اول رئيس وزراء سوداني. وبعد الاستعمار، اعدم فيه السودانيون بعضهم البعض وهم يتنازعون على الحكم: اعدم، في عام 1959، الفريق عبود مجموعة من العسكريين، بقيادة علي حامد، لأنهم حاولوا القيام بانقلاب عسكري. واعدم، في 1971، الفريق نميري مجموعة من العسكريين، بقيادة هاشم العطا، لأنهم فعلوا نفس الشيء، واعدم معهم عبد الخالق محجوب، امين الحزب الشيوعي. وفي لبنان، قبل سنتين، نقلت اخبار صحافية اضطرابات في سجن «رومية» في بيروت، وزار السجن القاضي عدنان عضوم، وسأله صحافي، عندما تفقد ثلاجات حفظ اللحوم داخل السجن، اذا كانت السلطات الصحية تفتش الثلاجات، قال: «هون ما في جنون بقر، هون في جنون بشر». ولا يعرف اذا كان في «رومية» سجناء سياسيون، لكن سمير جعجع، اشهر معتقل سياسي فى لبنان حتى اطلاق سراحه مؤخرا، كان معتقلا في مبنى الامن العام. ولم تعرف السجون الخاصة بالسياسيين في مصر إلا بعد ثورة يوليو (تموز) 1952، ورغم وجود البوليس السياسي في العهد الملكي، وهو المعني بالحفاظ على أمن الدولة، فإن عدد المعتقلين السياسيين لم يزد على العشرات، لعل أبرزهم الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي ألقي القبض عليه قبل الثورة لمشاركته في تأسيس ما عرف باسم «الحرس الحديدي»، الذي قام باغتيال عدد من معارضي الملك فاروق الأول في قضية حملت اسم «مقتل أمين عثمان». وسجل الرئيس السادات في سيرته الذاتية «البحث عن الذات»، إنه سجن في سجن الأجانب برفقة أعضاء التنظيم، حيث كون فرقة مسرحية وأنشأ إذاعة داخلية كان يديرها بنفسه، وأنه كان مسموحاً للسجناء السياسيين في ذلك الوقت بالخروج من السجن إلى منازلهم لقضاء بعض الوقت والعودة مرة أخرى. ويعد سجن الاستئناف السجن الوحيد بالقاهرة الذي تنفذ فيه أحكام الإعدام بالسياسيين وغيرهم، ويتم تنفيذ الأحكام في ساعة مبكرة من الصباح ويعرف سكان القاهرة الفاطمية المجاورة لسجن الاستئناف، أن سجيناً على وشك أن يفقد حياته عندما ترتفع راية سوداء فوق واجهة السجن، الذي شهد اللحظات الأخيرة من حياة سيد قطب وشكري مصطفى قائد تنظيم التكفير والهجرة ومحمد عبد السلام فرج ورفاقه من قادة تنظيم الجهاد، الذي اغتال السادات. وقبل أن ينتهي عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر شهدت مصر أشهر سجين سياسي عرفته، وهو الكاتب الصحافي الراحل مصطفى أمين الذي ألقي القبض عليه بتهمة التخابر لصالح الولايات المتحدة الأميركية، وصدر حكم بسجنه مدى الحياة، واستغل أمين فترة سجنه في كتابة عدد من أشهر كتبه، منها ذكرياته في السجن، التي أصدرها في سلسلة حملت عنوان «سنة أولى سجن» ثم «سنة ثانية سجن» وهكذا. ومن أشهر السجون الحديثة في مصر سجن الفيوم في منطقة «دمو»، وهي مكان صحراوي يبعد عن المدينة عشرين كيلومترا، وقد تم افتتاحه في مايو(ايار) 1995 ونقل إليه نزلاء سجن استقبال طرة ويبلغ عدد المساجين السياسيين به 4 آلاف. أما سجن وادي النطرون فقد أقيم عام 1994 على طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، ويبلغ عدد المعتقلين فيه حوالي 1620 معتقلا. فيما يقع سجن الوادي في الخارجة بصحراء مصر الغربية ويبعد عن القاهرة 630 كيلومتراً وتم افتتاحه عام 1995 ويضم 216 زنزانة. أما أشهر السجون القديمة التي يوجد بها معتقلون سياسيون فهي سجنا ابو زعبل ووادي النطرون. ويضم سجن أبي زعبل المنتمين لتنظيم الجهاد ومنهم 160 سجيناً من قضية طلائع الفتح الجناح العسكري للتنظيم.

* شارك فيه من القاهرة: محمد حمدي