صباح الخير .. سيهب عليكم إعصار

سميت بأسماء القديسين والسياسين «المكروهين» والنساء .. و«ريتا» تفسح الطريق لـ«ستانلي» و«تامي»

TT

يهب هذا الصباح اعصار «ريتا» على مدينتي غالفستون وهيوستن في جنوب ولاية تكساس المواجه لخليج المكسيك. ويتوقع ان تؤثر رياح وامواج «ريتا» على مدينة نيو اورليانز في ولاية لويزيانا المجاورة، التي اغرقها اعصار «كاترينا» قبل اسبوعين. ولم يحدث في تاريخ اميركا ان هب عليها اعصاران بهذه القوة (الدرجة الخامسة، بسرعة رياح تزيد عن مائتي كيلومتر في الساعة) خلال سنة واحدة، ناهيك من ان يهبا عليها خلال شهر واحد. لكن قبل مائة عام هب على ولاية تكساس إعصار بهذه القوة، واغرق مدينة غالفستون تماما، ويخشى ان يتكرر نفس الشيء هذه المرة. وغالفستون ليست تحت سطح البحر مثل نيو اورليانز، لكنها ترتفع عن سطح البحر بثلاثة امتار تقريبا، ولهذا ستصاب بخسائر اذا ارتفعت امواج «ريتا» الى خمسة امتار، كما يتوقع خبراء الارصاد. وقد حدث هذا السيناريو قبل مائة سنة وزادت الخسائر لأن غالفستون تقع على جزيرة تمتد الى داخل خليج المكسيك. وقتل عشرة آلاف شخص تقريبا، بعضهم غرق، وبعضهم دمرته قوة الامواج، وبعضهم تهدمت عليه منازل ومنشآت. ولم تجد فرق الانقاذ اماكن لدفن الجثث، فرمتها في البحر. ولكن الامواج اعادت كثيرا من الجثث فاضطرت فرق الإنقاذ لحرقها. ولأكثر من شهر، نصبت محارق على طول الساحل. ولهذا اعتبرت اكبر كارثة في تاريخ اميركا.

لكن إعصار «اندرو» يعتبر اكثر الاعاصير المدمرة خلال نصف القرن الماضي (حتى جاءت «كاترينا») فقد هب في 1992 وألحق خسائر زادت عن اربعين مليار دولار، ثم اعصار «شارلي» في السنة الماضية، وبلغت خسائره عشرين مليار دولار تقريبا، ثم اعصار «ايفان» في السنة الماضية ايضا، وبلغت خسائره خمسة عشر مليار دولار. لكن قوة الاعلام الاميركي، وتركيزه على اميركا، قللا من اهمية اعاصير هبت على دول فقيرة في البحر الكاريبي واميركا الوسطى. فقد قتلت الاعاصير، في سنة واحدة، عشرة آلاف شخص في جمهورية الدومنيكان. واربعة الآف في بورتوريكو، وثلاثة آلاف في كوبا، ومثلهم في بليز، والفين في كوبا.

ومر إعصار «كاترينا»، قبل ان يغرق نيو اورليانز، فوق كوبا، التي اخذت نصيبها من الدمار والقتل، لكن الاعلام الاميركي لم يركز على ذلك. وتكثر الاعاصير في الاجزاء الدافئة من المحيطات لأنها تتغذى من حرارة الماء الذي تمر فوقه. وتتجه غربا في المحيط الاطلسي وشرقا في المحيط الهادي، وشمالا في المحيط الهندي، مع اتجاه الرياح في كل منطقة. وتسمى «هيوريكين» في المحيط الاطلسي، و«تايفون» في المحيط الهادي، و«سايكلون» في المحيط الهندي. و«هيوريكين» اسم «إله الاعاصير» عند الهنود الحمر. و«سايكلون» كلمة اصلها اغريقي معناها رياح تدور حول نفسها. و«تايفون» اصلها كلمة «طوفان» العربية التي انتقلت الى اسبانيا والبرتغال واصبحت «توفاو»، واستعملها البرتغاليون عندما ابحروا الى الهند قبل اكثر من خمسمائة سنة. ويسمى الاعصار «تاينو» في جزيرة هايتي (في البحر الكاريبي)، ويعتقد ان اصل الاسم من تراث الديانات الافريقية التي احضرها الرقيق الى هناك، ويرمز الى «شيطان الغضب واللعنة». وقد أصبحت الاعاصير جزءا من تراث المنطقة وثقافتها، فقد عبد الهنود الحمر إلاهها «هيوريكين». واعتبرتها الصوامع الكاثوليكية الاسبانية لعنة إلهية بسبب ذنوب البشر. (بعض الاصوليين يقولون الان إن كاترينا لعنة إلهية بسبب الغزو الاميركي للعراق)، وكتب عنها عمالقة الادب الاميركي، مثل شارلز نوردوف الذي كتب قبل اكثر من خمسين سنة قصة «هيوريكين» وهو الذي كتب، في ذلك الوقت ايضا، قصة «تمرد على ظهر السفينة باونتي». واصبحت القصتان افلاما سينمائية وتلفزيونية.

لم تكن للأعاصير اسماء في ذلك الوقت، وسمي كل إعصار باسم المنطقة التي هب عليها، مثل «اعصار غالفستون» و«اعصار ميامي» او سمي باسم السنة، مثل «اعصار 1898». او سمي، خلال قرن كامل بعد اكتشاف الدنيا الجديدة، باسم قديسين وقديسيات، مثل «إعصار سنت لويس» و«إعصار سانتا ماريا». ثم بدا، قبل مائة سنة تقريبا، كلمنت وراغي، عالم المناخ الاسترالي، في تسمية الاعاصير بأسماء الناس، واختار اسماء سياسيين كان يكرههم، واسماء نساء كان يحبهن. وطورت القوات الاميركية المسلحة، خلال الحرب العالمية الثانية، تسمية الاعاصير حتى تقدر الاساطيل على متابعتها. وبعد نهاية الحرب بعشر سنوات تولت ادارة الطقس الفدرالية الموضوع ووضعت جدول اسماء حسب الحروف الابجدية. كانت الاسماء، في البداية، مؤنثة، وذلك لأن كلمة إعصار باللغة الانجليزية (هيوريكين) مؤنثة، مثلها مثل «سفينة».

وبعد عشر سنوات اخرى، مع مظاهرات الحقوق المدنية وحركات تحرير المرأة الاميركية، احتجت منظمات نسائية على ما اعتبرته احتقارا، واستغلالا لسمعة المرأة بأنها مؤذية، وتؤذي اكثر عندما تغضب. فاضطرت ادارة الطقس الفدرالية لادخال اسماء مذكرة. واصبح كل موسم أعاصير (مع قرب نهاية فصل الصيف) يبدأ بأول الحروف الابجدية، مؤنثا، ثم مذكرا، ثم مؤنثا، وهكذا دوليك. وكان اول اعصار هذا الموسم «ارلين» ثم «بروس» ثم «سندي» ثم «دينس» ثم «اميلي» ثم «"فرانكلين» ثم «غيرتود» ثم «هارفي» ثم «ايرين» ثم «هوزي» ثم «كاترينا» (التي اغرقت مدينة نيو اورليانز) وبعدها جاء «لي» ثم «ماريا» ثم «ناثيال» ثم «اوفيليا» ثم «فيليب» (لكنها كلها لم تكن قوية)، ثم جاءت «ريتا» التي هبت اليوم على ساحل تكساس، غاضبة ومزمجرة، وسيأتي بعدها «ستانلي» ثم «تامي». ويشطب اسم الاعصار من اللائحة حين يكون قاتلا ومدمرا، وهذا ما انطبق على الاعصار اندرو الذي ضرب جنوب الولايات المتحدة في اغسطس (آب) 1992 مخلفا 23 قتيلا وخسائر بقيمة 21 مليار دولار. كذلك طلبت هوندوراس شطب الاعصار ميتش من اللائحة لانه كان الاشد تدميرا في تاريخ البلاد، اذ خلف 5657 قتيلا و8058 مفقودا عام 1998.

ولاقى اعصارا تشارلي وايفان اللذان ضربا فلوريدا وكوبا بين اغسطس وسبتمبر (ايلول) 2004 المصير نفسه.

وعادة ما تستبدل الاسماء الملغاة بأخرى من النوع نفسه تبدأ بالحرف ذاته.

ولا تحمل العواصف الاستوائية اسماء الا اذا راوحت قوتها بين 8 و11 درجة على مقياس بوفورت، اي ما بين 62 و117 كلم في الساعة.