مذنبون وضحايا

في الذكرى العاشرة لنهاية حرب البوسنة .. كيف كان تأثير المقاتلين العرب؟

TT

جذبت الحرب التي اندلعت في البوسنة يوم 6 ابريل 1992 وانتهت رسميا بتوقيع اتفاقية «دايتون» للسلام يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 1995 (قريبا تحل الذكرى العاشرة له)، الكثير من المقاتلين العرب وغير العرب ممن قاتلوا في صفوف جميع الجهات المشاركة في الحرب من البوشناق المسلمين والصرب الآرثوذوكس والكروات الكاثوليك. لكن الاضواء سلطت بشكل مباشر على المقاتلين العرب الذين قاتلوا إلى جانب الجيش البوسني، ويقدرون بنحو 5 آلاف شخص. وقد نصت اتفاقية «دايتون» على إخراجهم من البوسنة وهو ما تم بالفعل ولم يبق منهم داخل البلاد سوى عدد قليل لم يسلم من الانتقادات والاتهامات، لا سيما بعد تورط بعض الأفراد في جرائم منها القتل والتفجير والسرقة، الأمر الذي ألقى بظلاله على الوجود العربي المتواضع في البوسنة بتركيبته المتنوعة، مثل عمال الاغاثة والاطباء والطلبة ورجال الاعمال وغيرهم حيث ينظر للعرب بعين واحدة غالبا سلبية.

«الشرق الاوسط» تنظر في تأثير المقاتلين العرب في البوسنة على الحياة الاجتماعية والسياسية بعد عشر سنوات على الاتفاق، كما تستطلع آراء بعض المقاتلين العرب حول الانتقادات التي توجه لهم والحال الذي يعيشونه الان. اولا لا بد من ذكر ان المقاتلين العرب ادوا دورا كبيرا في القتال الذي خاضه الجيش البوسني ضد عدوين في وقت واحد لا سيما في سنوات 1993 و 1994 و 1995 مع فارق كبير في التسليح، إذ كان مستوى التسلح لدى الصرب والكروات يفوق بكثير مستوى التسلح لدى البوشناق المسلمين. وساهمت جهود المقاتلين العرب في تحرير مساحات شاسعة في وسط وشمال غربي البوسنة لا سيما خلال عامي 1994 و 1995 حيث طرد الصرب من «بيهاتش» و«سانسكي موست» و«غورني فاكوف» و«دوني فاكوف»، وهي أقاليم شاسعة وليست مجرد مناطق، وكاد معقل صرب البوسنة حاليا في «نيالوكا» يسقط في أيدي الجيش البوسني لولا اتفاقية «دايتون» التي أوقفت زحف الجيش البوسني. غير ان سنوات الحرب لم تخل من بعض الصدامات بين المقاتلين العرب وبعض البوسنيين المسلمين الذين تعودوا على نمط الحياة الاوروبية بسبب انتماء البوسنة الى اوروبا. وقد ظهرت خصوصا عندما حاول بعض المقاتلين العرب تغيير النمط السائد، اذ ان بعض الجرحى في المستشفيات منعوا من سماع الموسيقى كما حدث في «زينتسا»، وحطم بعضهم محتويات بعض المقاهي، الأمر الذي لم يستوعبه البوسنيون. كما انتقد البعض المظاهر التي جاءت مع المقاتلين العرب ومن ضمنها تعدد الزوجات، وبعض انواع العنف والجريمة. غير ان المقاتلين العرب، في المقابل، استطاعوا كسب الكثير من الناس وأصبح لهم مقلدون من الشباب البوسني، ففي الشارع البوسني كثيرا ما يصادفك شباب بلحى طويلة وسراويل قصيرة ومسواك في الجيب، يقوم بعضهم بربطه بخيط ليتدلى على صدره باعتزاز، كما يمكنك أن تلاحظ انتشار النقاب لدى الفتيات والنساء فضلا عن الحجاب، وذلك لم يكن موجودا في البوسنة من قبل. وبعد توقيع اتفاقية «دايتون» عمل المقاتلون العرب في عدة مجالات منها الاغاثة والتجارة، وانشأوا مراكز ثقافية سرعان ما تم اغلاقها سواء لضعف الموارد أو ازدياد حدة المخاوف من تأثيرهم حيث كانوا يجذبون إليهم الشباب. وقد أدى مقتل ستة من قادة المقاتلين العرب بعد «دايتون» في كمين على يد الكروات الى إضعاف قوة المقاتلين العرب لكنهم استمروا في العمل. وكان لقرية «بوتشينا» في وسط البوسنة دور مهم في عمل المقاتلين العرب سابقا، فقد حولوا القرية إلى نموذج لطريقة الحياة التي يفضلونها، فأسسوا ورش النجارة وتربية المواشي وتنظيم الدورات الثقافية والعمل التجاري في الاسواق، إلا أن الضغوط التي مورست على الحكومة البوسنية لتفريقهم اتت تأثيرها، اذ تم تسليم عدد منهم إلى مصر وفرنسا بسبب اتهامات لهم بممارسة الارهاب. وطلب من قائد المقاتلين العرب في البوسنة عبد القادر المختاري (المكنّى: أبو المعالي الجزائري) بمغادرة البوسنة، وكان يطلب من بعضهم مغادرة سراييفو كلما قدم زائر كبير لا سيما من الولايات المتحدة الاميركية. وقد شكلت تفجيرات نيويورك ووواشنطن، وبعدها مدريد ولندن والحرب على العراق منعرجا خطيرا في حياة من تبقى من المقاتلين العرب في البوسنة وغيرهم من العرب حيث أصبحت تهم الارهاب بل جرائم الحرب تحاصرهم من كل جانب، خاصة أن بعض المقاتلين سابقا اتهموا بارتكاب بعض الجرائم مثل تفجير سيارة في موستار البوسنية سنة 1997، واتهم تونسي بقتل مصري لأسباب فكرية، إضافة لقتل 3 كروات في ترافنيك بوسط البوسنة اتهم العرب بقتلهم. كما يقضي عراقي حكما بالسجن لمدة خمس سنوات بعد اتهامه بالضلوع في الجريمة وارتكاب جرائم حرب وهو ما يصر على نفيه، وهو بذلك أول عربي يحاكم بتهمة ارتكاب جرائم حرب في البوسنة. كما تم نقل 6 جزائريين إلى غوانتانامو بعد 11 سبتمبر (ايلول) بتهمة تهديد السفارتين الاميركية والبريطانية في سراييفو، رغم تبرئة القضاء لهم والحكم باطلاق سراحهم. وقد طلب حلف شمال الاطلسي من القضاء البوسني مراجعة ملف 700 من العرب الحاصلين على الجنسية البوسنية وسحب الجنسية ممن حصلوا عليها بسبب عملهم في الجيش البوسني أثناء الحرب. وقالت صحيفة «فيتشرني ليست» الكرواتية التي أوردت النبأ أن «حلف شمال الاطلسي يريد بهذه الخطوة التقليل من مخاطر عمليات إرهابية تقوم بها القاعدة وغيرها من المنظمات الراديكالية الاسلامية التي تعمل على نشر مبادئها بين الشباب في المنطقة». وذكرت أنه «كان في البوسنة أثناء الحرب الآلاف من المجاهدين الذين ينتمون لعدة دول اسلامية منها السعودية ومصر وسورية وتركيا والجزائر وأفغانستان وايران والسودان». وأشارت إلى أن «هناك مسلمين أوروبيين ومحليين أصبحوا مجاهدين بسبب الحرب». وأثارت هذه الانباء الكثير من القلق لدى العرب الحاصلين على الجنسية البوسنية ولا سيما الذين حصلوا عليها لمشاركتهم في الحرب إلى جانب البوشناق، أو الذين حصلوا على الجنسية لزواجهم من بوسنيات. وبسبب هذه الملاحقات وغيرها التي اضرت صور كل العرب في البوسنة، سواء كانوا متطرفين ام لا، يشتكي «ج ج» وهو احد العرب في البوسنة لـ«الشرق الاوسط» قائلا «نحن نخضع لارهاب إعلامي رهيب، البعض يعيش في خوف بدون أن يرتكب محظورا يذكر». فيما قال «عيسى ز»: «لم يرتكب العرب أي شيء يمكن أن يجعل الاطراف الاخرى تشعر بالانزعاج أو عدم الشعور بالامن». وعن أسباب هذه المخاوف قال «الخوف غير مبرر، الناس (يقصد العرب) يريدون العيش في سلام. علاقاتهم جيدة مع الجيران ومع كل الاطراف. ما الداعي لكل هذه المخاوف، نحن نشعر بوجود نية للعدوان علينا بدون أي أسباب وجيهة». وذكر «عمار س» أن «بعض العرب وبسبب هذه الادعاءات قطعوا علاقاتهم مع الآخرين» وعندما اتصلت به وهو صديق عزيز علي قال لي:«لا تتصل بي لم أعد أثق بأي أحد».