الدولة المنسية

لا يعترف بها أحد.. تعيش على الإعانات الدولية.. ولا تعرف حكومتها عدد السكان.. إنها جمهورية أرض الصومال

TT

جمهورية ارض الصومال تستحق ان يطلق عليها «الجمهورية المنسية»، فهي منذ اعلنت استقلالها عن الصومال في 18 مايو (ايار) 1991، بعد الانقلاب الذي اطاح الحكومة المركزية بزعامة محمد سياد بري، لم يعترف بها من الدول سوى اثيوبيا، كما انه لا يوجد بها اي استثمارات اجنبية، او مكاتب رعاية مصالح لاي دولة. وليس لها مصادر يعتد بها للدخل القومي، الامر الذي يجعلها تعيش، وللمفارقة، على المعونات المقدمة من الامم المتحدة والهيئات التابعة لها، والمنظمات الانسانية حول العالم. وهي بلد لا تعرف حكومته عدد سكانه، لأنه لم يجر اي تعداد للسكان منذ انفصالها، الا ان المسؤولين يقدرون عدد السكان بين مليونين الى ثلاثة ونصف مليون نسمة. غير ان جمهورية ارض الصومال (التي انفصلت بسبب الوضع البائس الذي عاشه شمال الصومال منذ الستينات)، تتميز عن الصومال بأنها تتمتع بالاستقرار والأمنذ استقلت 1991، ولم تقع في هوة النزاعات القبلية كما وقعت مقديشيو.

وفي هذه الجمهورية المنسية جرت انتخابات رئاسية وبرلمانية تعددية، اكثرها اثارة الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس الحالي ظاهر ريال كاهين زعيم «حزب اتحاد الديموقراطيين»، بفارق 80 صوتا فقط عن منافسه احمد محمد سيلانيو من حزب «التضأمن» 2003، اما آخرها فكانت الانتخابات البرلمانية التعددية التي جرت أمس. فكيف استطاعت جمهورية شمال الصومال ان تحيا رغم كل هذه الظروف؟ وكيف تدير شؤونها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟

تقع جمهورية ارض الصومال في الجزء الشمالي الغربي من الصومال على الحدود مع اثيوبيا وجيبوتي. وكان هذا الإقليم خاضعا للاحتلال البريطاني حتى 1960. وعشية استقلال جنوب الصومال عن إيطاليا، كون الإقليمان الصوماليان اللذان كانا تحت الاحتلال البريطاني والإيطالي ما عرف بجمهورية الصومال في 1 يوليو (تموز) 1960. وفيما نال الصومال الفرنسي استقلاله عام 1977 تحت اسم جمهورية جيبوتي الحالي، بقي الجزءان الآخران اللذين ألحقهما البريطانيون باثيوبيا وكينيا ضمن أراضي هاتين الدولتين. وهكذا ظلت الصومال دولة موحدة بشمالها وجنوبها منذ 1960 وحتى 1991، عندما تم الاعلان عن ميلاد جمهورية ارض الصومال، عاصمتها هرجيسا، في مايو (أيار) من ذلك العام، اي بعد ثلاثة أشهر فقط من انهيار الحكم المركزي في الصومال. وكانت جبهة الحركة الوطنية الصومالية (اس ان ام)، التي تأسست في اثيوبيا منتصف الثمانينات، هي التي قادت حرب العصابات ضد القوات الحكومية في شمال البلاد، لكنها لم تتمكن من إخراج القوات الحكومية من المنطقة لنحو 6 سنوات من الحرب، واستخدم الجيش الصومالي كل الأساليب الحربية ـ بما فيها القصف بالطائرات الحربية ـ لقمع المعارضة المسلحة في الشمال التي كانت تقودها الحركة الوطنية الصومالية التي كان ينتمي أغلب أفرادها الى قبيلة «اسحاق» كبرى القبائل الصومالية الساكنة في المنطقة.

وقد أدى نشوء جبهات قبلية أهمها المؤتمر الصومالي الموحد «يو اس سي» المعارضة لنظام الجنرال محمد سياد بري في المناطق الوسطى من البلاد، كذلك في العاصمة مقديشيو، الى إضعاف القوات الحكومية في المناطق النائية، الأمر الذي أدى الى تمكن ميليشيات الحركة الوطنية الصومالية من دخول المدن الكبيرة في الشمال مثل «هرجيسا» مركز الإقليم و«برعو»، الى أن اضطر الرئيس الصومالي الراحل الجنرال محمد سياد بري للهرب من العاصمة مع وحدة صغيرة من حرسه الخاص في 26 يناير (كانون الثاني) 1991. وفي هذا الوقت كانت القوات الحكومية في الشمال قد أخلت مواقعها تحت ضربات عناصر الميليشيات التابعة للحركة الوطنية الصومالية.

وفي الثأمن عشر من مايو، عقدت الحركة الوطنية الصومالية مؤتمرا قبائليا في مدينة «برعو» في الإقليم بمشاركة ممثلي القبائل والعشائر في المنطقة وقادة الحركة، وتم الإعلان عن انفصال منطقة شمال الصومال (5 محافظات من أصل 18 محافظة يتكون منها الصومال كله)، عن بقية البلاد تحت اسم «جمهورية أرض الصومال»، وانتخب في المؤتمر عبد الرحمن احمد علي (رحل العام الماضي)، رئيسا لها، وتم تشكيل حكومة، كذلك انتخاب برلمان يتكون من مجلسين، مجلس الوكلاء ومجلس الأعيان. وكانت مسوغات انفصال الشمال، أن الحكومات السابقة في ظل الوحدة مارست انواعا من الظلم على الشمال واستأثرت بالثروة والسلطة.

وقد أثار الإعلان عن تأسيس جمهورية أرض الصومال جدلا كبيرا في داخل الصومال، واقليميا ودوليا، وسط مخاوف من تفكك بعض دول المنطقة التي تعيش حالة حرب اهلية مماثلة للحالة الصومالية، لكن قادة الحركة الوطنية الصومالية، اصروا على الانفصال، فيما اعتبرت بعض الأطراف السياسية الصومالية المسألة بأنها مجرد «ورقة ضغط سياسية» للتفاوض مع الفصائل التي سيطرت على العاصمة مقديشيو للحصول على حصة أكبر في السلطة الجديدة التي بدأت تتشكل في الصومال، إلا أن الحرب الأهلية التي اجتاحت جنوب الصومال عقب سقوط حكومة سياد بري، ثم التدخل الدولي الذي قادته الولايات المتحدة في الصومال، ادى الى نسيان مسألة انفصال المناطق الشمالية، وظل التركيز قائما على الجنوب الذي يمثل الثقل السكاني والسياسي والاقتصادي في الصومال.

وقد بذلت أرض الصومال مساعي كبيرة لدى دول الجوار، كذلك المنظمات الإقليمية لمنحها الاعتراف، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل. غير ان العملية السياسية في جمهورية شمال الصومال تسير قدما، فقد اقرت الجمهورية نظاما سياسيا تعدديا، وتجري فيها الانتخابات بشكل دوري. وإجمالا يحق لنحو 800 الف صومالي التصويت لانتخاب المرشحين الى مجلس الوكلاء (البرلمان)، لكن هناك مناطق عدة لا تجري فيها الانتخابات بسبب النزاع مع الأقاليم الصومالية الأخرى، ومنها منطقتا «سول» و«سناج»، التي يدعي كل من أرض الصومال و«أرض بونت» تبعيتها لها.

وعلى الصعيد الميداني، فإن أرض الصومال حققت استقرارا سياسيا كبيرا بالمقارنة مع دولة الصومال التي يرأسها حاليا الرئيس عبد الله يوسف أحمد. ومع أن المنطقة ذات موارد محدودة جدا، فإنها أيضا اجتذبت قدرا من الاستثمار المحلي، وان لم تدخله بعد الاستثمارات الاجنبية. وتعتمد الجمهورية حاليا على معونات منظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الأخرى التي تساعدها في مجال التعليم والتنمية، كذلك العائدات التي يوفرها ميناء «بربرا» على خليج عدن. وتستخدم اثيوبيا هذا الميناء في استقبال بعض وارداتها من الخارج بعد ان اصبحت دولة مقفلة ليس لها منفذ بحري منذ الحرب الاريترية الاثيوبية عام 1998، مما يساهم ايضا في مساعدة ارض الصومال.

* ثلاث «دول» خارج فردوس الأمم المتحدة

* تايوان :

جمهورية «الصين ـ تايوان»، كما تعرف اليوم رسميا، كانت الكيان السياسي الصيني الذي تعترف به معظم الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة إبان الحرب الباردة. ولقد صوتت الأمم المتحدة يوم 25 اكتوبر (تشرين الأول) 1971 على طرد تايوان من عضويتها وتسليم مقعدها إلى الصين الشعبية الشيوعية. وبسبب الواقع العام اضطرت سلطات تايوان لتغيير الاسم الرسمي السابق «الصين الوطنية» إلى اسمها الحالي. وتايوان، أو فورموزا جزيرة تبلغ مساحتها 35 الفا و563 كلم مربع، وعدد سكانها أكثر من 22 مليون و500 ألف نسمة، وهي تقع في مضيق الصين إلى الجنوب من اليابان والشمال من الفلبين.

* جمهورية شمال قبرص: أعلنت جمهورية شمال قبرص بعد اجتياح القوات التركية للجزء الشمالي من الجزيرة عام 1974، ولا تعترف بها دوليا سوى انقرة. ويقدر عدد سكان هذه «الجمهورية» الصغيرة التي يرفض المجتمع الدولي الاعتراف بها بحوالي 200 الف نسمة، ولقد هيمن على سياستها لفترة طويلة رؤوف دنكطاش الذي تقاعد قبل فترة قصيرة من الزعامة الفعلية. هذا، ومنذ استفتاء ابريل (نيسان) 2004 حول هذه الخطة، والقبارصة الاتراك يخوضون حملة لدى الأسرة الدولية من أجل رفع العقوبات المفروضة على منطقتهم بدون التوصل الى نتائج تذكر.

* جمهورية أرض الصومال: جمهورية «أرض الصومال» هي في واقع الأمر، الجزء الذي كان خاضعا للاستعمار البريطاني قبل الاستقلال من جمهورية الصومال المستقلة 1960. يسكن «دولة أرض الصومال» اليوم نحو 3 ملايين نسمة، وكان زعماؤه قد استغلوا الفوضى والحرب الأهلية التي نشبت في الجنوب عام 1991 بعد سقوط نظام الجنرال محمد سياد بري لإعلان الاستقلال من جانب واحد. وفي الفترة الأخيرة نشط زعماء «أرض الصومال» ونظموا لرئيسهم ظاهر ريالي كاهين أول جولة الى اوروبا لكسب الدعم لإعلان دولة مستقلة في تصعيد لحملتهم لنيل الاعتراف.