كيف تطورت الأعلام الوطنية؟

الخلافات الأخيرة في العراق وموزمبيق حول شكل العلم الوطني تعيد طرح السؤال

TT

خلال الاسابيع الماضية ظهرت خلافات في العراق حول شكل العلم الوطني العراقي، كما ظهرت خلافات حول شكل العلم الموزمبيقي، وقبل ذلك ظهرت خلافات في اكثر من بلد حول الاعلام، كما اجرت بلاد استفتاءات شعبية من اجل تغيير اعلامها. فكيف يتم اختيار شكل العلم الوطني، وما هي دلالة الالوان والرسوم المختلفة في الاعلام، ولماذا تغير بعض الدول اعلامها ؟

يعود ظهور الرايات والاعلام إلى العصور القديمة، فقد ظهرت الرايات مع التطور الذي طرأ على حياة الانسان الاجتماعية، فكان لكل قبيلة علمها الذي يعرف به موقع القائد في الحروب، وكان القائد الحربي منذ ما يزيد عن 5 آلاف سنة هو من يتولى حمل الراية أو العلم، ليكون مركزا لتجمع فرسانه من حوله، والتنقل في ساحات المعارك، وعند الهجوم والانسحاب، فإذا قتل أو أصيب حمل من اتفق على خلافته الراية، حتى لا تسقط وتضيع بوصلة مقاتليه. وكانت بعض القبائل والدول لها علمان أبيض وأسود، فإذا كان الجيش منتصرا يعود وهو يرفع الراية البيضاء، وإذا انكسر يعود رافعا الراية السوداء وهو ما عرفه الروم والفرس مثلا. الا ان المفاهيم تغيرت في العصر الحديث حيث أصبحت الراية البيضاء، التي تشير للنصر في السابق، رمزا للاستسلام الان. وليست الدول هي وحدها التي تتمتع بعلم يحدد هويتها. ففي كثير من الحالات يكون لكل محافظة أو ولاية أو إمارة علم مختلف عن العلم الوطني أو القومي، بل إن الفرق الرياضية ككرة القدم مثلا اتخذت اشكالا وأعلاما لا تختلف كثيرا عن الاعلام التي كانت القبيلة المحاربة ترفعها في ساحات القتال. وقد طورت كافة الدول المعاصرة أعلاما، فلم تعد ألوانا للتمايز، بل رموزا للوطن والسيادة الوطنية، وتجسيدا للذكريات التاريخية البارزة، والعقائد الدينية والسياسية. وتختلف الالوان وعددها في مدلولها من دولة إلى أخرى، فالالوان الثلاثة (الابيض والازرق والاحمر) في العلم الفرنسي تشير إلى شعارات الثورة الفرنسية «الحرية» و«الاخاء» و«المساواة»، اما الالوان في العلم الايطالي (الابيض والاخضر والاحمر) فترمز للفضائل الثلاثة «الايمان» و«الامل» و«الاحسان»، والتي اختارها الشاعر الايطالي الشهير دانتي كأكثر الفضائل أهمية. ورغم تشابه العلم الفرنسي (الوان العلم الفرنسى هي بالترتيب الاحمر والابيض والازرق وهي موضوعة بالطول) والهولندي (الوانه الاحمر والابيض والازرق ايضا، غير انها موضوعة بالعرض) إلا أن لكل منهما دلالته المختلفة جدا عن الآخر، فالعلم الهولندي مأخوذ من أسرة أورونج، التي قادت حركة الاستقلال، وهو ما يرمز إليه اللون الاحمر في العلم. فيما الوان العلم الفرنسي كما اوضحنا مأخوذة من شعارات الثورة الفرنسية. ولا يخلو العلم الهندي (برتقالي وابيض واخضر موضوعة بالعرض، وداخل اللون الابيض كرة صغيرة من الابيض والاسود) من رموز بوذية وإشارات إلى عدد ساعات اليوم وهي 24 ساعة. وفي بنغلاديش اعتمد العلم الحالي عام 1972 بعد الانفصال عن باكستان. وهو عبارة عن مربع اخضر كبير تتوسطه دائرة حمراء. ويشير الاخضر إلى خصوبة الارض والزراعة وارتباط البلاد بالعالم الاسلامي، ويشير القرص الاحمر إلى الدماء التي سفكت لنيل الاستقلال وإلى الصراع في سبيل الحرية. فيما يحمل العلم الاميركي تاريخ قيام الدولة، فالاشرطة الثلاثة عشر تشير إلى عدد الولايات التي شكلت الاتحاد في البداية، وثارت ضد التاج البريطاني، بينما تمثل النجوم الواحدة والخمسون عدد الولايات المتحدة اليوم. وإذا انتقلنا إلى كوبا نجد ان العلم الذي تم اقراره عام 1850 فيه اللون الازرق الذي يرمز للمحافظات، والابيض ويرمز للنقاوة والمثالية، والاحمر ويرمز للمساواة والاخوة والحرية والدماء التي سالت من أجل الاستقلال، والنجمة البيضاء للحرية. وفي البلاد العربية نجد العلم السعودي بلونه الاخضر وبكلمة التوحيد المكتوبة عليه. وتشير كلمة التوحيد إلى علة خلق الانسان، والسيف يرمز للقصاص «ولكم في القصاص حياة»، ولوحدة المملكة، اما اللون الاخضر فيرمز للخير. اما مصر فقد عرفت عدة نماذج من الاعلام من بينها العلم القديم بهلاله ونجومه الثلاث، رامزا الى العلاقة بين الدين (الهلال) والحكم الملكي انذاك (النجوم). اما العلم الحالي، فيشير اللون الاحمر فيه إلى الثورة وإلى تضحيات الشعب وكفاحه، ويشير الابيض إلى المستقبل، ويشير الاسود إلى العهود الماضية، أما النسر فيقال إنه يرمز لنسر المشرق. وقد تنشب خلافات في بعض الدول على شكل العلم، مثلما جرى أخيرا في موزمبيق أو العراق، فقد قال بعض منتقدي العلم العراقي ان اللون الاصفر في العلم الجديد يرمز إلى «الجفاف والمرض والموت»، اما علم العراق الذي نص عليه قانون 1959 فيرمز فيه اللون الاسود لكل من راية الرسول صلى الله عليه وسلم، والاخضر لراية العلويين، والابيض لراية العرب في الشام. واللون الاحمر لثورة 14 تموز 1958 والاصفر لراية صلاح الدين الايوبي. وفي ليبيا تم تغيير العلم بعد الثورة سنة 1969، ومن أسباب ذلك أن العلم الليبي كان يشير للتاج الملكي، ويعد العلم الليبي من الاعلام القليلة في العالم التي تحمل لونا واحدا هو الاخضر وهو يرمز الى السلم. وفي العلم السوداني يشار للاسلام والسلام باللون الابيض، والاحمر للثورة الشعبية والكفاح لنيل الاستقلال وإلى دم الاحرار الذي أريق على مذبح الحرية، فيما يرمز اللون الاخضر للزراعة والازدهار، والاسود إلى اسم البلاد. أما العلم الاريتري الذي تم اقراره 1993 وهو عبارة عن الوان الاحمر والاخضر والازرق مع سنابل صفراء فيرمز فيه الاخضر للنماء والخصب، والاحمر للحرية ودماء الشهداء، والازرق للثروة المعدنية والسنابل الصفراء ترمز للخير. وليس كل الاعلام الوطنية تضعها السلطات الرسمية، بل هناك دول قامت بإجراء مسابقات لاختيار العلم الوطني. ومن بين هذه الدول دولة الامارات العربية المتحدة، فقد تم اختيار نموذج من بين 1030 تصميما شارك فيها المواطنون. والوان العلم وهي الاخضر والابيض والاسود بالعرض واللون الاحمر بالطول، ترمز الى الوحدة بعد توحيد الجزر الاماراتية 1971. وايضا عندما فكرت نيوزيلندا في تغيير علمها قامت بجمع مئات الآلاف من التواقيع لتغيير العلم الذي كان يحمل أحد رسوم العلم البريطاني طيلة 150 عاما. ولا تتمثل الاختلافات في تفسير الرموز فقط، أو رمزية الالوان فحسب، بل تتعداها إلى أهمية العلم، وما إذا كان مقدسا، وعلاقة ذلك بالدين والعقيدة، أو السياسة والعلاقات الدولية. وقد أثار مقتل شاب يوناني على يد جندي تركي قبل بضع سنوات الكثير من الجدل، فالجندي التركي تعلم أن العلم مقدس، ويجب الدفاع عنه ولو باطلاق النار. وأنه رمز وطني وأن تعظيمه يرسخ الوطنية، وهو ما فهمه الكثيرون ممن يحرقون أعلام الاعداء، ويدوسونها بأقدامهم، وكأنهم يدوسون شيئا مقدسا لدى الاعداء يمكن أن يغيظهم. ومن المضحكات أن بعض الناس يقومون بخياطة أعلام الاعداء، ويدفعون الغالي والنفيس في ذلك لا لشيء سوى حرقها، وكأنهم بذلك يحرقون أكباد الخصوم. وكان تعليق مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الاميركية السابقة على مقتل الشاب اليوناني الذي اهان العلم التركي أن «العلم مجرد خرقة أو قطعة من قماش». وقد تتغير أشكال الأعلام من حقبة زمنية الى اخرى، فعلم البوسنة تغير قبل بضع سنوات، وكان العلم السابق يحمل شعار زهرة الزنبق. ولم يتفق الصرب والكروات والبوشناق على شكل العلم الجديد ما اضطر المبعوث الدولي لوضع العلم الحالي عام 1992 وهو مزيح من الازرق والاصفر والنجوم. ومن العجيب أن كل فريق فسر العلم الجديد بطريقته، فالصرب والكروات قالوا إن اللونين الازرق والاصفر إذا تم خلطهما يصبحان لونا أخضر، وهو اللون الذي يرمز للاسلام أو يرمز به بعض المسلمين للاسلام، لا سيما أن علم المشيخة الاسلامية في البوسنة أخضر يتوسطه هلال ونجمة. أما البوشناق فقد ذكروا أن اللون الاصفر يرمز للكاثوليك والازرق للصرب، والنجمة مثلثة الاضلاع للصرب والاخرى التي تحتوي على ضلعين فقط إلى الكروات. ولا شك أن واضع العلم قصد شيئا آخر، فالنجوم ترمز للاتحاد الاوروبي، واللونان يرمزان ربما للتعدد الثقافي، سواء تم الدمج بين الالوان أو بقيت على حالها.