بندقية لكل 12 شخصا في العالم

TT

تحكي قصة فيلم «أمير الحروب» للممثل الاميركي الشهير نيكولاس كيدج والذي يعرض في دور السينما الاميركية حاليا قصة تاجر سلاح يرتقي الى قمة المهنة ليواجه وخز الضمير لدوره في قتل الآلاف حول العالم بالاسلحة التي يبيعها. لكن قرار ترك المهنة المربحة صعب للغاية، لانها حياة مليئة بالاشخاص الذين لا يريدونك ان تترك إمارة تجارة السلاح في العالم. وخلال مقدمة الفيلم، ترد بين الارقام ان هناك بندقية لكل 12 شخصا على وجه الارض. ويتحدث بطل الفيلم في احدى لقطاته عن دور تجار السلاح في وصول الاسلحة الى كافة مناطق العالم قائلا «اننا نعطي افقر ناس في العام الوسيلة ليستمروا في قتل انفسهم». وبحسب «شبكة التحرك الدولي بخصوص الأسلحة الصغيرة» ومقرها لندن فإن هذه الأسلحة الصغيرة المصنعة في دول غربية بالدرجة الاولى قد قتلت ما يُقدر بمليونين من الأطفال منذ عام 1990، والكثير منهم في افقر مناطق أفريقيا، إضافة إلى أن حوالي 1.5 مليون شخص تتم إصابتهم بواسطة الأسلحة الصغيرة سنويا.

والمفارقة انه مع ازدياد الاضطراب وعدم الشعور بالأمن في العالم بدءا من النجف والفلوجة في العراق وحتى نيوأورليانز في اميركا التي يغيب عنها القانون بعد اعصار كاترينا، يستمر تدفق المزيد من الأسلحة الصغيرة، والتجهيزات العسكرية ذات التقنية العالية إلى أكثر المناطق حساسية وتمزقا في العالم. وقد توصلت هيئة البحوث بالكونغرس، وهي الهيئة الاميركية المعنية بالبيانات الحديثة والاحصاءات في آخر تقرير لها إلى أن مبيعات الأسلحة في العالم قد ارتفعت إلى 37 مليار دولار في عام 2004، وهو أعلى مستوى تصل إليه مبيعات الأسلحة منذ عام 2000.

وقالت الهيئة انه في الفترة من 2001 إلى 2004 جاءت الصين في المركز الأول كأكبر مشترٍ بين الدول النامية للاسلحة في ما يتعلق بقيمة اتفاقيات نقل الأسلحة، حيث وصلت قيمة هذه الاتفاقيات إلى 10.4 مليار دولار. وجاءت الهند في المركز الثاني بما قيمته 7.9 مليار دولار، بينما جاءت مصر في المركز الثالث بقيمة 6.5 مليار دولار. وفي عام 2004 اشترت الهند اسلحة بقيمة 5.7 مليار دولار، بينما اشترت الصين اسلحة بقيمة 2.2 مليار دولار.

اما المصدرون الاساسيون للاسلحة في العالم فهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا.

وقد سجلت عقود مبيعات الأسلحة من الشركات الأميركية مثل «لوكهيد مارتن» و«بوينغ» 12.4 مليار دولار، وهو ما يزيد عن ثلث إجمالي مبيعات الأسلحة في العالم، كما يزيد عن ضعف ما باعته روسيا، ثاني أكبر مُصدّر في العالم. وتشارك وزارات الخارجية والتجارة والدفاع الاميركية رسميا وبشكل قانوني في جوانب عديدة من رخص الموافقة واللوجستيات الإدارية لصفقات السلاح، وفي كثير من الأحيان تقديم القروض أو منح التمويل للدول عند سعيها للحصول على أسلحة من الشركات الأميركية.

وقد أُعلنت هذه النتائج المنشورة في التقرير السنوي لـ«نقل الأسلحة التقليدية إلى الدول النامية» على خلفية الحرب الاميركية على الإرهاب، حيث تقوم العديد من الدول في هذه الحرب بزيادة إنفاقها العسكري مع ازدياد الاضطرابات وعدم الأمن وتحت ضغوط من واشنطن. وقد جاءت هذه النتائج أيضا في أعقاب الاستخدام المتفشي وغير المسؤول للأسلحة في منطقة الجنوب الشرقي التي دمرها إعصار كاترينا، وهو ما أعاق تسليم المساعدات، ورفع من حالة التوتر، وأدى إلى المزيد من الألم والمعاناة في قلب الولايات المتحدة نفسها.

وفي العقد الأخير قامت الولايات المتحدة ببيع ما قيمته 177.5 مليار دولار في شكل أسلحة إلى الدول الأجنبية. وفي عام 2003، وهو آخر عام أتيحت فيه بيانات كاملة، قام البنتاغون ووزارة الخارجية بتسليم أسلحة أو قاما بالترخيص بتسليم أسلحة بقيمة 5.7 مليار دولار إلى دول تستطيع بالكاد تحمل أسلحة متقدمة، وهي دول تنتمي إلى العالم الثالث ومثقلة بالديون وتكافح ضد الفقر والايدز والامراض المستوطنة، مثل نيجيريا.

ورغم أن الولايات المتحدة لديها عدد من أقوى القوانين العالمية المنظمة لتجارة الأسلحة، فإن حوالي نصف هذه الأسلحة قد ذهبت إلى دول موبوءة بالصراع المستمر وتحكمها أنظمة غير ديمقراطية، ولديها سجلات سيئة في ما يتعلق بحقوق الإنسان. ففي عام 2003 ذهبت أسلحة بقيمة 2.7 مليار دولار إلى حكومات اعتبرها تقرير حقوق الإنسان الخاص بوزارة الخارجية الأميركية غير ديمقراطية. وقد قامت الولايات المتحدة بنقل أسلحة إلى 18 دولة من بين 25 دولة متورطة في صراعات فعلية في عام 2003، وهو آخر عام تتوفر فيه معلومات البنتاغون بشكل كامل.

ومثلت قيمة اتفاقيات نقل الأسلحة مع الدول النامية نسبة 62.7 بالمائة من الاتفاقيات على مستوى العالم. ومؤخرا مثلت اتفاقيات نقل الأسلحة مع الدول النامية 57.3 بالمائة من مجمل هذه الاتفاقيات على مستوى العالم في الفترة من 2001 إلى 2004، و58.9 بالمائة من هذه الاتفاقيات في عام 2004.

وقد وصلت قيمة إجمالي اتفاقيات نقل الأسلحة إلى الدول النامية في عام 2004 إلى حوالي 21.8 مليار دولار، ومثلت هذه زيادة ضخمة عن عام 2003، كما مثلت أعلى إجمالي حقيقي منذ عام 2000. وفي عام 2004 وصلت قيمة مجمل ما تم تسليمه من الأسلحة إلى الدول النامية حوالي 22.5 مليار دولار، وهو أعلى إجمالي لقيمة عمليات تسليم الأسلحة منذ عام 2000.

وفي عام 2004 أيضا جاءت الولايات المتحدة في المركز الأول في قيمة عمليات تسليم الأسلحة إلى الدول النامية بما قيمته 9.6 مليار دولار، أو ما يمثل 42.6 بالمائة من إجمالي كل عمليات التسليم هذه. وجاءت روسيا أيضا في المركز الثاني بما قيمته 4.5 مليار دولار، أو ما يمثل 20 بالمائة من إجمالي عمليات التسليم. كما جاءت فرنسا في المركز الثالث بما قيمته 4.2 مليار دولار أو 18.7 بالمائة من عمليات تسليم الأسلحة.

غير ان «كيميست كومالو» وهو المنسق الوطني لـ«حملة وقف إطلاق النار» وهي حملة تحارب انتشار السلاح في الدول الفقيرة ومقرها جوهانسبرج، قال إنه لا يمكن إلقاء كل اللوم خارج حدود الدول الفقيرة وخصوصا في قارة أفريقيا في ما يتعلق بأزمة الأسلحة فهناك دول نامية تتاجر في السلاح ايضا. وأضاف ان دولا افريقية تقوم ببيع الاسلحة أيضا من الباطن. وأوضح «إن جنوب أفريقيا ومصر هما أكبر موردي الأسلحة في أفريقيا. فجنوب أفريقيا ـ وهي مورد أكبر من مصر ـ تقوم ببيع الأسلحة حتى احيانا إلى بريطانيا والولايات المتحدة». يذكر ان هناك مجهودات دولية تحاول الحد من انتشار الاسلحة. فالأمم المتحدة توصي بألا يتجاوز إنفاق الدول على الدفاع 1.7 بالمائة من الإنتاج القومي، غير أن «حملة وقف إطلاق النار» تقول إنه حتى هذه النسبة تُعتبر كبيرة للغاية. ويعلق كومالو قائلا «إننا نريد أن تذهب هذه الأموال إلى الخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والتنمية وإيجاد فرص العمل ومنع الجريمة والحد من الفقر»، واذا كان كيدج في الفيلم فشل في ترك التجارة الرابحة، فهل يستطيع التجار الحقيقيون ان يتركوها.