زيناوي.. بين نارين

انتفاضة المعارضة في أديس آبابا والتهديد الإريتري بالحرب على الحدود

TT

لا أحد يحسد رئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي على موقعه اليوم، وهو على رأس ثاني اكبر دولة في افريقيا بعدد سكانها الـ77 مليوناً. فهو يواجه امتحاناً جديداً في البقاء على رأس السلطة، التي تسلمها قبل 14 سنة، عقب اطاحته نظام الجنرال منغيستو هايلي مريام في 1991. فمنذ الاول من الشهر الجاري، يواجه زيناوي «انتفاضة المعارضة»، التي سقط فيها اكثر من 42 قتيلا حتى الآن، في صدامات بين الشرطة وانصار المعارضة، الذين يتهمون الحكومة بالتلاعب في نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو (ايار) الماضي، وفاز فيها إئتلاف «الجبهة الديمقراطية لشعوب اثيوبيا» الحاكم بزعامته. وكانت جولة اولى من الصدامات حصلت في 8 يونيو (حزيران) الماضي، للاسباب نفسها، وقتل فيها اكثر من 40 شخصا واعتقل ما يزيد عن خمسة آلاف آخرين.

وفي الوقت نفسه تقريباً، تحركت جارته اريتريا، لتدق ناقوس الحرب مجدداً مهددة باستئناف الحرب على الحدود (استمرت عامين وتوقفت في عام 2000)، إذا لم تنفذ اثيوبيا ترسيم الحدود بمقتضى نتائج اتفاق سلام في عام 2002، قبلته اريتريا بالكامل ورفضته اديس ابابا. إذاً.. شبح حرب جديدة على الحدود مع اريتريا تلوح في الافق الاثيوبي، بعدما راح ضحية الحرب الحدوية الاولى (1998 ـ 2000) اكثر من 80 الف قتيل، فيما تتواصل «انتفاضة المعارضة» في الداخل، التي يؤيد مطالبها مراقبو الاتحاد الاوروبي، الذين وصفوا الانتخابات بأنها «مخالفة للمعايير الدولية اللازمة لاجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة». واكدوا في تقرير وضعته مديرة بعثة الاتحاد الاوروبي آنا غوميز أنه «جرى التوصل الى هذا التقييم، بسبب التلاعب في النتيجة، خلال عملية فرز الاصوات عقب ظهور مؤشرات الى انتصار المعارضة بفارق واسع على الحزب الحاكم». لكن زيناوي يرى في تحرك المعارضة، خصوصاً «الإئتلاف من اجل الوحدة والديمقراطية»، بزعامة هايلو شاول مؤامرة تستهدف زعزعة استقرار البلاد. ويعتبر ان المفوضية الوطنية للانتخابات تلقت الطعون والشكاوى في الانتخابات، واتخذت الاجراءات القانونية بهذا الشأن، وأعلنت النتيجة استناداً الى ذلك، الامر الذي لا يستدعي أي تحرك في الشارع. وفي هذه الاجواء اصدرت الحكومة قراراً بمنع التظاهر، الذي انتهكته المعارضة وتسببت بالصدام الاول في الثامن من يونيو (حزيران) الماضي، والثاني المستمر منذ الاول من الشهر الجاري. واعتقلت السلطات قادة المعارضة، بمن فيهم شاول وعمدة اديس ابابا المنتخب برهانو نجا وهايلو ارايا ومسفن ولدماريام وجيتاشو منغيستو وتامرات جوليلات. زيناوي لم يكتف بالاعتقالات، بل اعلن اول من أمس ان زعماء المعارضة المعتقلين ستوجه اليهم اتهامات بالخيانة. وقال إن مثيري الشغب هاجموا ما يقرب من مائة حافلة وحطموا نوافذها وأضرموا النيران في نحو عشر منها. وزاد «زعماء حزب الائتلاف من أجل الوحدة والديمقراطية منخرطون في عصيان مسلح.. هذه خيانة بموجب القانون الاثيوبي. ستوجه اليهم اتهامات وسيقدمون للمحاكمة.. وفي حال ادانتهم ستفصل المحكمة في ما اذا كان سيحكم عليهم بالاعدام، أم ستكتفي بأحكام بالسجن». واعتبر أن «الأسوأ قد مضى.. شوهت أعمال العنف صورة اثيوبيا.. ولكن في ما يتعلق بعملية التحول الديمقراطي.. فلا أعتقد أنه كان لها أثر على البلاد».

الانباء الواردة من اديس ابابا لا تشير الى ان «الأسوأ قد مضى»، بل يتفق مراقبون لتطورات اعمال العنف في العاصمة الاثيوبية على ان عوامل عدة تراكمت، صار من الصعب معها تجاوز المعارضة التي تنامت خلال الـ14 سنة الماضية. وربما كانت الحرب التي خاضها على الحدود مع اريتريا، من بين العوامل الرئيسية لتنامي المعارضة التي قاطعت جولتين من الانتخابات العامة، الى ان قوي عودها فقررت المشاركة بالانتخابات الاخيرة التي جرت في مايو الماضي، وفازت فيها بكل مقاعد العاصمة اديس ابابا الـ 23 باعتراف الحزب الحاكم.

ويشير مراقبون الى ان المعارضة كانت قد بدأت منذ موافقة زيناوي على منح اريتريا حق تقرير المصير والانفصال عن اثيوبيا بعد اطاحة نظام منغيستو في عام 1991، وزاد على ذلك موجة انتقادات واسعة لغياب الديمقراطية واقتصار التنمية على اقليم التغراي، الذي ينتمي اليه. وجاءت الحرب فرصة لزيناوي كي يؤكد اثيوبيته، وفي الوقت نفسه حولت اهتمامات الناس الى الحدود بدلاً من التركيز على المشاكل الداخلية. لكن الحرب التي قضت على التنمية في البلاد، لاكثر من عامين تسببت في انتقادات جديدة وحادة لزيناوي، خصوصاً بعد توقيع اتفاق السلام الاثيوبي ـ الاريتري في الجزائر عام 2000 الذي نص على وقف الحرب و«ترسيم نهائي والزامي» لحدود البلدين من قبل لجنة مستقلة نفذت مهمتها في 2002، بعدما تعهد البلدان مسبقاً باحترام قراراتها. واعلنت اللجنة في نهاية حكمها تبعية الاراضي المتنازع عليها، التي كانت سبب الحرب، الى اريتريا التي وافقت مباشرة على الحكم، فيما اضطر زيناوي الى رفضه مجبرا كي لا يواجه مزيداً من انتقادات المعارضة التي اتهمته اولاً بالتنازل عن اريتريا والموافقة على انفصالها، ثم خوض حرب لم ينتصر فيها أي من الطرفين، وبعد ذلك التعهد للجنة الدولية بالموافقة على قرار ترسيم الحدود، الذي جاء لمصلحة اريتريا. زيناوي نفسه متفاءل كعادته بالتغلب على مشكلتي الحدود مع اريتريا والتعامل مع المعارضة الداخلية، وغادر البلاد اول من أمس في رحلة مقررة مسبقاً الى المانيا، في مؤشر الى انتهاء «الاسوأ» بحسب تعبيره، في حين ترى المعارضة واسمرة غير ذلك. فترة الاشهر القليلة المقبلة ستبين ما إذا كان تفاؤل زيناوي في محله.