فتش عن «الأخوات»

الأخوات المسلمات حشدن الناخبات المصريات برسائل قصيرة على الجوال وناقشن المرشحات عبر الإنترنت

TT

«فتش عن المرأة»، هكذا نصح الراغبون في فهم ابعاد نجاح جماعة الاخوان المسلمين المصرية حتى الان في حصد العشرات من مقاعد البرلمان المصري خلال الانتخابات التشريعية التي ما زالت تنتظر اجراء دورتها الثلاثة. والمقصود بالعبارة هو «فتش عن تأثير الاخوات المسلمات» في حشد اصوات النساء للتصويت للاخوان المسلمين في الانتخابات. فكيف استطاعت جماعة الاخوان المسلمين حشد «الاخوات» و«غير الاخوات» خلال الانتخابات الحالية، وهل نشاط «الاخوات» سياسيا شيء جديد على الساحة السياسية المصرية؟

الاعتماد على النساء ككتلة تصويتية ليس غريبا في الانتخابات في مصر، فقد استخدم الحزب الوطني الحاكم هذا الاسلوب منذ عدة سنوات، حتى أصبح مشهد الحافلات التي «تحشر» فيها النساء الفقيرات وغير المتعلمات الى اللجان الانتخابية مألوفاً خاصة في الريف المصري. كما ان الاخوان المسلمين لهم تاريخ طويل في الاعتماد على دعم «الاخوات» في التنظيم عندما تقتضي الحاجة. فهناك قسم يسمي «قسم الأخوات» كان مؤسس الاخوان المسلمين الامام حسن البنا قد انشأه في الأربعينات وتولت مسؤوليته زينب الغزالي، لكن دور هذا القسم لم يتبلور الا بعدما زج بالاخوان في السجون في أعوام 1954 و 1965 حيث قامت الأخوات برعاية أسر سجناء الإخوان عبر استغلال صعوبة ملاحقتهن وتعقب اثارهن للتوجه الى بيوت المسجونين لاعطاء ذويهم مساعدات مالية وعينية. وطوال العقود الثلاثة الماضية لم ينشط قسم الاخوات على المسرح السياسي بسبب التضييقات على العمل السياسي في مصر، غير انه في التسعينيات جرى تفعيل العمل بقسم «الأخوات» بهدف استثمار تغير المناخ السياسي في مصر، حيث حرص الاخوان على تقديم وجوه نسائية تحظى بالاحترام وتقدم نموذجا للمرأة «المسلمة الواعية سياسيا والفاعلة في المجتمع»، لكن اللافت أن مكتب الارشاد بأعضائه الستة عشر ظل خلا من أي مشاركة نسائية حتى الآن، بل ان المسؤول عن «قسم الأخوات» بالجماعة مازال رجلاً يقوم بتنظيم عمل اللجان المركزية للمرأة في المحافظات المختلفة، والتي يتم عن طريقها اختيار النساء اللاتي يمثلن جماعة الاخوان في المؤتمرات والندوات العامة والاعلام. لكن جيهان الحلفاوي مرشحة الإخوان في الانتخابات البرلمانية السابقة ترى أنه لا يوجد قيود على انضمام سيدات مكتب الارشاد، وتعزو عدم حدوث ذلك عملياً إلى أن أعضاء المكتب معرضون دائماً للضغوط والممارسات العنيفة، معتبرة أن الحزب الحاكم ينظر الى مسألة حصول سيدة من الجماعة على مقعد برلماني باعتباره خطاً أحمراً لأن حدوثه سوف يغير الكثير من الأفكار عن نظرة الجماعة للمرأة. وفي إطار محاولة الاخوان لتغيير صورتهم بشأن نظرتهم «التقليدية» للمرأة قاموا بتقديم الدكتورة جيهان الحلفاوي في الانتخابات البرلمانية عام 2000. ثم الدكتورة مكارم الديري في الانتخابات الحالية. وتؤكد مكارم الديري أن الاخوات المسلمات كن حريصات على حشد الناس للمشاركة في الانتخابات، وأن حرصهن على حض النساء شمل المسيحيات قبل المسلمات حتى لا تتهم النساء بالسلبية. والغريب ـ كما تقول الدكتورة مكارم ـ أن معظم نساء الاخوان لا يملكن بطاقات انتخابية بسبب صعوبات يواجهنها من قبل الجهات الإدارية عند استخراج البطاقات لهن. لهذا فان القول بأن مرشحي الاخوان نجحوا بأصوات النساء او انهن مثلن جزءا أساسيا من القاعدة التصويتية للاخوان ليس صحيحا فقد حصلت ـ والكلام مازال لمكارم الديري ـ على أكثر من اثني عشر الف صوتا منهم خمسمائة صوتا فقط من نساء الاخوان. اما جيهان الحلفاوي مرشحة الاخوان في الاسكندرية في الانتخابات البرلمانية عام 2000 فترجع سبب اعتقاد المراقبين بمسالة حشد الاخوان للنساء في الانتخابات الى أن مظهر المرأة الملتزمة بالحجاب يجعلها ملفتة للانظار، مشيرة الى ان استخدام الجماعة الاساليب الحديثة في الدعاية الانتخابية حيث لكل دائرة موقع الكترونى، فضلا عن التواصل مع القاعدة العريضة من خلال توزيع البيانات والاتصال الشخصي ولقاء الناس في المؤتمرات والندوات، جعل النساء يلعبن دورا لا يمكن اغفاله. وتوضح الحلفاوي، وهي زوجة القطب الاخواني ابراهيم الزعفراني، أن التصاعد الذي لاحظه الجميع لدور السيدات خلال الانتخابات الحالية جاء متزامناً مع تصاعد حركة المجتمع المدني خلال الفترة الماضية بسبب مساعي الاصلاح والتغيير. من جانبها، تعزو الدكتورة منال ابو الحسن عضو اللجنة الاسلامية العالمية للمرأة والطفل بالمجلس الاسلامي العالمي للدعوة، احتشاد نساء الإخوان في الانتخابات الجارية الى كون المرأة لا تتحرك بمفردها، مؤكدة أن كل شيء منظم ومحسوب داخل جماعة الاخوان، التي لم يصل أحد الى مستوى تنظيمها «ولا حتى الامريكان!». وتضيف «النساء اللائي صوتن لمرشحي الاخوان لسن من الأخوات فقط ولكن ممن نطلق عليهن (المحبات) ممن لا ينتمين للجماعة لكنهن مؤيدات لها». وعن الاساليب التي تتبعها الجماعة لحشد الاصوات والأدوات التي استخدمتها خلال هذه الانتخابات، تقول الدكتورة منال وهي في الوقت نفسه المستشارة الاعلامية للدكتورة مكارم الديري «انا كأكاديمية حاولت تطبيق عناصر الاتصال الحديثة باستثناء الاذاعة والتلفزيون نظرا لتضييق الدولة علينا، ركزت على الوسائل الالكترونية مثل الانترنت حيث قمنا بعمل مؤتمرات من خلال برنامج الـ«بال توك»، ولغير مستخدميه وصلنا اليهم من خلال الأبناء عن طريق رسائل المحمول الـ«اس ام اس»، كما ذهبنا الى المولات، مراكز التسوق الكبيرة، في مصر الجديدة ومدينة نصر، واستخدمنا العرائس التي قامت بشرح فكرة المشاركة السياسية، وعمل دعاية غير مباشرة للجماعة». أما الدكتورة هالة مصطفى رئيسة تحرير «مجلة الديمقراطية» فترى أن هناك أكثر من جانب لعملية حشد سيدات الاخوان خلال هذه الانتخابات، وتقول إن الجماعة استفادت من التجارب الماضية وتحاول التواؤم مع الخطاب الدولي والديمقراطي بشكل عام. وتابعت «أعتقد أن الاخوان لهم موقف براجماتي أكثر منه إيديولوجيا، وهذا النوع من التواؤم مثل اعلان مبدأ الديمقراطية والمشاركة لم يجر وفق مراجعات لأفكار الجماعة، لكنهم يحاولون تقديم أنفسهم في صورة مختلفة وبالأخص لتصديرها للخارج كرسالة عن أنفسهم أكثر من أي شيء آخر». وترصد الدكتورة مصطفى وجود تناقض في عملية الحشد النسائي داخل الجماعة للاستفادة من الكتلة التصويتية للنساء، وتقول «إن ذلك ليس قائماً على قناعات بقدر ما هو قائم على العلاقات والصلات العائلية، وصلات القرابة»، موضحة ان دليل ذلك هو عدم وجود كوادر حقيقية من السيدات داخل الجماعة، بالاضافة إلى أن الجماعة لم ترشح أكثر من سيدة واحدة خلال هذه الانتخابات، والانتخابات الماضية. فيما ترى نهاد أبو القمصان مدير المركز المصري لحقوق المرأة أن الاخوان لديهم ميزة عن باقي التيارات الأخرى في الحشد عبر استخدام الشعار الديني الذي يخاطب المواطنين سواء من الرجال أو النساء. وحسب رصد المركز، تشير أبو القمصان إلى أن أكثر من 60% من النساء الأميات يستجبن لشعارات الاخوان ويشاركن بالتصويت لهن، والباقي يذهبن لترشيح من يعطيهن نقوداً. وتقول إن هناك ثلاثة مستويات داخل الجماعة للتعامل مع النساء، المستوى الأول: مستوى الناخبة العادية، وهي تلك التي تذهب للتصويت تحت تأثير الشعار الديني. والمستوى الثاني: وهو مستوى الكوادر المنظمة فعلاً للتنظيم، وهن يعملن كمندوبات للمرشحات ويقاتلن أمام لجان الاقتراع للدعاية للمرشحات. أما المستوى الثالث: فهو المرشحات اللائي تقدمهن الجماعة وهن من الكوادر العليا للنساء داخل الجماعة. وتتفق ابو القمصان مع هالة مصطفى في اعتبار الدفع بمرشحة سيدة على قوائم الاخوان الانتخابية لا يعكس اهتمام الجماعة بقضايا المرأة، لكنها تستخدمها لمغازلة الخارج والناخبين المعتدلين. وتؤكد أبو القمصان أن السيدات المنتميات لجماعة الاخوان كن الأكثر بروزا خلال التدريبات التي اقامتها منظمتها (المركز المصري لحقوق المرأة، وهو هيئة غير حكومية تقوم بتدريب النساء على المشاركة السياسية)، وكن من أنشط المتدربات لأن لديهن خلفيات سياسية اكتسبنها من عملهن داخل الجماعة. وأوضحت أنها دربت أكثر من 4 اخوانيات على الترشيح لمجلس الشعب كان من بينهن مكارم الديري مرشحة الجماعة في الانتخابات الجارية.