أول انتخابات برلمانية في الشيشان منذ 1997 تضع البلاد أمام مفترق طرق

TT

لأول مرة منذ آخر انتخابات برلمانية جرت في عام 1997 بعد انتهاء الحرب الشيشانية الاولى، وتوقيع اتفاقيات «خاساف يورت» في أغسطس (آب) 1996، يتوجه الناخبون في الشيشان يوم الأحد المقبل، 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، لاختيار اول برلمان لهم من بين 355 مرشحا تقدموا بأوراق ترشيحهم للفوز بمقاعد البرلمان التي يبلغ عددها 58 مقعدا. ويمثل هؤلاء المرشحون ثمانية احزاب، هي حزب «الوحدة الروسية» الحاكم في روسيا وحزب «تحالف القوى اليمينية» وحزب «يابلوكو»، و«الحزب الليبرالي الديمقراطي» المعروف بـ«حزب جيرينوفسكي» و«الاتحاد الاوروآسيوي»، وحزب «لارادة الشعبية»، وحزب «الوطن»، و«الحزب الشيوعي الروسي». ومن المقرر ايضا ان يتشكل البرلمان الشيشاني من مجلسين: «الجمعية الوطنية»، وتضم اربعين عضوا، و«مجلس الجمهورية»، الذي يضم 18 عضوا، فيما يجري اختيار اعضاء الجمعية الوطنية على اساس القائمة النسبية والقوائم الفردية مناصفة. ويقول ممثلو اللجنة العليا للانتخابات في الشيشان ان قرارا صدر بالسماح لممثلي السلطات الشيشانية السابقة، أي المناوئة لموسكو بخوض هذه الانتخابات، ومنهم ابراهيم خولتيجوف رئيس جهاز الامن الوطني، إبان حكم الرئيس الشيشاني الاسبق اصلان مسعدوف وسلام بك كونتشالوف عضو البرلمان السابق ومحمد خامبييف وزير الدفاع الاسبق. ومع ذلك فإن القائمة تخلو من المعروفين ممن سبق واتخذوا مواقف راديكالية من التعاون السلطة الفيدرالية الروسية. وكان اسماعيل بايخانوف رئيس اللجنة الانتخابية، اعلن عن رفض قبول اوراق ترشيح 45 من الراغبين في الترشح للبرلمان، دون ابداء الاسباب مكتفيا بالقول «ان عدد المرشحين كثير بما فيه الكفاية. كما ان خوض 355 مرشحا للفوز بـ58 مقعدا يقول بأن المنافسة ستكون ضارية». ورغم ان الدستور الشيشاني ينص على ان عدد اعضاء البرلمان 61 عضوا، فان بايخانوف لم يفسر اسباب قصرالاختيار على هذا العدد فقط، مشيرا الى ان البرلمان المقبل مدعو لأن يكون اداة لتحقيق الاستقرار وعنصر تهدئة في المستقبل القريب. ومع ذلك فإن التوازن، الذي يتحدثون عنه قد يبدو في تشكيلة ووظائف المرشحين، حيث يبلغ عدد العلماء والاطباء وممثلي الانتلجينسيا الشيشانية 29 مرشحا، فيما يخوض الانتخابات 12 من ممثلي اجهزة الامن والمخابرات، ومنهم الجنرال ابراهيم سليمانوف الحاكم العسكري السابق لمنطقة اتشخوي مارتان، الذي يرشحونه رئيسا للبرلمان المقبل. ومن اللافت للنظر، ان هناك عددا من ممثلي الاوساط الشيشانية، المقيمين خارج حدود الجمهورية الشيشانية، يخوضون هذه الانتخابات ممثلين عن اوساط المهجر ما قد يعني خطوة ايجابية على طريق تحقيق التوازن في الشيشان. ويتوقف المراقبون عند اصرار موسكو على اختيار برلمان شيشاني في نفس الوقت، الذي تظل فيه الاوضاع في الشيشان بعيدة عن الاستقرار المنشود. ولذا فان ثمة من يقول ان انتخاب برلمان في مثل هذه الظروف يبدو محاولة جادة لايجاد الآلية اللازمة لتحقيق هذا الاستقرار من خلال صياغة القوانين ووضع القاعدة التشريعية لتطور الجمهورية بعيدا عن سيطرة «المجموعة الواحدة»، أو بقول آخر «سيطرة الفرد الواحد»، الذي يقصدون به رمضان قادروف ابن الرئيس الشيشاني الراحل أحمد قادروف، والذي لم يبلغ من العمر بعد الثلاثين عاما. ويشغل قادروف الابن رسميا منصب النائب الاول لرئيس الحكومة الشيشانية، لكنه يسيطر عمليا على كل مقاليد الأمور، الى جانب سيطرة رجاله من المسلحين الذين جمعهم تحت راية «فيلق الحرس الرئاسي» على مختلف مجالات الحياة هناك. وهناك من الدلائل ما يشير الى ان موسكو تود سرعة اعادة الشيشان الى الفضاء القانوني الواحد، بعد ان تحولت الشيشان الى بؤرة عدم استقرار في منطقة تموج بالتغييرات والتفاعلات المثيرة للجدل ما جعلها تسقط فريسة المشاكل الاجتماعية التي ثمة من يحاول تصوير نتائجها من منظور ديني، كما حدث مؤخرا في انغوشيتيا وداغستان وقبرطية بلقاريا، وكلها قريبة من الشيشان. وفيما تظل موسكو والكثيرون من الموالين لها، عند الرأي القائل بأن الوقت قد حان لانتخاب البرلمان الشيشاني، يعرب البعض في الشيشان عن مخاوفه من احتمالات فشل التجربة شأن احداث كثيرة مضت، ما قد يسفر عن تعميق مشاعر خيبة الامل. وفي تصريحات نشرتها صحيفة «المجتمع الشيشاني»، اعرب تيمور علييف رئيس تحرير هذه الصحيفة، عن شكوكه في قدرة البرلمان الشيشاني المنتخب على تمرير القوانين اللازمة لتطور الجمهورية. وتساءل عن مدى قدرة السلطة التنفيذية على تبني هذه القرارات والدفاع عنها امام «المركز»، وهو ما يقصد به السلطات الفيدرالية في موسكو. وقال ان المجتمع الشيشاني فريد الخصائص وشديد التميز من منظور تاريخه، الذي يؤكد تمسكه بفكرة الاستقلال الذاتي واعلائه انماط الحكم المحلي. فهل ستقبل موسكو بمثل ما قد يصوغه البرلمان المقبل من قوانين في هذا الاطار؟! وهل من الممكن ان تستجيب لما يصر عليه الكثيرون، ومنهم الموالون لها في النسق الاعلى للقيادة الشيشانية، حول ضرورة السيطرة على قطاع النفط في اطار الاستقلالية الاقتصادية الذاتية؟. ولذا، فإن كل الامال التي يعلقها الكثيرون في الشيشان على البرلمان المقبل، تظل رهن السياسة التي تتبعها موسكو والقوى الموالية لها لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية قبل السياسية والامنية هناك. فلا تزال البطالة هي المشكلة الاكثر حدة والتي تؤرق الكرملين وتدفع المسؤولين في الشيشان ممن يواصلون محاولات تحقيق التوازن بين العام الذي هو فى اطار اعتبار ان الشيشان جزء من الدولة الروسية والخاص الذي يظل في اطار الحلم الشيشاني، الذي يستمد بداياته من عقود طويلة مضت طالما شهدت احتدام الصراع من اجل الاستقلال.