صافح .. لا تصافح

مصافحة ترومان وستالين وتشرشل الأشهر.. والحرب العالمية الثانية بدأتها مصافحتان وأنهتها مصافحتان

TT

صافح الرئيس اللبناني، إميل لحود، وزير الخارجية الاسرائيلي، سليفان شالوم، خلال قمة المعلوماتية في تونس أو لم يصافحه (أكد شالوم ونفى لحود)، تظل مسألة الجدل حول المصافحات بين الأعداء السياسيين على هامش القمم العالمية مثيرة للجدل، كما أنها أحيانا تحمل أكثر مما تحتمل من الناحية السياسية الدبلوماسية. وربما أهم مصافحة في تاريخ العالم المعاصر كانت في بوتسمان بألمانيا، يوم 23 يونيو (حزيران) 1945، بين الرئيس الاميركي هاري ترومان، والرئيس الروسي جوزيف ستالين، ورئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل. ودشنت المصافحة التاريخية مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بإصدار إعلان رسمي بهزيمة ألمانيا، ونزع سلاحها، ووضعها تحت إدارة مشتركة للحلفاء، وتأسيس حكومة ديمقراطية فيها. وصافح، قبل ذلك بسنتين، ستالين وتشرشل الرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت، في يالطا، على البحر الأسود. لكن تلك المصافحة حدثت قبل هزيمة ألمانيا، وحدثت بعد الاتفاق على خطة لهزيمة ألمانيا، ولتأسيس منظمة الأمم المتحدة. ومثلما أنهت مصافحتان الحرب العالمية الثانية، بدأتها مصافحتان: الأولى، صافح المستشار الألماني أدولف هتلر، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 1938، رئيس وزراء بريطانيا نيفل تشمبرلين، الذي أعلن بعد المصافحة أن «رئيس وزراء بريطانيا عاد من ألمانيا باتفاقية سلام بشرف. سلام لهذا العصر». لكن هتلر لم يكن صادقا، لأنه لم يكتف بغزو تشيكوسلوفاكيا، كما وافق تشمبرلين، بل غزا بقية أوروبا، وحاول غزو بريطانيا نفسها. أما المصافحة الثانية، فهي عندما صافح وزير خارجية ألمانيا روبنتروب، قبل ذلك بسنة، وزير خارجية روسيا مولوتوف سرا، واتفقا على تقسيم بولندا بين الدولتين مقابل عدم تدخل روسيا في الحرب ضد ألمانيا. ومرة أخرى، لم يكن الألمان صادقين، لأنهم، بعد سنتين، غزوا روسيا نفسها.

ومثل هتلر، لم يكن ستالين صادقا عندما صافح تشرشل وترومان، معلنين نهاية الحرب العالمية الثانية. وذلك لأن ستالين كان قد خطط لضم شرق أوروبا الى المعسكر الشيوعي، وبدأ، بذلك، خمسين سنة تقريبا من الحرب الباردة. بعد ستة أشهر فقط من مصافحة ستالين، جاء تشرشل الى أميركا، وأعلن، في «كلية وستمنستر»، في ولاية ميسوري، أن «ستارا حديديا نزل على أوروبا، من بحر البطليق الى البحر الأدرياتيكي». استمرت، خلال الحرب الباردة، المصافحات بين قادة المعسكرين الشيوعي والغربي، ما عدا الصين الشيوعية، التي لم تعترف بها أميركا الا بعد مصافحة يوم 21 فبراير (شباط) 1972 بين الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، ورئيس وزراء الصين شو إن لاي. تصافحا بعد أن نزل نيكسون من طائرته في الصباح، وذهبا في المساء الى الرئيس ماو تسي تونغ الذي صافح نيكسون مصافحة تاريخية أخرى أنهت الحرب البادرة الكبيرة بين الصين وأميركا.

أوضحت مصافحات الصين دور بكين الكبير في شرق آسيا، وكانت سبب مصافحات أخرى هناك: أولا، مهدت الصين لمفاوضات بين الأميركيين والفيتناميين لإنهاء حرب فيتنام، التي أيد فيها الصينيون الفيتناميين. أيضا صافح الرئيس الأميركي بيل كلينتون، في عام 2000، الرئيس الفيتنامي نيغوين دانغ، عندما أصبح أول رئيس اميركي يزور فيتنام، بعد ثلاثين سنة تقريبا من هزيمة أميركا في الحرب. ثانيا، مهدت الصين لاتصالات بين كوريا الشمالية، حليفتها، وكوريا الجنوبية، حليفة أميركا. وصافح الرئيس الكوري الجنوبي كيم داي، رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ، في سنة 2000، وكانت أول مصافحة رئاسية منذ انقسام كوريا قبل ذلك بخمسين سنة. وقد نال رئيس كوريا الجنوبية جائزة نوبل للسلام.

وقد استمرت الحرب الباردة خمسين سنة تقريبا، ومثلما بدأت هذه الحرب بمصافحات تاريخية، انتهت بأخرى مثلها. كانت أهمها يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 1985، في سويسرا، بين الرئيس الأميركي رونالد ريغان، والزعيم السوفياتى ميخائيل غورباتشوف. كانت تلك اول مقابلة بين الاثنين (الأول سمى الشيوعية شيطانا شريرا، والثاني كان اول رئيس روسي ينفتح على الغرب)، وقد أقنعت مصافحة ريغان، غورباتشوف بصعوبة مواجهة اميركا عسكريا واقتصاديا وفكريا. وعاد غورباتشوف الى بلاده، وأعلن، في نفس السنة «الغلاسنوست» (الانفتاح السياسي)، و«البيريسترويكا» (الإصلاح الاقتصادي). ثم أعلن، بعد سنة، سحب القوات الروسية من أفغانستان. ومهد ذلك لسقوط الاتحاد السوفياتي سنة 1991، ونال أيضا جائزة نوبل للسلام.

كما صافح رئيس جنوب أفريقيا دي كليرك، يوم 8 أغسطس (آب) 1990، نلسون مانديلا، زعيم الأغلبية الجنوب أفريقية، بعد أن كان مسجونا لثلاثين سنة تقريبا. ومهد ذلك ليصبح مانديلا أول رئيس جمهورية أسود هناك. (وتقاسم مانديلا ودي كلارك جائزة نوبل للسلام). ثالثا، صافح الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، يوم 13 سبتمبر (أيلول) 1993، اسحق رابين، رئيس وزراء إسرائيل، في حديقة البيت الأبيض، وبحضور الرئيس بيل كلينتون، بعد التوقيع على أول اتفاقية سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. وقد تقاسم عرفات ورابين، وبيريز، وزير خارجيته، جائزة نوبل للسلام أيضا.

وقد مهدت مصافحات قادة إسرائيل مع الرئيس المصرى الراحل أنور السادات والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الى مصافحات مع قادة عرب آخرين، إذ صافح الملك حسين، ملك الأردن، يوم 27 أكتوبر (تشرين الأول) 1995، اسحق رابين، في وادي عربة بعد التوقيع على اتفاقية سلام بين الجانبين. وقبل ستة أشهر، وخلال جنازة البابا بولس الثاني في الفاتيكان صافح الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف، يوم 8 ابريل (نيسان) 2005، الرئيس السوري بشار الأسد. كما صافح كاتساف الرئيس الايراني محمد خاتمي خلال نفس المناسبة. وكان الثلاثة يجلسون بالقرب من بعضهم البعض، وتصافحوا عندما انتهت خطبة تأبين البابا بطلب الى كل الحاضرين ان يصافحوا بعضهم بعضا كدليل على السلام وحسن النية.