شارون.. القيادة بطريقة الصدمة

لا يتوقف عند إشارة حمراء أو صفراء .. وقسوته تشمل الداخل والخارج

TT

شارون لا يتوقف عند شارة حمراء أو صفراء. عندما يريد شيئا يسعى لتحقيقه بكل ما أوتي من قوة، غير آبه بنظام أو قيود أو مقررات مؤسسات الحزب او أي شيء آخر. في اندفاعه هذا وصل الى أعلى المناصب في البلاد، وينافس اليوم، وهو في الثامنة والسبعين تقريبا، مرة أخرى على منصب رئيس الوزراء ويضع لنفسه هدفا أن يغير نظام الحكم في اسرائيل. ويثق بأنه سينتصر في الانتخابات القادمة ليحقق هذا الهدف.

والحقيقة ان شارون يعيش ويعمل بهذه الطريقة منذ الصغر، عندما كان شابا يانعا في المدرسة ثم عندما انتقوه خلال خدمته الاجبارية ليصبح محاربا وهو يعتقد ان هذه الصفة رافقته منذ ولادته في قرية «كفار ملال» في فلسطين سنة 1928. وبعد عشرين سنة من ذلك، أي في حرب 1948، بدأ يبرز كقائد عسكري شرس يفرض الخوف على أعدائه مثلما فرض الخوف على رفاقه الجنود. كان جنديا في لواء «اسكندرونة» في تنظيم «هاجاناة» النواة العسكرية التي أقامتها الحركة الصهيونية، لتصبح فيما بعد الجيش الاسرائيلي نفسه. هذا اللواء اعتبر بمثابة «الوحدة الخاصة»، التي نفذت عدة مذابح ضد الفلسطينيين من الطنطورة الى اللد والرملة وغيرها، وقد سموه يومها بالدبابة. كان يسبق جنوده الى لب المعركة. فأصيب في كل حرب خاضها، لكنه خرج منها بعدة أوسمة للشجاعة والتقدير. وقد فكر في ترك الحياة العسكرية لصالح الدراسة الجامعية، وخلع البزة العسكرية سنة 1952، الا ان قادته لم يتنازلوا عنه. فاستدعوه لقيادة وحدة عسكرية جديدة باسم «الوحدة 101»، لكي «يعالج» بطريقته تسلل الفدائيين الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية الى اسرائيل لتنفيذ عمليات مقاومة. فزاد ذلك من ثقته بنفسه فراح يعمل بلا قيود ولا حدود. ونفذ يومها مجزرة قبية (قرية فلسطينية في جنوب الضفة الغربية، خرج منها فدائيون وقتلوا امرأة يهودية وطفليها فانتقم شارون من كل أهلها، إذ طرد جميع سكانها وهدم بيوتها وقتل 56 شخصا من أبنائها). ونفذ مجزرة شبيهة بخان يونس في غزة. وفي حرب 1956 (العدوان الثلاثي على مصر) أدار معارك في المتلة المصرية في سيناء، ووقعت خلال معاركه ضحايا كثيرة في الأرواح المصرية والاسرائيلية، وانتقده الكثيرون على ذلك واكتشفوا انه خدع القيادة ولم يقل لها الحقيقة. رئيس الحكومة في حينه دافيد بن غوريون، التقاه ذات مرة وسأله: «هل فطمت نفسك على قول أشياء بعيدة عن الحقيقة؟!». ولاحقا استبعده رئيسا أركان الجيش حايم لسكوف وتسفي تسور عن المناصب القيادية في الجيش بسبب أسلوبه المتمرد، وفسر لسكوف ذلك بقوله: «انه قائد خطير على الجيش». إلا ان رئيس الأركان التالي، اسحق رابين، الذي حارب معه في اللد والرملة سنة 1948، عينه في سنة 1964 قائدا للواء الشمالي برتبة لواء. وعشية حرب 1967كان القادة السياسيون في اسرائيل مترددين ازاء اقتراحات الجيش شن حرب على الدول العربية، فذهب شارون الى رئيس الأركان، رابين، واقترح عليه أن يدعو رئيس وأعضاء الحكومة الى هيئة الأركان ويحبسهم داخل غرفة وينفذ انقلابا عسكريا عليهم ويشن الحرب على العرب. وخلال الحرب قاد المعارك في أبو عجيلة وام كتف المصريتين في سيناء، وهنا أيضا انتقده الكثيرون على ادائه الشرس في الحرب. واتهموه بالمغامرة والتسرع. وكان شارون أول جنرال يدخل الى قاموس الحرب سياسة اغتيال القادة الفلسطينيين الميدانيين، فنفذها بكثرة في قطاع غزة سنة 1971. وكان أول من غرز الاستيطان العسكري في الضفة الغربية، حيث أقام أول مستوطنة عسكرية، وهي عبارة عن معسكر تدريبات ما فتئ أن تحول الى مستوطنة عسكرية، ثم الى مستوطنة مدنية. وبالطريقة نفسها عمل في السياسة، إذ ترك الجيش في سنة 1973، وقام بتوحيد كل قوى اليمين في اسرائيل وجمعهم في حزب واحد هو الليكود. لكن مع نشوب حرب 1973، استقال من عضوية الكنيست الطرية وعاد الى الجيش، ليدير الحرب في جنوب سيناء، ويخترق الجيش المصري ويحاصر الجيش الثالث منه. وهذه المعركة، مثل أي شيء لشارون تمت أيضا وسط خلافات في تقويمها. فالبعض رأوا فيها خطأ فادحا، إذ انها كلفت الجيش الاسرائيلي خسائر فادحة في الأرواح، والبعض يمتدحها ويعتبرها بداية لصد الهجوم المصري وتغيير التوازن في المعركة. وفي سنة 1977 دخل الحكومة كوزير زراعة، لكنه ظل يطمح لمنصب وزير الدفاع. بيد ان رئيس الحكومة آنذاك، مناحم بيغن، رفض اعطاءه المنصب، وقال انه يخشى من أن يحتل دار رئيس الحكومة. لكن بيغن نفسه عين شارون لهذا المنصب بعد 4 سنوات. والقصة هنا معروفه، حيث ان شارون خدع الحكومة عندما قال انه ينوي دخول لبنان في عمق 18 كيلومترا ولمدة 48 ساعة، ثم بقي في لبنان 18 سنة ووصل الى مشارف بيروت. ويقال ان بيغن اعتكف البيت يومها واعتزل السياسة بسبب خديعة شارون له ومات بعد سنتين.

وبعد بيغن جاء اسحق شامير لرئاسة الحكومة، فأسر لمستشاريه انه يخشى من ان ينفذ شارون ضده انقلابا عسكريا. وجعله في حينه وزيرا للاسكان، فاستغل منصبه لنشر المستوطنات اليهودية على رأس كل تلة في الضفة الغربية وفي هضبة الجولان السورية المحتلة. وظل يقود اليمين الى العداء المطبق لمعارضيه في اليسار أو في وسط الخريطة السياسية الحزبية في اسرائيل، ويتهمه اليسار بالمسؤولية الأساسية عن حملات التحريض ضد اسحق رابين، والتي أدت في نهاية المطاف الى قتله.

وخلال معاركه الداخلية والخارجية أظهر شارون الكثير من الحدة والتصميم في التعامل مع خصومه السياسيين. وكان يتهمهم بالخيانة أو شبه الخيانة ازاء أي تنازل أو تفاهم مع الفلسطينيين. فهو يفتخر بأنه اجتمع مع الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، لكنه لم يصافحه. وفي دعايته الانتخابية لرئاسة الحكومة قبل خمس سنوات كما راح يتباهى بأن العرب يخشونه ويحسبون له ألف حساب. شارون نفسه هذا، هو الذي يقود تغييرا كبيرا في المفاهيم السياسية والحزبية في اسرائيل منذ سنتين. فالرجل الذي احتل قطاع غزة هو الذي انسحب منه نهائيا. والرجل الذي زرع المستوطنات اليهودية باعتبار انها الضمان الوحيد للوجود اليهودي هو الذي أزال جميع المستوطنات اليهودية من القطاع و4 مستوطنات أخرى من الضفة الغربية. والرجل الذي وحد قوى اليمين في اطار الليكود هو الذي يفكك معسكر اليمين. شارون الذي قال عنه اليسار غير مرة انه «مجرم حرب» و«بلطجي» و«كذاب مزمن» و«رمز الفساد»، هو الذي يقول عنه الكاتب اليساري دورون روزنبلوم، اليوم «لم أعد أدري شيئا في عجائب الدنيا. فنحن في اليسار اليوم نعلق كل آمالنا عليه. نغسل عيوننا وننفض لآذاننا ولا نصدق، الرجل الذي كرهناه هو الذي يقودنا الى بر الأمان. فهل يعقل ؟!». وبالفعل ان شارون يقود اسرائيل باتجاه مغاير لما كان حتى الآن.