أميركيون يدرسون في الشرق الأوسط .. لماذا?

ارتفع عدد الطلبة الأميركيين في المنطقة .. وغالبيتهم يتعلمون العربية في إسرائيل

TT

كشفت احصائيات نشرت أخيرا في واشنطن، ان عدد الطلاب الأميركيين في الشرق الأوسط في عام 2004، زاد بنسبة 62 في المائة عن العام الذي سبقه، والذي كان قد شهد أيضا ارتفاعا في أعداد متعلمي اللغة العربية والمسافرين من الطلاب الأميركيين، الى المنطقة العربية. وكان الأمر اللافت، هو أن ثلثي هذا العدد لا يذهب إلى مصر أو سورية أو السعودية، بل إلى إسرائيل.. لتعلم اللغة العربية.

جاءت هذه الاحصاءات المثيرة، التي تشير إلى مدى قصور الدول العربية في جذب الطلبة الأميركيين، حتى لدراسة اللغة العربية، ضمن تقرير، صدر أخيرا عن معهد التعليم الدولي، الذي يوجد مقره في نيويورك، ويعتبر المصدر الأول للبيانات عن التعليم في أميركا.

وقال التقرير إن عدد الطلاب الأميركيين، الذين سافروا إلى الشرق الأوسط، ارتفع إلى 1050 طالبا. وأشار إلى أن نسبة الزيادة في أعداد الطلبة، الذين ذهبوا إلى إسرائيل بلغت 96 في المائة في العام ليصل عددهم إلى 665 طالبا وطالبة. كما زادت نسبة الطلبة الأميركيين في الأردن لتصل الى 65 طالبا فقط، بزيادة 124 في المائة عن العام الماضي، بينما زادت نسبة الطلبة إلى لبنان لتصل إلى 23 طالبا بارتفاع نسبته 64 في المائة. أما دولة الإمارات العربية المتحدة، فاستقبلت 20 طالبا أميركيا بنسبة 67 في المائة. وكانت الدولة الشرق أوسطية الوحيدة، التي قلت فيها نسبة الطلبة الأميركيين هي تركيا، إذ انخفض العدد بنسبة 12 في المائة، ليصل إلى 200 طالب فقط.

وقال ترنت روكوود، وهو باحث في دراسات اللغة العربية المتقدمة في جامعة ميريلاند الأميركية، لـ«الشرق الأوسط»: إن تفسير ذهاب الطلبة الأميركيين إلى إسرائيل لتعلم اللغة العربية، يرجع جزئيا إلى بعض القصور من المؤسسات التعليمية العربية، مقابل نشاط جيد للجامعات الإسرائيلية.

واضاف ان معظم الطلاب المتوجهين لإسرائيل، هم في الغالب من اليهود الأميركيين، ممن يفضلون الذهاب لاسرائيل لتعلم اللغة العربية، بدلا من التوجه إلى بلد آخر. وأشار إلى أن هناك برامج تبادلية فعالة بين جامعات أميركية وأخرى إسرائيلية، مثل جامعة تل أبيب وحيفا. وقال روكوود الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» بلغة عربية جيدة، إن بعض الطلبة الأميركيين، ربما يذهب أيضا إلى جامعات فلسطينية مثل بئر زيت على أن يقيم في إسرائيل، مما قد يفسر هذا الارتفاع في أعداد الطلبة هناك. وكان روكوود البالغ من العمر 32 قد تعلم العربية وزار دولا عربية منها فلسطين والأردن ومصر، حينما درس في الجامعة الأميركية في القاهرة وسورية.

وقدم الباحث الأميركي تفسيرا آخر للإقبال على الجامعات الإسرائيلية، هو «أن هناك اعتقادا بأن إسرائيل ربما تكون أكثر أمنا من الدول العربية، لأن صورة الشرق الأوسط سيئة في أميركا، كما أن العرب في أميركا غير نشطين ويفضلون الانكفاء على أنفسهم».

وأيدت هذا الرأي ليسا بكماستر، وهي نادلة تقيم في واشنطن العاصمة، تعلمت العربية في مصر واليمن، فقالت إن في اعتقادها أن سبب ذهاب الأميركيين إلى إسرائيل، هو سبب أمني بحت. وتذكرت أنها حينما قالت لأمها إنها ستذهب للدراسة في اليمن عام 2001 لم تستطع أمها أن تعرف أين اليمن على الخريطة. ولما قالت لأمها أين يقع اليمن قالت «إنها كادت أن تقع على ظهرها (من شدة الصدمة)».

واضافت ليسا: «اعتقد ان السياسة الخارجية الأميركية تجعل من الصعب ان يكون هناك أميركي موجود، ليس في العالم العربي، ولكن في اي مكان في الحقيقة.. الجميع يعتقد ان اسرائيل أكثر أمنا».

وترنت روكوود وليسا بكماستر هما اثنان فقط من عشرات آلاف الطلبة الأميركيين، الذين قضوا وقتا خارج بلادهم للتعلم على الرغم من ارتفاع مستوى جودة التعليم في أميركا. ويقول التقرير المذكور إن عدد الطلاب الأميركيين الذين تم تسجيلهم في برامج الدراسة بالخارج اجمالا في العام الجامعي 2003 ـ 2004 قد ارتفع بنسبة ضخمة بلغت 9.6 في المائة ليصل إلى حوالي 200 ألف طالب، وهو ما يمثل رقما قياسيا. وقد مثل هذا زيادة بلغت حوالي 20 في المائة منذ العام الجامعي 2000 ـ 2001، والذي انتهى قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر مباشرة.

والمفاجأة الثانية في التقرير، ان اقل منطقة جذبا للطلبة الأميركيين في العالم هي الشرق الأوسط اذ بلغت نسبتها مقارنة بالعالم كله وفق التقرير هي فقط 0.5 في المائة من اجمالي الطلبة الأميركيين في الخارج، وليست هناك منطقة اقل منها غير افريقيا التي جاءت بنسبة 3.0 في المائة.

ومع هذا فإن الأغلبية الكبرى من الطلاب الأميركيين في العالم أمضت أقل من ستة أشهر في الخارج. ودرس حوالي ثلثي هؤلاء في المعاهد الأوروبية والكندية والأسترالية.

وخسرت الدول العربية أيضا أمام دول نامية أخرى، حيث ارتفع عدد الطلاب الأميركيين الذاهبين إلى الصين بنسبة 90 في المائة عن العام الماضي 2003 ـ 2004، وهو ما جعلها في المركز التاسع بين البلدان المضيفة الرئيسية. وتفوقت الطالبات الأميركيات على الطلاب الذكور في السفر للخارج، اذ بلغت نسبة الاناث من الطلبة في الخارج 65.6 في المائة مقابل 34.4 في المائة فقط من الذكور. ومعظم هؤلاء الطلبة هم من البيض بنسبة 83.7 في المائة والنسب الباقية تفرقت بين السود واللاتين والآسيويين. أما الدول التي يقصدها الطلبة الأميركيون أكثر من غيرها على مستوى العالم، فهي المملكة المتحدة (32 ألفاً، أي بزيادة قدرها 1,7 في المائة) وإيطاليا (21 ألفاً، بزيادة قدرها 15 في المائة) وإسبانيا (20 ألفاً، بزيادة قدرها 6,4 في المائة). واستنادا إلى التقرير، فإن تغييرات حدثت ايضا في ارقام الطلبة الوافدين الى أميركا، حيث ان تسجيل الطلاب الأجانب في أميركا انخفض بنسبة بلغت حوالي واحد في المائة في العام الجامعي 2004 ـ 2005، ليصل إلى اكثر من نصف مليون طالب، بعد هبوط مفاجئ بنسبة 2.4 في العام الماضي.

وبحسب البحث السنوي لمعهد التعليم الدولي، فقد استمر الانخفاض في تسجيل طلاب من الدول الإسلامية في أميركا خلال العام الماضي أيضا. ومن بين الدول الـ20 الأولى في إرسال الطلاب إلى الولايات المتحدة كان الانخفاض الأشد في إندونيسيا (بلغ 13 في المائة ليصل إلى 7760)، وكينيا (بانخفاض 9 في المائة ليصل إلى 7600)، وباكستان (بانخفاض 14 في المائة ليصل إلى 6300)، وماليزيا (بانخفاض 5 في المائة ليصل إلى حوالي 6100). وفيما يتعلق بالدول العربية، جاء الانخفاض دراماتيكيا أيضا حيث انخفض تسجيل الطلاب السعوديين مثلا بنسبة 14 في المائة في العام الماضي، ليصل إلى حوالي ثلاثة آلاف طالب، مرتفعا بذلك عن نسبة الانخفاض التي بلغت 16 في المائة في العام الاسبق.

وقد انخفض عدد الطلاب القادمين من الإمارات العربية المتحدة بنسبة سبعة في المائة في العام الماضي، حيث بلغ 1200 طالب، مقارنة بانخفاض بلغ 30 في المائة في العام الجامعي 2003 ـ 2004. وبالمثل انخفض تسجيل الطلاب الكويتيين بنسبة سبعة في المائة، حيث بلغ 1720 طالبا، بعد انخفاض بلغ 17 في المائة في العام الاسبق، بينما انخفض عدد الطلاب الموفدين من الأردن بنسبة خمسة في المائة، حيث كان عددهم 1750 طالبا، بعد انخفاض بلغ 15 في المائة في العام الجامعي 2003 ـ 2004.

وانخفض عدد الطلاب من مصر بنسبة 14 في المائة أيضا، ليصل إلى 1575، كما انخفض العدد من المغرب بنسبة 14.4 في المائة ليصل إلى 1571 فقط. وتمثل تركيا وحدها الاختلاف الأكبر بإيفادها حوالي 12500 طالبا في العام الماضي.

وتدل المؤشرات، على أن هناك عودة تدريجية للطلاب العرب إلى أميركا للدراسة، لكنها تبقى رهنا بزوال الحواجز والاجراءات الأمنية وتقلبات السياسة، والأمر ذاته ينطبق على الطلاب الأميركيين، الذين يريدون التوجه إلى الشرق الأوسط لتعلم العربية.