آصف شوكت.. الرجل خلف الكواليس

رئيس الاستخبارات العسكرية السورية قدم من الصفوف الخلفية حتى صار أساسيا في سياسات دمشق

TT

لم يكن اسم آصف شوكت، صهر الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الاستخبارات العسكرية السورية، لامعا الى جانب أسماء أركان النظام السوري البارزين قبل سنوات قليلة، لكنه أصبح في الآونة الأخيرة ابرزها مع توليه والمقربين منه مواقع حساسة في السلطة، بعد رحيل الرئيس السوري حافظ الاسد عام 2000. ثم أتى ورود اسم شوكت في قائمة الأمم المتحدة للمشتبه في تورطهم بالتخطيط لاغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريرى، ليسلط الاضواء عليه بقوة. خصوصا ان اسمه كان في قائمة الاسماء المحذوفة من التقرير المعلن الذي قدمه المحقق الدولي في جريمة الاغتيال القاضي الالماني ديتلف ميليس لوسائل الاعلام، كما تردد اسمه في قائمة المطلوب استجوابهم من المسؤولين السوريين.

قدم آصف شوكت من الصفوف الخلفية في سورية، ليصبح الرجل الثاني في سورية بعد بشار الاسد، كما يقول المعارضون السوريون الذين يتبارون في تأكيد انه «الرجل الواقف خلف الكواليس». لم يكن طريق آصف مزروعا بالورود، فهو واجه الكثير من الحسد والغيرة بين اترابه، وسنده الوحيد كان ذكاؤه وارتباطه بعائلة الأسد، فأطلقت عليه الكثير من الشائعات التي تتقاطع في بعض الاماكن وتتناقض في اماكن اخرى. غير أنه من الثابت أن آصف شوكت رجل حاد الذكاء ذو تصميم. وهذه صفات اطلقها اكثر من مسؤول لبناني سابق، كان مقربا من مواقع القرار في العاصمة السورية. ويصفه وزير لبناني سابق بأنه «من التيار الاصلاحي في سورية»، ويقول عنه ايضا، ان منظمات حقوق الإنسان لا تسجل له أي انتهاكات في هذا المجال، فهو كان يحتل موقعا قياديا في فرع أمن القوات، وهو جهاز أمني لا علاقة له بالشؤون السياسية الداخلية والمعارضة، ولا حتى الشؤون اللبنانية أو العراقية، وذلك قبل أن يأتي لرئاسة شعبة الاستخبارات العسكرية. ويشير الوزير الى ان «الاعتقالات والتوقيفات بشكل عام، انخفضت بنسبة كبيرة من قبل الاستخبارات العسكرية بعد تسلم اللواء شوكت لرئاسة هذه الإستخبارات»، وهو ما يرده الوزير اللبناني السابق إلى كون شوكت «له اهتمامات أكاديمية وحقوقية»، اذ يحمل شهادة بكالوريوس فى الحقوق.

ولد آصف شوكت في مدينة طرطوس الساحلية عام 1950 لأبوين عاديين من أسرة علوية غير نافذة. ايامه الاولى كانت عادية في الدراسة والجامعة، اذ انتمى كالكثير من الشباب السوري الى حزب البعث، الذي يعطي طلبته امتيازات خاصة في النظام التعليمي السوري، غير انه لم يتسلم اية مراكز قيادية في الحزب.

وفي عام 1968 حزم شوكت متاعه، وانتقل الى دمشق لمتابعة دروسه الجامعية، مختارا القانون مجالا للدراسة، حيث تخرج عام 1972 حاملا شهادة البكالوريوس في الحقوق، غير ان هذا الانجاز لم يكفه والمجال لم يعجبه، فاتجه الى الدراسات العليا في التاريخ، حيث قدم اطروحته الاولى عن «الثورة السورية الكبرى في 1925، ورؤساء الفلاحين الذين قادوها»، لكن هذه الاطروحة لم تنل رضى الاستاذ المشرف عليها، فرسب. ويقول بعض المعارضين السوريين ان الاستاذ اكتشف ان شوكت كلف سواه، القيام بكتابة الاطروحة، ما اضطره الى اعادة كتابتها مجددا، فينال شهادة الدكتوراه عام 1976 من جامعة دمشق.

ولم تشفع اجازة الحقوق ولا دكتوراه التاريخ لآصف في الحصول على وظيفة تناسب مؤهلاته، فبقي نحو ثلاث سنوات على نفقة والده المتواضعة، إلى أن كان القرار الذي غير حياة آصف.

ـ قال بعض عارفيه ان ايام «البطالة» دفعته لاتخاذ قرارات جذرية في مسار حياته ـ اذ انتقل الى حياة العسكر، وتطوع عام 1979 في الجيش السوري برتبة ضابط. كان دخوله الجيش امرا سهلا فهو علوي وبعثي وحامل شهادة عليا. ورغم ان آصف نال رضى قادته مع الوقت وكسب احترامهم، وكان غالبا ما يوصف بأنه دمث ومؤدب، الا انه لم يتقدم كثيرا في التراتبية العسكرية.

أما النقلة النوعية في حياته فقد كانت بداية التسعينيات، عندما تعرف، بطريقة لم تعرف تفاصيلها بدقة، على طالبة الصيدلة في جامعة دمشق بشرى الأسد، فوقعا في الحب، هي فتاة وصفت بأنها «ذكية ولامعة» وهي أيضا الابنة الوحيدة للرئيس السوري حافظ الأسد، أما هو فضابط عادي في الجيش متزوج ولديه 5 أولاد، وقد استغرب كثيرون هذا التلاقي، الذي لم ينل رضى عائلة الأسد. ومع هذا استمر الحب بالاتقاد، مستفيدا من رضى خال بشرى محمد مخلوف ـ كما أشيع ـ ولعل هذا هو التفسير المنطقي الوحيد للأحداث التي جرت بعد ذلك، فالمعلومات المتقاطعة التي تحدثت عن سياق الزواج، تبين بما لا يقبل الشك، أن باسل الأسد الابن الراحل للرئيس السوري وشقيق بشرى، كان ممانعا بشدة للزواج، حتى انه وضع آصف في السجن أربع مرات، لكنه كان يخرج كل مرة تحت وطأة الوساطة الأخوية من بشرى.

وفي عام 1994 توفى باسل الأسد في حادث سير مروع على طريق مطار دمشق، وبعدها بسنة واحدة اتخذ الثنائي قرارا بالزواج من دون رضى العائلة (اذا صحت الروايات المتطابقة)، وهو امر يمكن ان يكون عاديا في عائلات عادية، لكنه أمر يثير الاستغراب الى حد عدم التصديق، اذا كان الأب هو الرئيس حافظ الأسد. انتقلت بشرى وآصف الى منزلهما الزوجي الجديد في ضاحية المزة الراقية، فما كان من الرئيس الأسد، الا ان وضع لهما حراسة على الباب، ثم استدعاهما مباركا زواجهما ومرحبا بآصف في عائلة الأسد كصهر، بعد ترقيته الى رتبة لواء.

ويبدو أن آصف نال نصيبه من غضب فرد آخر من العائلة، هو ماهر الذي قالت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، انه اطلق النار على آصف فأصابه في معدته نتيجة كلام أطلقه الأخير بحق الشقيق الأصغر للرئيس السوري، رفعت الأسد بداية عام 2000.

ماهر بادر بدوره ـ كما تقول الصحيفة ـ الى توجيه كلمات قاسية لآصف، طالبا إليه السكوت وعدم التدخل في شأن عائلي يخص آل الأسد. ولكن آصف أجابه بحدة مماثلة، بأنه أصبح جزءا من العائلة. فأصر ماهر على موقفه قائلا لآصف بأنه لم يكن ولن يكون كذلك، ولو كان باسل حيا لكان له شأن آخر. ثم سحب مسدسه وأطلق النار عليه فأصابه في معدته، حسب رواية الصحيفة الفرنسية التي لم تتأكد من مصادر اخرى. نقل آصف على وجه السرعة الى بيروت لعلاجه، لكن أطباء الجامعة الاميركية، فضلوا نقله الى باريس لخطورة وضعه الصحي، حيث تلقى العلاج، وحيث تسرب الخبر للصحيفة الفرنسية. تعافى آصف، وكان الى جانب بشار وماهر في تقبل العزاء بالرئيس الراحل، بعد ان كان الرئيس الأسد عقد مصالحة بينهما. واتجه شوكت الى تعزيز علاقته ببشار، الذي أصبح المرشح الطبيعي لخلافة والده. فازداد اعتماد بشار على صهره، الذي أصبح مرافقه الدائم. ولاحقا عزز بشار موقع آصف بعد تسلمه مقاليد الرئاسة، خلفا للرئيس الراحل حافظ الأسد نهاية عام 2000، إذ عينه في بداية عام 2001 نائبا لرئيس الاستخبارات العسكرية السورية، أهم مواقع القوة في النظام السوري، وبقي في موقعه هذا حتى اغتيال الرئيس الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005، اذ لم تمض اربعة ايام، الا وصدر مرسوم بتعيينه رئيسا بالوكالة لهذا الجهاز، قبل ان يتم تثبيته في موقعه في يونيو (حزيران) من العام نفسه. ويظل آصف شوكت من الارقام المهمة فى السياسة السورية، سواء امنيا او سياسيا، علما ان شوكت كان ـ على ذمة المصادر الفرنسية ـ زار باريس بعيد اغتيال الحريري، موفدا من الرئيس الأسد، عارضا «حلا ما» للأزمة، لكنه لم يلق التجاوب المطلوب.