رؤساء خارج النص

«الميكروفون المفتوح» و«زلات اللسان».. أخطاء فادحة وأخرى عفوية

TT

* إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه (الشاعر بشار بن برد).

الرؤساء بشر، وبالتالي فهم يخطئون، ويوقعون أنفسهم أحيانا في أخطاء تفتقد الكياسة، أو لا تتحسب لأمور صغيرة، مثل جاهزية ميكروفون، وهل هو مغلق أم مفتوح، فيدلون بكلام تجد فيه الصحافة الشعبية تحديدا مادة تمتد بها الى السخرية، فتكون النتيجة أحيانا زوبعة لا تنال من مكانة الرئيس، كما حدث مع الرئيس الأميركي رونالد ريغان مرارا، في حين تتداعى أحيانا فتأتي بعواقب سياسية وخيمة على الرئيس أو على حزبه، وأشهر الأمثلة هنا رئيس الوزراء البريطاني السابق جون ميجر. مجمل تلك الأخطاء يصنفها الغرب في ما يعرف ب Political and Diplomatic Blunders، أقرب ما تكون ترجمتها الى (الأخطاء الفاضحة)، ولكن الفارق في التعاطي معها يبدو قائما بين الشرق والغرب، مع ميل في ميزان الأحكام لصالح الغرب الذي تخلو ردود أفعاله من المزايدة حولها إلا نادرا، أو تخزينها في الذاكرة الجمعية.

ولتقريب مثل هذا الملمح، نأخذ مثلا من حديث ودي دار بين الرئيس المصري الراحل انور السادات والرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان الذي قال له السادات: كنت في السينما ليلة ثورة 23 يوليو المصرية وقد شاهدت فيلما من بطولتك. فقال له الرئيس ريغان من باب المزاح: إذن فقد ساهمت أنا في الثورة. وبظهور هذه العبارة إعلاميا، على ما فيها من تلقائية وبساطة، اجترت أقلام كثيرة العبارة ومضت في تأويلها لجهة استهزاء ريغان من السادات بعد أن حصلت واشنطن في عهد سلفه كارتر على اتفاقات كامب ديفيد، لتمتد مستخدمة لغة التخوين للسادات الذي يعرف عنه زلات لسانه الكثيرة، ومن بينها حديثه عن «أنياب» الديمقراطية، وقوله عن رجل دين بارز «ها هو مرمي في السجن زي الكلب» ووصفه الحجاب بأنه «خيمة». وخلال قمة برشلونة للحوار اليوروـ متوسطي الاسبوع الماضي نقل عن مستشار لوزارة الخارجية الاسبانية خلال حديثه مع رئيس الوزراء الاسباني دون ان يعرف ان الميكروفون مفتوح تحميله لبريطانيا مسؤولية فشل القمة. اما ريغان فهو في عداد أسوأ الرؤساء حظا في الأخطاء الفادحة حتى من قبل أن يصبح رئيسا. فحين كان معلقا رياضيا، لم يحضر ذات مرة الى الملعب وذهب لمبنى الاتحاد الرياضي بإحدى الولايات، حيث يستقبل البرقيات المتوالية عن سير المباراة التي كان من المفترض أن يغطيها، فشرع في إذاعتها من ميكروفون إذاعي هناك، وفجأة تعطل جهاز استقبال البرقيات، فلم يعتذر، وإنما شرع في وصف المباراة من وحي خياله كما جاء في كتاب «طرائف رؤساء أميركا». أما ريغان الرئيس فقد كان حظه أسوأ، ففي عام 1984، أراد اختبار الميكروفون قبل توجيه حديث إذاعي على النحو المعروف، ولكن الميكروفون كان متصلا بالإرسال على الهواء، فقال: «أيها الأميركيون، يسرني أن أخبركم اليوم بأنني قد وقعت على تشريع سيمسح الاتحاد السوفياتي عن الأرض الى الأبد، وسنبدأ القصف خلال خمس دقائق»، فأخذ ذلك التصرف ما أخذ من زوبعة إعلامية، ولكنه لم ينل من شعبيته ففاز لرئاسة ثانية. وعلى النقيض من مصيره، كان قدر رئيس الوزراء البريطاني جون ميجر السيئ، فلم يحالفه الحظ في انتقاء مفرداته وهو يتحدث عن الركود الاقتصادي والتضخم اللذين ضربا بريطانيا مطلع التسعينات. فقال معلقا «إذا لم يكن مؤلما، فهو بلا أثر»، فقامت عليه الدنيا باعتبار أنه لا يأبه بالبطالة وفقدان الوظائف الذي راح ضحيته كثيرون، ليتوالى سوء حظه مرة ثانية عام 1993 وهو يجري مقابلة مع النجم التلفزيوني مايكل برنسون، ظنّ ميجر أن الميكروفونات مغلقة، وفي إجابة على سؤال خلال دردشة مع برنسون بعد المقابلة، حول لماذا لا يتخلص من الوزراء الذين يتآمرون ضده من المشككين في جدوى الاتحاد الأوروبي، قال ميجر: لا نريد ثلاثة آخرين من أبناء الزنا هؤلاء في شارع المعارضة. فصنعت منها صحيفة الـ«ديلي ميرور» قضية رأي عام، ليقع ميجر في مصيدة جديدة يوم أن تحدث لاحقا عن شعار «العودة للأصول»، فتوالت فضائح جنسية لاثنين من وزرائه فأجبرا على الاستقالة، ولحقهما اثنان آخران باتهام تلقي أموال لقاء رفع الاسئلة في البرلمان، فكانت النتائج خسارة سياسية للمحافظين في انتخابات 1997 هي الأكبر في تاريخهم منذ 1832.

ايضا من ضحايا الميكروفونات المفتوحة مرشحا أميركا جورج بوش الابن وجون كيري 2004. فبوش وخلال حضوره احتفالا عماليا بولاية إلينوي شاهد من على البعد الصحافي المخضرم آدم كليمر الناقد لسجل بوش السياسي وأهليته لحكم أميركا، فقال بوش حين لمح آدم في ذلك اللقاء «ذلك كبير الحمقى من النيويورك تايمز» فوصلت الملاحظة مذاعة. ومن عجب أن بوش لم يتراجع عن رأيه، لأنه وصفه بـ«الحمار» في حديث لمجموعة من صحافيي الواشنطن بوست لاحقا. أما منافسه كيري فقد قال قبيل لقاء انتخابي والميكروفون مفتوح: «بدأنا للتو المحاربة هنا، فأولئك الرجال، ويقصد الجمهوريين، هم الأكثر احتيالا، وأكبر مجموعة كذابين أراها في حياتي»، فاستغل ذلك مدير حملة بوش الانتخابية سكوت ستاندل ليقول لأجهزة الإعلام «كيري لم يلتزم بما وعد به بنفسه لجهة حملة انتخابية نظيفة فجنى على الديمقراطيين بمثل هذه التعليقات الغاضبة والبائسة».

أما على صعيد زلات اللسان، أو خيانة التعبير كما يقال في الشرق، فالرئيس السوفياتي السابق نيكيتا خروتشوف دخل الموسوعة شرقا وغربا يوم أن قال مخاطبا جمعا من الدبلوماسيين خلال حفل استقبال أقامه لهم بموسكو في نوفمبر 1956. ففي حين قصد أن يقول لهم، ورياح الحرب الباردة في أوجها، «إننا سنتفوق عليكم، أو أن تيار التاريخ معنا لأنه مع حقوق الطبقة العاملة وسنشهد جنازتكم»، جاءت الترجمة الحرفية أقرب الى: «سندفنكم أو نتسبب في جنازتكم»، فأثارت زلة اللسان تلك ما أثارت، وتهكمت الصحافة الغربية لتقول لاحقا، وماذا يمكن أن نتوقع من رئيس كان مربيا للخنازير. كما تشتهر زلة لسان اليكسندر هيغ وزير خارجية أميركا الأول في إدارة ريغان. ففي حين أراد أن يقول «خسائرهم» أي الخسائر الاسرائيلية إبان الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، قال «خسائرنا»، ولم يصحح نفسه، فكانت النتيجة أن فقد منصبه. لكن أشهر تلك الزلات، هي تلك التي تفوه بها بوش الذي وصف الحرب في أفغانستان والعراق بأنها «حرب صليبية» وهو ما أثار موجة من ردود الفعل داخل اميركا وخارجها، ثم عاد بوش ووصف الحرب على العراق بأنها «حرب العدالة المطلقة» وهي صفة لا تطلق سوى على الذات الالهية في جميع الأديان. اما الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون فقد وصف حرب فيتنام بأنها «عبثية ليس بسبب ما سببته للفيتناميين من آلام، بل لأننا خسرناها»، مما أثار استهجان أغلب سكان العالم بما في ذلك قسم من الاميركيين. ولم يكن نيكسون محبوبا، حتى من السجناء، فعندما أراد زيارة أحد السجون، وتوجيه كلمة للشعب من داخله، اعترض السجناء على ذلك بسبب أن «الاستماع إلى خطب الرئيس ليس جزءا من العقاب». اما ريغان الذي عانى من ضعف الذاكرة فعندما سئل عما إذا كان سيستقيل إذا شعر بضعف الذاكرة، كما ذكر ذلك سابقا، رد على الصحافي «لا أذكر أني قلت هذا الكلام»، وهي زلة لسان اكدت ان ذاكرته ضعيفة. ومن الشخصيات المثيرة للجدل والمعروفة بقذاعة ردودها وتصريحاتها رئيس الوزراء الايطالي سلفيو برلسكوني، الذي كاد يتسبب العام الماضي في أزمة بين بلاده وألمانيا عندما وصف نائب في البرلمان الاوروبي بأنه مثل «حارس في سجن نازي»، ووصفه الحضارة الاسلامية بالبربرية، وأن الحضارة الغربية أفضل من الحضارة الاسلامية، ورغم تبريره فيما يشبه الاعتذار عن تصريحاته إلا أن آثارها على العلاقات بين ايطاليا والمانيا والعالم الاسلامي لا تزال بادية إلى اليوم، فقد قاطع الالمان المناطق السياحية الايطالية، وأصبح ينظر لايطاليا في العالم الاسلامي على أنها من محور أعداء الاسلام والعرب. وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك أوقع نفسه في الحرج هو الآخر، عندما هاجم المطبخ الانجليزي وقال انه من اسوأ المطابخ فى العالم. ولم يعتذر شيراك للبريطانيين، لكنه هنأهم بالفوز على استضافة الاولمبياد. وإذا ذكر الرئيس الجزائري الاسبق الشاذلي بن جديد، لا بد ان تذكر معه زلات لسانه، ومن ذلك حضوره لاجتماع نسائي، وكان بين عدد من الناشطات الجزائريات، وفي أثناء حديثه عن دعمه للمنظمات النسوية خاطب الحاضرات بالقول «اعتبروني واحدة منكن» وقد ضجت القاعة بالضحك، وشعر الرئيس بالحرج. ولا يزال الجزائريون يرددون إلى اليوم انه زار بصحبة عقيلته فرنسا في عهد فرانسوا ميتران فسألت زوجة ميتران عقيلة الشاذلي بن جديد لماذا يومئ بعض الجزائريين برؤوسهم عندما يريدون قول نعم، فقالت عقيلة الشاذلي «المثقفون يقولون وي، (نعم بالفرنسية)، أما الجهلة فيشيرون برؤوسهم»، ثم التفتت إلى الشاذلي وسألته أليس كذلك، فأومأ الرجل برأسه. وشعرت زوجة الرئيس بالحرج الشديد. وعندما زار الشاذلي تونس والتقى الرئيس الحبيب بورقيبة قال له بورقيبة المعروف بتلقائيته «يا شاذلي، أنت أمي» (من الامية) فخرج الشاذلي وقال لمرافقيه همسا «جن بورقيبة»، وعندما سئل عن السبب قال إنه يعتقد بأنني أمه.