ملهم الرئيس

«الاحتواء» و«الضربة الوقائية» و«التدين» و«الحنين إلى المزرعة» و«اللغة».. تشابهات بين بوش وترومان

TT

جدد الرئيس الاميركي جورج بوش، في الاسبوع الماضي في خطاب حالة الاتحاد امام الكونغرس، تصميمه على هزيمة الارهابيين. وأكد ما اصبح يعرف بـ«مذهب بوش» وهو المذهب الذي اعلنه في خطاب القاه في البيت الابيض اكتوبر من العام الماضي، اعتبره المقربون منه تلخيصا لاستراتيجية الرئيس لاميركا والعالم. قال بوش في خطاب حالة الاتحاد ان مذهبه لمواجهة الارهاب يسير على خطى «مذهب ترومان» لمواجهة الشيوعية. وأشار الى ان ترومان اسس حلف الناتو، ووزارة الدفاع، ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) ومجلس الامن القومي في البيت الابيض، وذلك «ليحمي العالم الحر». وقال بوش ان هناك يومين يشبهان بعضهما 11 ـ 9 ـ 2001 او هجمات سبتمبر الشهيرة، ويوم 7 ـ 12 ـ 1941 (يوم الهجوم على بيرل هاربر)، وقال ان كلا من اليومين «كان مفاجأة، وكان بداية صراع طويل». ودائما ما يشبه بوش نفسه بالرئيس الاميركي الراحل هاري ترومان، مفضلا اياه على الرئيس ثيودور روزفلت. والفرق ان روزفلت انضم مضطرا الى الحرب العالمية الثانية التي كانت ضد المانيا وايطاليا واليابان، وانتصر فيها الحلفاء. اما ترومان فقد خاض باختياره الحرب الباردة التي كانت ضد الشيوعية وضد الدول التي تؤمن بها (استمرت اربعين سنة، حتى سقط الاتحاد السوفيتي ومعسكر دول شرق اوروبا).

وقال بوش انه، لهذا السبب، يسير على خطى ترومان الذي «فطن، هو ومستشاروه، الى ظهور خطر جديد، وهو خطر الامبريالية الشيوعية. رآها تخطط للسيطرة على العالم. واعد لها خطة شاملة وطويلة المدى وعلى جبهات متعددة. وتعهد بإنقاذ الاجيال القادمة منها»، وهو ما يقول بوش انه يفعله الان في ما يتعلق بالاصولية المتطرفة التي تدعم الارهاب العالمي. وقد القى بوش هذا الخطاب في نفس غرفة البيت الابيض التي القى فيها ترومان خطاب اعلان الحرب الباردة. ورفض بوش ان يشبه نفسه برؤساء اميركيين غيره. فمثلا لم يشبه بوش نفسه بالرئيس جورج واشنطن الذي اعلن، في سنة 1789 في خطاب تنصيبه، ان السياسة الاميركية، الداخلية والخارجية، تعتمد الحياد و«ستوضع حسب مبادئ الاخلاق الخاصة، وهي مبادئ ثابتة. وستنفذها حكومة حرة تتمتع بكل الصفات التي تجعلها قادرة على كسب عطف مواطنيها، وعلى كسب احترام العالم» كما لم يشبه بوش نفسه بالرئيس توماس جفرسون الذي دعا، في سنة 1801 في خطاب تنصيبه، الى «السلام والتجارة والصداقة الشريفة مع كل الدول». وتعهد جفرسون، في مناسبة اخرى، بأن تسير سياسته الخارجية على مبدأ «الحياد» الذي وضعه الرئيس واشنطن. لكن التشابه بين بوش وترومان لا يقف عند حد اعتقاد كل منهما ان لديه رسالة لانقاذ العالم من «آيديولوجية شريرة». فقد كتب د. الونزو هامبي، استاذ التاريخ في جامعة اوهايو، ومؤلف كتاب «ترومان، رجل شعبي»، ان ترومان كان «رجلا عاديا»، واول رئيس اميركي في القرن العشرين لم يدرس في جامعة. كان مزارعا في اندبندانس (ولاية ميسوري). وكان ترومان، مثل بوش، متدينا. واشتهر بصلاة سماها الصحافيون «صلاة ترومان»، لأنها كانت طويلة، وكان يرددها في مناسبات كثيرة، ويقول في نهايتها «آمين، آمين، آمين» (ثلاث مرات). وكان ترومان، مثل بوش ايضا، يتندر عليه بسبب «جهله» بالمقارنة مع روزفلت الاكثر تعليما وانفتاحا وليبرالية. كما تندر بوش على «جهله» عندما قارن نفسه بالرئيس كلينتون، وبنائب كلينتون، آل غور، عندما ترشح ضده في انتخابات الرئاسة 2000. لكن يقال ان ترومان لم يتندر فقط، ولكنه احس بعقدة نقص جعلته يكره روزفلت، رغم انه كان نائبا له.

وكان ترومان، مثل بوش ايضا، يحن الى مزرعته في ميسوري، ووصف في مذكراته البيت الابيض بأنه «السجن الابيض». وكان ترومان، مثل بوش، عضوا في الجناح المحافظ في حزبه، الحزب الديمقراطي. ورغم ان الحزب كان يعتمد على نقابات العمال، فقد عاداها ترومان، لأنه شك في ان قادتها شيوعيون، واقترح ان يُقسِم كل واحد منهم، عندما يتولى منصبه، انه ليس شيوعيا. وفاز ترومان، مثل بوش، في انتخابات الرئاسة الاولى بفارق قليل جدا في الاصوات. وكما صدرت، في اليوم التالي لانتخابات سنة 2000 ، صحف اعلنت فوز غور، ولم يضمن بوش الفوز الا بعد قضايا واستئناف امام المحاكم عن طريقة عد الاصوات، حتى حكمت المحكمة العليا له، صدرت، في اليوم التالي لانتخابات سنة 1948، صحف اعلنت سقوط ترومان، منها «شيكاغو تربيون» التي كتبت عنوانا كبيرا في صدر صفحتها الاولى: «ديوي هزم ترومان».

وقد كتب هارولد ايفانز، مؤلف كتاب «القرن الاميركي»، ان ترومان بالغ في تصوير خطر الشيوعية (ربما مثلما يبالغ بوش في تصوير خطر الارهاب). وكتب ان ترومان «كان يقدر على تأسيس علاقة صداقة مع روسيا، ويكفي العالم مشاكل الحرب الباردة التي استمرت اربعين سنة». وبعد الحرب العالمية الثانية، كما كتب افريل هاريمان، سفير اميركا في روسيا، ان «كل اميركي كان يريد ان يعيش حياة هادئة، يذهب الى السينما ويشرب الكوكا كولا». وتوقع الاميركيون ان الحرب العالمية الثانية «كانت الحرب التي انهت كل الحروب». وتفاءلوا بخطة تأسيس الامم المتحدة (كان صاحب الفكرة هو روزفلت، وليس ترومان). وطالب بعض الاميركيين بالعودة الى سياسة «العزلة الرائعة» عن بقية مشاكل العالم. لكن ترومان رأى ضرورة خوض حرب ضد «الايديولوجية» التي كانت تهدد بحسب ما يرى مصالح اميركا في العالم. وكان اكثر معارضة للشيوعية، واكثر خوفا منها من الكثير من مساعديه، ربما بسبب خلفيته البسيطة، وعدم حصوله على تعليم جامعي، وقلة معلوماته عن قضايا العالم المعقدة. وقد اختلف ترومان مع روزفلت عندما وقع روزفلت على اتفاقية يالطا مع الرئيس الروسي جوزيف ستالين ورئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل. وقال ترومان ان روزفلت قدم تنازلات كثيرة، وكان يجب ان يطلب من ستالين ألا تزحف القوات الروسية نحو شرق اوروبا وتحتلها.

وعندما مات روزفلت، وخلفه ترومان، بدأ يقول علنا ما كان لا يقدر على قوله. وعندما جاء مولوتوف، وزير خارجية روسيا، الى واشنطن وقابل ترومان، خرج غاضبا من الاجتماع، وقال: «لم يتحدث في كل حياتي اي شخص بمثل هذه الحدة» وسمع ترومان ذلك، ورد: «تكلمت معه هكذا لأنه لم ينفذ ما اتفقنا عليه». ويقول ايفانز ان الحرب الباردة ربما ما كانت ستبدأ لولا شخصيتا ترومان وستالين: «كان ترومان حسن النية وغير مبدع. وكان ستالين سيئ النية وغير مبدع» واضاف: «سيجيب التاريخ على سؤال: هل كان ممكنا تجنب الحرب الباردة؟».

وكما طور بوش ومساعديه مبدأ «الضربة الوقائية» التي كانت الاساس الفكري لغزو العراق على اساس انه يشكل تهديدا لأمن العالم، طور جورج كينان، نائب السفير الاميركي في موسكو، في ذلك الوقت واعتمادا على الخوف من الشيوعية مبدأ «الاحتواء»، عندما دعا في دورية «فورين افيرز» الى احتواء روسيا. ثم ارسل برقية من خمسة آلاف كلمة الى وزير الخارجية قال فيها انه يعرف نفسية الروس اكثر من غيره، وان الروس خائفون من الغرب لأنه اقوى منهم. وقال انهم «يعانون من عقدة نقص في مواجهة الغرب، وليسوا متحضرين، ولا يعرفون اسس النقاش الهادئ. اذا انتقدتهم يصابون بعقدة نقص، واذا هددتهم بالقوة يتراجعون امامك» وقال ان «اساس سياستنا يجب ان يكون، على المدى البعيد، احتواء التوسعات الشيوعية لمدة طويلة، في صبر، ولكن في حزم ويقظة». وايد كينان جيمس فورستال، وزير الدفاع، الذي كان يريد مضاعفة ميزانية وزارته (مثل رامسفيلد)، وقد انتحر بعد سنوات قليلة، وكان متوترا خلال معظم حياته.

* ترومان ـ بوش .. لغة مشتركة > خطاب ترومان أمام جلسة مشتركة للكونغرس، مارس (آذار) 1947 > «جئت، اليوم، الى هنا لأن الوضع الذي يواجه العالم يستدعي ذلك، ولأن لذلك صلة بسياستنا الخارجية وأمننا الوطني».

> «تشكل رغبتنا في خلق الظروف المناسبة لعالم حر اساس سياستنا الخارجية. وكان هذا سبب حربنا ضد المانيا واليابان، حتى انتصرنا على مثل هذه الدول التي كانت تريد ان تفرض علينا، وعلى بقية العالم، رغبتها وطريقة حياتها».

> «لن نقدر على ان نحقق اهدافنا الا اذا ساعدنا الشعوب الحرة على دعم مؤسساتها ضد الانظمة الدكتاتورية (الشيوعية)، لأن هذه الانظمة تقوض اسس السلام العالمي، وبالتالي أمن الولايات المتحدة».

> «يعتبر البؤس والحاجة البذور التي تغذي الانظمة الدكتاتورية (الشيوعية)، وتنمو هذه البذور في تراب الفقر والمعاناة الشريرة».

> خطاب بوش أمام جلسة مشتركة للكونغرس في يناير (كانون الثاني) 2006:

> «نواجه اليوم خيارين: نطارد في ثقة اعداء الحرية، او نتراجع ونعيش حياة سهلة؟ وستحدد الاجابة على هذا السؤال مستقبل وطننا وطريقة حياته».

> «يلتزم وطننا بتحقيق هدف تاريخي وطويل المدى، وهو القضاء على الطغيان في العالم. يقول البعض ان هذه مثالية، لكن مستقبل أمن اميركا يعتمد على تحقيق هذا الهدف».

> «تستبدل الديمقراطيات الرفض بالأمل، وتحترم حقوق مواطنيها، وتحترم حقوق جيرانها، وتنضم الى الحرب ضد الارهاب. ولهذا فان كل خطوة نحو الحرية تجعل وطننا اكثر أمنا. ولهذا سنتحرك في شجاعة في سبيل الحرية».

> «لا يرفض أي شخص نجاح الديمقراطية، لكن هناك من يرفضها، وواحد من مصادر هذا الرفض هو الاسلام السياسي... يحاول اعداؤنا فرض نظام دكتاتوري قاس (الإسلام المتطرف)».