شهية الأصفر

اشترى العالم ذهبا بـ40 مليار دولار عام 2005..أغلبه كان للهند والصين وأميركا والشرق الأوسط

TT

«الذهب وجد ليبقى» هكذا قال محلل، محاولا شرح لماذا يحب العالم الذهب منذ آلاف السنين، ولماذا يتجه الناس لشرائه وتخزينه، والاستثمار فيه، وتقديمه هدايا، والافتخار باقتنائه، والتباهي بلبسه؟ فالذهب في التحليل الأخير ليس مجرد «سلعة» مضمونة القيمة على مر العصور، انه جزء من الثقافة والذوق وطريقة الحياة لدى الغالبية العظمى من سكان الأرض، وهو اكبر تأثيرا وانتشارا من أي «سلعة جمالية» أخرى. ووفقا لمجلس الذهب العالمي، فإن العالم انفق اكثر من 45 مليار دولار عام 2005 على شراء الذهب، 60% من الذهب الذي بيع ذهب الى المناطق الريفية من الهند والصين ومنطقة الشرق الاوسط وهي اكثر دول العالم استهلاكا للذهب الى جانب اميركا، ويوضح تجار الذهب ان ذلك يرجع الى ان الدخل الزراعي غير خاضع للضريبة، ولأن النساء غير المتعلمات يفضلن الاستثمار في الذهب كضمان. ومع ان شهية العالم للذهب كبيرة بكل معنى، الا انه لا شىء يشبه شهية الهنود للذهب، فهم اكثر شعوب الارض شراء للذهب. وتشتري الهند على الأقل خمس انتاج العالم من الذهب سنويا. ويعتقد الخبراء وجود ما يتراوح بين 15 الف و20 الف طن من سبائك الذهب والمجوهرات، تمثل 11% من اجمالي انتاج الذهب في العالم، في اقبية المصارف الهندية والخزائن في المنازل التي توجد بها نصف مدخرات البلاد. وعلى الرغم من ان الهند ليست من أكبر الدول المنتجة للذهب مثل جنوب افريقيا، التي تنتج 72% تليها الولايات المتحدة واستراليا والصين وكندا وروسيا واندونسيا وبابوا نيوغينيا وغانا والبرازيل والأرجنتين، إلا أنها اكبر مستهلك للذهب في العالم، فهي تستهلك مثلا ضعفي استهلاك اميركا، على الرغم من ان الناتج القومي الهندي يبلغ 1 على 20 فقط من اجمالي الناتج القومي الاميركي. ومن الطبيعي ان يكون هناك علاقة بين عدد السكان وبين كمية استهلاك الذهب، فهناك 1.2 مليار صيني، ومليار هندي، و300 مليون عربي، و60% من اجمالي هذه الشعوب تشتري وتخزن الذهب بشكل منتظم. ويرى بعض المحللين أن الطلب على الذهب له صلة بالرفاهية الاقتصادية، لأن الذهب يستخدم كمجوهرات. لكن آخرين يربطون سعر سبائك الذهب بأسعار النفط. ففي الفترة الأخيرة جاءت أكبر الطلبات على الذهب من آسيا والشرق الأوسط. فالعرب يشترون الذهب بشكل كبير. وهم يقومون بذلك من خلال تركيا ودبي بالامارات العربية المتحدة. ويقول البعض ان لهذا تبريرا دينيا، فالذهب يتوافق مع الدين الإسلامي أكثر من الأوراق النقدية والسندات الحكومية، التي يرى البعض فيها شبه ربا.

ويقول فاراغافا فيديا محلل سبائك الذهب إن «الطلب على الذهب، استمر في التزايد في الشرق الأوسط أيضا، مع النمو الاقتصادي الكبير، الذي تعيشه السعودية والإمارات العربية. وتابع «أظن أن استهلاك الذهب في الشرق الأوسط، من حيث القيمة المطلقة سينمو خلال عام 2006، خصوصا بسبب السياحة التي تزداد يوما بعد يوم. وبدأ الناس هناك بقبول أسباب زيادة أسعار الذهب، وهم يشترونه على كل المستويات».

وأصبحت دبي نقطة استقطاب لتجارة الذهب في الشرق الأوسط وباكستان والهند. وفي عام 2005 استوردت إمارة دبي وحدها 523 طنا من الذهب، بسبب قربها من مستهلكي الذهب في الهند والسعودية.

وعلى الرغم من وصول سعر الذهب الى أعلى مستوياته في 24 سنة، حيث وصل سعر الاوقية الى 541.2 دولار، في العام الماضي، فإن شهية الهند للذهب لم تنكمش. ويقدر مجلس الذهب العالمي ارتفاع مشتريات الهند بنسبة 33% في عام 2005، حيث وصلت 850 طنا ثمنها 7 مليارات دولار. ويقدر الخبراء ان مشتريات الهند من الذهب ستصل الى الف طن خلال العامين القادمين. والسؤال هو، لماذا يستمر الهنود وغيرهم من سكان الشرق الاوسط والصين في شراء الذهب؟ يشير البعض الي ان ذلك يرجع الى الثقافة المالية السائدة، خاصة لدى الطبقات الفقيرة. فالمستثمرون لا يتمتعون بحقوق كافية، كما تنتشر نظم مالية ضعيفة، ولا يثق الناس كثيرا بالبنوك ولا في اسواق المال ويفضلون تخزين ثرواتهم في ودائع ملموسة، مثل الذهب والعقارات والاراضي بصفة خاصة. كما ان تقلبات اسعار الذهب تصل الى 18% بالمقارنة بتقلبات مؤشرات اسواق المال العالمية التي تصل الى 25% مما يجعل الاستثمار فيه أكثر خطورة. وبالمقارنة بالمجالات الاستثمارية الاخرى، مثل السندات الحكومية والودائع المصرفية، فإن عائدات الاستثمار في الذهب اكبر. ويقول كي. شيفرام نائب رئيس مجلس الذهب العالمي في الهند «نعم بدأ الطلب على الذهب في الطبقات العليا من المجتمع ينخفض». وزيادة الطلب الحالي على الذهب يرجع إلى الطبقات المتوسطة، بل والطبقات الفقيرة ـ وهو دليل على ثورة اقتصادية تتبلور في المستويات الدنيا من المجتمع. ومن الاسباب المهمة الاخرى للاستثمار في الذهب هو سيولته. فسيولة الذهب اكبر بكثير من «الودائع البديلة»، مثل العقارات والاوراق المالية. ويمكن الاتجار فيه على مدار اربع وعشرين ساعة في اليوم. والمنطق وراء الاستثمار في الذهب يبقى دائما كما هو، حتى بالنسبة للمستهلك. وسواء كنت تتبع اسلوبا محافظا او العكس في الاستثمار ـ سواء كان الهدف الرئيسي هو السلام او الدخل او النمو ـ فيمكن للذهب ان يلعب دورا ايجابيا في أية حافظة استثمارية. ويتفق المستثمرون المحترفون على ان التوازن والتنوع امران ضروريان لنجاح أية حافظة استثمارية، حيث يمكن للذهب ان يؤدي الى توازن أية حافظة استثمارية، ويخفض تقلبات الأسعار في الأسواق الأخرى.

ويوجد في الهند 150 الف مكتب بريد في المناطق الريفية في الهند تقدم مشاريع للادخار، وبالرغم من ذلك يفضل المزارعون وعمال المزارع وصغار التجار، بل واقتصاد القرى بأكملها، شراء الذهب. والمنطق وراء شراء الناس لكميات صغيرة من الذهب لبناتهن في تلك القرى ـ هو ان الذهب هو الملجأ الأخير. كما انه ايضا، كما يقول العديد من الناس، الوسيلة المؤكدة للحفاظ على المال، سواء من اللصوص او من محصلي الضرائب. فعلي سبيل المثال، حدث تدافع على شراء الذهب في العام الماضي، عقب تعرض مناطق من الهند الي كارثة التسونامي بعدما استخدم ضحايا الكارثة نصف اموال المساعدات التي حصلوا عليها لشراء مصوغات ذهبية.

ويقول البرفسور ننوشاد علي آزاد خبير الشؤون الاقتصادية في «معهد الجمعية الاسلامية» بالهند «يمكنهم وضعها والحفاظ عليها، وهي في شكل لا يمكن تبديده». ويلاحظ ان القلق بخصوص الوضع الامني ليست وقفا على الفقراء في الهند. فالطبقة المتوسطة المتنامية لا تزال تشعر بالشك في الاستثمار المالي، بل وفي ودائع المصارف، ويفضلون الودائع الملموسة مثل الذهب والعقارات. وأوضح آزاد «لا توجد لدى الهنود نفس مستوى الثقة في المؤسسات المالية الهندية، مثلما يثقون في الذهب». وكان آزاد قد قدر في تقرير سابق ان الودائع المالية في الهند تصل الى 900 مليار دولار ـ تشمل ودائع المصارف والاسهم والسندات ـ وهي تمثل خمس نظيرتها في الصين. وقال آزاد «مع زيادة الثروة ونمو الدخل، يتوقع المرء أن يرى قطاعات مصرفية ومالية أكثر في الهند. إنه يحدث ببطء. حتى مع الإصلاحات، فإن الهنود لن يتركوا ذهبهم من أجل أسهم أو سندات مالية بسرعة. وفي العام الماضي، بلغ متوسط عائد الاستثمار في الذهب فى الهند، ما يتراوح بين 20% الى 30%، بالمقارنة بما يتراوح بين 6% الى 7% استثمارا فى ودائع المصارف. فالمصوغات الذهبية، هي الطريق للحماية ضد انخفاض سعر الروبية امام الدولار الاميركي.

وفي البلدان الغربية تباع مجوهرات الذهب بسعر ثابت وتتراوح الأسعار العالية ما بين 100% و300% وأكثر من قيمة محتوى الذهب، بينما في الهند تباع مجوهرات الذهب بأسعار متقلبة، وتكون الأسعار الدنيا لها صلة بالقيمة الغالبة لمحتوى الذهب فيها، وهذا ما يجعلها شكلا مفضلا من الاستثمار.

وقال أجاي ماهاجان الاقتصادي الهندي البارز، إن «الذهب يعتبر بديلا عن العملات. وسيتجه المستثمرون إلى الذهب بدلا من الدولار أو الين أو اليورو».