أبو حمزة المصري .. الغلو و«قرص العسل»

مظهره ولغته الإنجليزية والفضائيات ساعدت على شهرته.. ومسجد صغير في برايتون حول حياته

TT

عندما جاء الشاب المصري مصطفى كامل مصطفى الى بريطانيا 1979، كان يحلم بأن يصبح مهندسا مدنيا. ومع أنه كان ملتزما دينيا، إلا أنه لم يكن متشددا. ولهذا عندما أحب الشابة البريطانية فاليرى فليمينغ، لم يتردد فى الزواج منها، أو في العمل كحارس أمن في ملهى ليلى لتغطية نفقات الحياة. ونقطة التحول التي حولت الشاب الطموح مصطفى كامل مصطفى إلى أبو حمزة المصري الاصولي المتشدد، الذي حكم عليه القضاء البريطاني بالسجن 7 أعوام بتهمة التحريض على القتل، وبث أفكار تحض على الكراهية الدينية هي مسجد في برايتون، كان مركزا للأصوليين المتشددين، كان المسجد خفيا عن الأعين والاهتمام في الثمانينات من القرن الماضي، عندما كانت جهود الشرطة البريطانية منصبة على الجيش الجمهوري الايرلندي، ولم يكن موضوع التشدد الأصولي قد برز على السطح بعد. ولد أبو حمزة المصري في مدينة الإسكندرية في مصر لعائلة من الطبقة المتوسطة. ويقول من يعرفوه عن قرب انه يحب الاستمتاع بمتع الحياة، واحيانا يغالي في هذا. فالمغلاة جزء من طبيعة من يولدون على السواحل، المغالاه في الافكار والمغالاة في السلوك. فهو على الرغم من اصابته بالسكر، الا انه مغرم بصواني البسبوسة الغارقة في السمن والقشطة التي يلتهمها وهو في سعادة، بمنزله بغرب لندن، بالاضافة الى حبه الشديد للكابوريا وابو جلامبو والقراميط والأسماك البحرية بأنواعهما المختلفة، التي كان يذهب بسيارته لشرائها من سوق السمك بشرق لندن فجر كل يوم سبت، وكان ينتقيها بخطافه بخبرته القديمة كاسكندراني أصيل. ومع أن الآراء تتلاقى حول ميله للغلو، إلا انها تتناقض حول سيطرته على نفسه وميله للغضب والتعبير عن هذا الغضب، فالذين كانوا يحضرون دروسه في مسجد فنسبري بارك، يقولون انه كان حليما وصبورا مع الذين يخالفونه في الرأي، الا أن امام مسجد برايتون، الذي كان ابو حمزة يعمل فيه سابقا، يقول انه لاحظ مبكرا ميول أبو حمزة العنيفة، وميله للرأي الذي يعتقده، وعدم قدرته على رؤية المختلفين معه في الآراء، وذلك اضافة الى افكاره المتشددة. ولا تخلو شخصية ابو حمزة من السخرية، فهو طالما سخر وتهكم من انتقادات الكثيرين له، خلال دروسه من على منبر مسجد فنسبري بارك، او في الشارع بعد اغلاق المسجد، كما كان يرد على الصحافيين او يبتسم بتهكم على صرخات اليمين المتطرف الذين كانوا يناصبونه العداء، ويوجهون اليه السباب والشتائم. إلا أن اشهر تهكماته هي عندما قال لأحد المذيعين على تليفزيون «بي.بي.سي» خلال مقابلة تلفزيونية «انتم تخافون من أجراس انذار الحريق، اكثر مما تخافون من نار جهنم». لكن لا يخلو الرجل من ذكاء، فهو بعدما حاز شهادة الهندسة، عمل مهندسا في أكاديمية ساند هرست العسكرية البريطانية الراقية، إلا انه لم يستمر فيها طويلا. وفي ملابسات ليست معروفة تماما، وبعدما طلق زوجته البريطانية 1980 غادر ابو حمزة بريطانيا الى افغانستان للقتال ضد الاحتلال السوفييتي، وايضا في ملابسات ليست معروفة تماما أصيب في انفجار لغم تسبب ببتر يديه وتشويه عينه 1990. لكن تجربة افغانستان كانت التجربة الثانية التي حولت مجرى حياته، فهي عززت ميوله المتشددة، وعززت علاقاته بالكثير من الاصوليين المتشددين، وهناك والى جانب القتال، كان يبحث ويتناقش حول الخلافة الاسلامية وتطبيق الحدود، والعودة لـ«الإسلام الأصلي». ومن ابرز ما عثرت عليه الشرطة في منزله كتاب «موسوعة الجهاد الافغاني»، وهو الكتاب الذي استخدمته هيئة الادعاء فى محكمة «اولد بيلي» لإدانته، فغلاف الكتاب عليه صورة كلاشنكوف وفصول الكتاب حول الاغتيال، وصناعة المتفجرات، مع صور لتمثال الحرية في نيويورك وبرج ايفل في باريس، وساعة بيغ بن في لندن كأهداف مستقبلية محتملة. وهو لم ينس في مقدمة الكتاب شكر اسامة بن لادن زعيم «القاعدة». وعندما عاد ابو حمزة المصري الى بريطانيا بعد اصابته، وبعد رفض لندن تسلميه الى مصر 1993، كانت السلطات البريطانية، ورغبة منها فى تعزيز الاندماج بين المسلمين وباقى اطياف المجتمع البريطاني، ترحب ببناء المساجد والمراكز الاسلامية. ولهذا لم يكن غريبا ان يدعم الأمير تشارلز شخصيا بناء مسجد فنسبرى بارك، كما لم يكن غريبا ان لا تنتبه الشرطة البريطانية كثيرا الى نشاطات المسجد تحت قيادة ابو حمزة المصري. إلا أن خطبه في فينسبيري بارك، كانت تحولا كبيرا في الخطابات التي يقدمها الدعاة المسلمون في المساجد البريطانية، فهي كانت متشددة، تدعو للقتل، وتستخدم لغة تحريضية. وكعادة هذا النوع من الخطابات، اجتذبت النقيضين، المتطرفين الإسلاميين، والمتطرفين اليمينيين، ما جعل الأجهزة الأمنية تضع نشاطاته نصب أعينها منذ ذلك الحين، وجرى ربطه لاحقاً بتنظيم «القاعدة». ومع موجة الفضائيات العربية، تحول أبو حمزة إلى نجم فضائي يفتي في الدين والسياسة احيانا، ويدلي برأيه ايضا كمهندس مدني في سقوط البرجين في تفجبرات نيويورك، مما عزز شعبيته لدى قطاع من المسلمين في بريطانيا والخارج، وساعد على هذا لغته الانجليزية الجيدة جدا، ومظهره المثير للانتباه، خاصة خطاف اليد، والعباءة، والعمامة. الا ان قطاعات اخرى من المسلمين اختلفت معه، وقالت انه يشوه صورة الاسلام، وقيمه. وحتى وقت قريب كانت الشرطة البريطانية، لا تلقي بالا الى «اقوال» أبو حمزة المصري في خطبة، الا انها لاحقا بدأت تلقي بالا إلى «افعاله»، فقد ارتبط اسمه في شباط (فبراير) 1999، بمجموعة من الاشخاص اتهموا باختطاف أجانب في اليمن، واتهمته صنعاء بالوقوف وراء مخطط إرهابي وطالبت بتسليمه إليها. واعتقلت شرطة اسكوتلنديارد أبو حمزة في وقت لاحق، للاشتباه في ضلوعه بنشاطات إرهابية في اليمن. ثم أخلي سبيله بعد أيام من دون توجيه أية اتهامات إليه.

وعلى رغم مناداته المستمرة ببراءته من التحريض والعنف. أغضب ابو حمزة المصري، الكثير من الدعاة الاسلاميين والمسلمين فى العالم، بعد إشادته بأسامة بن لادن وإعلان تأييده له بعد اعتداءات 11 سبتمر (أيلول) 2001. وفي فجر أحد أيام كانون الثاني (يناير) 2003، اعتقلت الشرطة في لندن سبعة أشخاص في فنسبري بارك، وعثر بحوزتهم على مسدسات مقلدة وأقنعة للغاز وغيرها، وسكاكين، وملابس واقية من الغازات، والمئات من جوازات السفر المزورة. بالإضافة الى كتب وأفلام فيديو حول القتال والافكار المتشددة. وساعتها وصفت السلطات البريطانية المسجد، بأنه كان «قرص عسل» المتشددين، يأتون اليه من كل حدب وصوب، ولاحقا قالت السلطات البريطانية إن زكريا موسوى، وأحمد رسام، وأنس الليبى، وريتشارد ريد، وكلهم متورطون فى قضايا ارهابية، زاروا المسجد على الأقل مرة واحدة. وفي شباط (فبراير) 2003، وصف أبو حمزة المركبة الأميركية كولومبيا بأنها «ثالوث الشيطان»، لضمها مسيحيين ويهوداً وهندوساً على متنها، واعتبر تحطمها عقاباً من الله، مما أثار ايضا استياء الكثير من المسلمين، مؤكدين أنه يمثل صوت اقلية قليلة من الأصوليين المسلمين، ولا يتحدث بلسان الاسلام. وفى مايو (أيار) 2004، اعتقل، وفي أعقاب اعتقاله، تم التحفظ على أكثر من ثلاثة آلاف شريط صوتي و600 شريط فيديو، تحوي عظات تحريضية بهدف توزيعها على نطاق واسع، كانت الاساس المادى لادانته. وخلال محاكمته رأى المحلفون واستمعوا الى سبع من خطبه، ليكوّنوا فكرة أفضل عن محتوى كلامه. ودفع أبو حمزة ببراءته من التهم الخمس عشرة الموجهة اليه، مؤكدا انه لم يوجه يوما اية دعوة الى المصلين لقتل أي شخص في بريطانيا، أو أي مكان آخر في العالم. لكن في الخطب التي استمع اليه المحلفون، كان يدعو فيها الى جعل الاعداء «ينزفون» حتى لو اقتضت الحاجة استخدام سكين مطبخ، حتى النساء والاطفال منهم. وفي خطاب ألقاه عام 1997 فسر للحاضرين كيفية العيش «وسط غير المسلمين الد اعداء الاسلام». وقال ايضا ان الطريق المؤدي الى تحويل بريطانيا الى دولة خلافة «سيكون طريقا طويلا داميا». ويفترض أن يقضي أبو حمزة في السجن ثلثي مدة عقوبته على الأقل أي 56 شهرا. وهو أمضى حتى الآن 18 شهرا في السجن ستخفض من عقوبته. أي انه سيخرج من السجن بعد نحو عامين، إلا أن أميركا بدأت اجراءات المطالبة بتسلمه، بعد اطلاق سراحه فى بريطانيا، ومن شبه المؤكد أن يسلم الى واشنطن بعد ذلك. ولا أحد يعرف بعد تأثير تجربة السجن على أبو حمزة، وهل سيغير اسلوبه الخطابي. أو «يطلق بالثلاثة» المنبر وأجهزة الاعلام والمحطات الفضائية، التي شاركت في صنع نجوميته، وجعلته يعتقد أن خطابه المتشدد سيكون دوما كقرص العسل قادرا على الجذب. فالداعية المثير للجدل، الذي نجح دائما في الهرب والانزلاق من المطبات الكثيرة التي مرت بحياته وقع في المطب، والمطب هنا ليس السجن فقط، بل بالأكثر الخطاب الذي بنى عليه شعبيته، والذي يبدو اليوم ان انصاره يتضاءلون، أو على الأقل يختبئون، فيوم إصدار الحكم عليه تظاهر تأييدا له.. شخص واحد فقط.