الفأرة الطموحة

سيغولين رويال.. النجمة الصاعدة داخل الحزب الاشتراكي الفرنسي تهدد الأفيال

TT

لم تكشف سيغولين رويال بعد عن برنامج رئاسي انتخابي، ولا يعرف ما إذا كان لديها برنامج بهذا المعنى. ليس لديها حزب خاص بها أو شبكات نفوذ في الأوساط الفاعلة الاقتصادية والمالية والسياسية المحلية. لا تشغل الآن أي منصب من الطراز الأول، ولا وظيفة لها في الحزب الذي تنتمي إليه، أي الحزب الاشتراكي. ومع ذلك، فإن سيغولين رويال النائبة في البرلمان ورئيسة منطقة بواتو ـ شارنت، الواقعة جنوب غرب باريس «ملأت الدنيا» وشغلت «فيلة» السياسة داخل اليمين واليسار معا. «الفأرة»، كما وصفتها صحيفة «لو فيغارو» قبل أيام، في مواجهة ديناصورات الحزب الاشتراكي، آخذة في فرض نفسها على الطبقة السياسية الفرنسية كمرشحة جدية للانتخابات الرئاسية، التي ستجرى ربيع العام القادم. و«الفأرة» أصبحت نجمة حقيقية الى درجة أن صحيفة «فايننشال تايمز»، كرست لها الخميس الماضي مقالا مطولا وجعلت منها «النجمة الصاعدة» في السماء الفرنسية.

وللمرة الأولى، أظهر استطلاعان للرأي أن سيغولين رويال قادرة على إلحاق الهزيمة بالمرشحين اليمينيين الأوفر حظا في المنافسة الرئاسية، وهما وزير الداخلية الحالي ورئيس حزب التجمع من أجل حركة شعبية نيكولا سركوزي، ورئيس الحكومة دومينيك دو فيلبان. وبحسب استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة BVAونشرت نتائجه القناة الإخبارية «أل سي أي»، فإن سيغولين رويال يمكن أن تهزم وزير الداخلية بنسبة 51 بالمائة، مقابل 49 بالمائة لسركوزي، في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، فيما يمكنها أن تحصل على 52 بالمائة، إذا كان خصمها رئيس الوزراء دو فيلبان. ويعطي الاستطلاع الآخر، الذي أجرته مؤسسة «سي أس أي» لصالح صحيفة «لو باريزيان» نتائج مشابهة، 51 بالمائة لرويال و49 بالمائة لسركوزي.

فمن هي هذه المرأة؟ ولدت رويال عام 1953 في عائلة من ثمانية أطفال في دكار، عاصمة السنغال، حيث كان يخدم والدها الكولونيل في سلاح المدفعية الفرنسي. وعام 1982، تعرفت على جاك أتالي، المستشار الخاص لرئيس الجمهورية الاشتراكي فرنسوا ميتران، الذي لفتت انتباهه بحدة ذكائها وشخصيتها القوية، فعينها مستشارة تقنية في القصر الرئاسي مولجة شؤون الشباب والرياضة، وفي عام 1988، فرضها ميتران مرشحة عن الحزب الاشتراكي في منطقة ليه دو سيفر، جنوب غرب فرنسا. ومن النيابة انتقلت بعدها الى الوزارة، حيث شغلت ثلاث حقائب متتالية، هي البيئة والتعليم المدرسي وحقيبة الشؤون العائلية في وزارتين متلاحقتين.

وقبل وصولها الى القصر الرئاسي، كانت سيغولين رويال، قد تعرفت على رفيق دربها فرنسوا هولند، الذي أنجبت منه أربعة أولاد، من دون أن ترتبط به برباط الزواج. وتلتصق بسيغولين رويال صورة المرأة الأقرب الى التقليدية والمتحلية بالفطرة والصراحة، التي لا تخاف من الإعلان عن آرائها بصراحة، خصوصا في المسائل الاجتماعية والعائلية والتعليمية، بعيدا عن لغة واسلوب التكنوقراطيين، ولذا فالفرنسيون، خصوصا النساء والشباب يجدونها قريبة منهم وتجسد توقهم لمجتمع تجد المرأة فيه مكانها وتصل الى أعلى المناصب الحكومية. وحتى الآن، فإن أعلى منصب وصلت اليه المرأة في فرنسا، هو رئاسة الحكومة، الذي قدمه ميتران على طبق من فضة الى الوزيرة أديث كريسون عام 1991. غير أن هذه التجربة لم تدم طويلا، فاضطرت كريسون الى الاستقالة في العام التالي. ورغم التطور الذي أصاب فرنسا في العقود الأخيرة، فإن حضور المرأة في البرلمان والحكومة ومناصب الفئة الأولى ما زال هامشيا، علما بأن ثمة قانونا يلزم بالتساوي في التمثيل بين الرجل والمرأة.

ومن هذا المنطلق، فإن صعود سيغولين رويال وطموحها لأعلى المناصب في الجمهورية الفرنسية الخامسة استثنائي. لكنها ليست المرأة الوحيدة الطامحة إليه، فوزيرة الشؤون الاقتصادية السابقة مارتين أوبري، التي هي ابنة رئيس المفوضية الأوروبية الأسبق، أعلنت عزمها على التنافس للفوز بترشيح الحزب الاشتراكي. وفي أوساط اليمين، تحضر وزيرة الدفاع ميشال أليو ماري نفسها، لعل الظروف تتوافر لها لتخوض المنافسة الى جانب سركوزي ودو فيلبان، وربما كمرشحة تسوية بين الطرفين. والأمر نفسه قائم داخل الحزب الشيوعي. فأمينة عام الحزب والوزيرة السابقة ماري جو بوفيه، تتهيأ بدورها للمنافسة الكبرى، مثلها كمثل مرشحة اليسار المتطرف أرليت لاغييه.

غير أن الفرق بين هؤلاء الطامحات وسيغولين رويال، هو أن الأخيرة قطعت شوطا كبيرا على طريق الترشح وأخذت تستقي شرعية من نتائج استطلاعات الرأي.

ويأتي صعود نجم سيغولين رويال، ليعيد خلط الأوراق داخل الحزب الاشتراكي، ذلك أن الطامحين من هذا الحزب كثر ومنهم رفيق دربها أمين عام الحزب الاشتراكي فرنسوا هولند. والمفارقة أن هولند قد يجد تفسه مضطرا الى الانسحاب من السباق، إذا تبين أن حظ سيغولين رويال أكبر من حظوظه. ومن أجل تلافي تعقيدات إضافية، أعلن هولند أن تسمية المرشح الاشتراكي الى المنافسة الرئاسية لن تتم قبل الخريف القادم، مما يترك له الوقت الكافي حتى يقرر استراتيجيته. لكن «فيلة» الحزب الاشتراكي لن ينحنوا أبدا أمام سيغولين رويال. فالعديد منهم يرى نفسه أكثر جدارة منها لا بل «يهزأ» من جهلها بالملفات الاقتصادية والسياسية وعدم خبرتها في شؤون السياسة الدولية. والى جانب فرنسوا هولند، هناك على الأقل أربعة مرشحين اشتراكيين، ثلاثة منهم اعلنوا مبدئيا ترشحهم، فيما الرابع لا يزال ينتظر. والثلاثة هم رئيس الحكومة الأسبق لوران فابيوس ووزير الاقتصاد السابق دومينيك شتروس خان ووزير الثقافة السابق جاك لاتغ. أما المرشح المحتمل الرابع فهو ليونيل جوسبان، رئيس الوزراء السابق والمرشح سيئ الحظ عام 2002 ضد الرئيس جاك شيراك. وهذا الأخير لن يكشف أوراقه بعد أن أعلن عزلته السياسية، إلا إذا عاد بصفة «المنقذ» الذي سيخرج الحزب الاشتراكي ومعه اليسار بكامله من خسارة محققة أو من أزمة داخلية حادة.

وتبدو «اللعبة» معقدة للغاية داخل الحزب الاشتراكي وشبكة التحالفات غير «مظهرة» تماما. وتراهن سيغولين رويال، التي لا تريد حرق المراحل وتسعى لتحاشي المنزلقات الخطرة وعدم كشف كل أوراقها، على شعبيتها المتزايدة وعلى استطلاعات الرأي لتفرض نفسها على تجمع «الفيلة».