من هو المتطرف؟

هو في نظر البعض من يلبس السروال ويطلق لحيته .. غير أنه في نظر آخرين من يرفض احترام العقائد المخالفة

TT

المتطرف الاصولي في نظر البعض، هو ذلك الشخص الذي يرتدي السروال الافغاني ويطلق لحيته، غير انه من جهة اخرى يصوت في الانتخابات، ولا يحمل عداء للآخر. الا ان المتطرف في نظر البعض الاخر، هو الشخص الذي ينعزل عن المجتمع في «غيتو» خاص به، ويعتقد دوما أنه على حق ومن يخالفونه الرأي هم من الكفار، ولو كانوا مسلمين. وهو ايضا الشخص الذي لا يعترف بالديمقراطية الغربية، ويعتبرها كفرا بواحا، ويعتبر الليبرالية وتيارات العلمانية من «جراثيم النفاق على الارض»، ويؤمن ان «الجهاد ذروة سنام الاسلام». ان تعريف المتطرف بات امرا محيرا. فاوروبا تشهد جدالا محتدما حول طرق التعامل مع رجال الدين الاسلاميين المتطرفين الذين يمكن ان يهددوا لحمتها الاجتماعية، وعلاقة المسلمين فيها بغيرهم من الجماعات الدينية. وحاليا تشهد بريطانيا مناقشات ساخنة حول تعريف «الحض على الكراهية» و«تمجيد الارهاب»، لان هذين المفهومين سيكونان حاسمين في المصادقة على قانون بريطانى جديد يسمح باعتقال وترحيل الائمة ورجال الدين، الذين يحضون على الكراهية وتمجيد الارهاب. «الشرق الأوسط» توجهت الى عدد من الاسلاميين والمهتمين بالظاهرة الاسلامية، لتقف على تعريفهم الخاص لـ«من هو المتطرف في نظرهم؟»، طار+حة عليهم عددا من الاسئلة حول تطبيق الشريعة والجهاد والموقف من الانتخابات والديمقراطية الغربية. يقول منتصر الزيات محامي الاسلاميين في مصر، ان «المتطرف هو الشخص الذي يعتقد أنه وحده الذي يمتلك الحقيقة وأن مم سواه. كل من سواه على خطأ». ويوضح الزيات ان مصطلح التطرف نسبي ويختلف من استخدام لآخر. فهو مثلا لا يعتقد ان الانتخابات حرام، وبالتالي فالمتطرف في رأيه هو الشخص الذي لا يؤمن بالانتخابات. ويقول «يتوجس بعض الناس من الديمقراطية، لأنها مصطلح أجنبي جاء من الغرب. هذا مع أن ديننا ليس فيه ما يمنعنا من أن نأخذ بكل خير أقره العقل وأثبتت التجربة جدواه». ويضيف «لعل من أسباب رفض البعض للديمقراطية أننا ورثنا الاستبداد كابراً عن كابر لزمن طويل. فدولة الشورى غابت منذ القرن الأول، وابتلينا بالتقليد، وهو شكل من أشكال الاستبداد، في مجال الفقه والتربية في أزمان ساد فيها التصوف الذي يلغي إرادة الناس. فأصبحنا بذلك مجتمعاً ينتج الاستبداد ويتحرك في إطاره. فلما انفتحت النوافذ وجاء الهواء لم نستطع أن نتعايش مع الفكر الحديث وبادرنا برفضه». ويتابع إذا كانت الديمقراطية تعني أن يختار الشعب حكامه ويحاسبهم عبر مؤسسات منتخبة، لا يعلوها إلا القانون المستمد من تراثنا الإسلامي وقيمنا الدينية، فإن أيا من التيارات الإسلامية على ما أزعم تقبل هذا الطرح، بل وتعمل على إقامته». واذا كان القبول بالديمقراطية في نظر الزيات لا يتناقض مع كون الشخص مسلما ملتزما، فإن عمر بكري، الزعيم الاسبق لجماعة «المهاجرون» الأصولية، التي حلت نفسها في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، والمقيم حاليا في بيروت، قال لـ«الشرق الأوسط»، قبل منعه من التحدث الى الصحافة او القاء المحاضرات حول المسائل الفقهية عبر وسائل الإنترنت، وفق اجراءات أمنية في لبنان طبقت ضده مؤخرا، انه يرى ان الديمقراطية تتناقض مع صحيح الاسلام. ويقول بكرى، الأصولي المتطرف في إعلام الغرب والشرق، هو المسلم الصادق الملتزم بالأحكام الإسلامية، الذي يرفض المفاهيم والقيم الغربية، ومنها العلمانية والديمقراطية والمفاهيم والثقافة الغربية، والمتطرف في نظرهم هو الذي يجاهد بدينه وعرضه وأرضه. أما المسلم المعتدل من وجهة نظر الغرب فهو من التزم بمفاهيم الغرب وترك الفهم الإسلامي. غير ان بكري يفرق بين الانتخابات كآلية والديمقراطية كنظام قائم على سيادة الانسان، موضحا «الديمقراطية غربية كانت أم شرقية دين كفر وإلحاد، لأنها تعني أن الشعب مصدر السلطات وأن الحاكمية للإنسان». ويضيف «يخلط البعض بين آلية الانتخاب والديمقراطية، كمفهوم يعني أن الشعب يشرع من دون الله». الإسلام يقول إن الوحي الذي من عند الله عز وجل، هو المصدر الوحيد للتشريع. وتساءل «لمن الحاكمية أهي للإنسان العاجز المحتاج أم هي لمن خلقه وصوره وأوجده وهو الله عز وجل؟». وماذا عن موضوع السعي لاقامة الخلافة الاسلامية؟ يقول الجزائري عبد الله انس، صهر الشيخ عبد الله عزام الزعيم الروحي لـ«الافغان العرب»، ان السعي لاقامة الخلافة الاسلامية ليس نوعا من التطرف، فهو هدف يسعى المسلمون الى تحقيقه بموجب الآية الكريمة «وان هذه امتكم امة واحدة»، موضحا ان هذه الوحدة لم يلزم الله عباده تحقيقها تحت اسم معين او شكل معين، ويمكن ان ترى في صورة الوحدة العربية بين الدول او الولايات العربية، او الاتحاد الاسلامي من خلال تجمع برلماني او تجمع للعلماء ايضا. كما لا يعتبر عبد الله انس، الذي شغل من قبل مدير مكتب خدمات المجاهدين ابان فترة تحرير افغانستان من الوجود الروسي، ان الانتخابات نوعا من التغريب والبعد عن مبادئ الاسلام، ويقول «الانتخابات وسيلة لفض المنازعات، وهي وسيلة حضارية توصل اليها الابداع البشري، لاختيار الممثلين الشرعيين بطريقة التراضي، وهذا مبدأ امر به الاسلام الحنيف، قبل اكتشافه في الديمقراطيات الغربية». لكن هل هناك نقاط مشتركة بين تعريف الاسلاميين العرب من ناحية، والاسلاميين البريطانيين، او المهتمين بالظاهرة الاسلامية في بريطانيا من ناحية اخرى لكلمة متطرف. يقول عنايات بنجلاو، المتحدث الاعلامي باسم «المجلس الاسلامي البريطاني»، انه شخصيا لا يستخدم كلمة «متطرف» في توصيف الاخرين، الا انه يعترف بان اشخاصا فيهم بعض صفات التطرف موجودون الان في نسيج المجتمع البريطانى. واعتبر بنجلاو ان المتطرفين هم الذين ينظرون بعنصرية الى الاخرين، الذين يخالفونهم في الرأي، سواء كانوا مسلمين او غيرهم. فيما يقول الكاتب البريطاني نيك فالدنج خبير شؤون «القاعدة» والصحافي السابق بـ«الصنداي تايمز» البريطانية، ان المتطرف الاسلامي موجود في الشارع البريطاني يتجول بحرية من دون رقابة، ولكنه منعزل عن المجتمع او يسعى لعزل نفسه وعائلته عن بقية افراد المجتمع. ووصف المتطرف بانه «التكفيري»، وكذلك «السلفي الجهادي»، وكلاهما موجود في الشارع البريطاني. وقال ان التكفيري «هو الاكثر خطورة»، لانه خارج عن المجتمع، ويعتبر في الوقت ذاته ان المحيطين به الذين لا يؤمنون بافكاره هم اعداؤه. وأشار الى ان الفكر التكفيري اختفي من العالم الاسلامي لمدة 600 عام، ولكنه عاد الى اوروبا من مصر، مع طالبي اللجوء السياسي، الذين تعرضوا الى التعذيب في السجون المصرية خلال فترة الستينات. من جهتها، قالت السيدة مدثر ارني محامية الأصولي ابو حمزة المصري، الذي يقضي عقوبة السجن سبع سنوات في سجن بيل مارش، انها لا تستخدم لفظ «متطرف» أو «متشدد اسلامي» مع عملائها لتوصيفهم، ولكن من وجهة نظرها الخاصة، فان الاسلاميين او الاصوليين، هم الذين يلتزمون بقواعد الاسلام الحنيف ويطبقونه في حياتهم اليومية، وهى لا تعتقد ان هؤلاء يمكن ان يوصفوا بالمتطرفين. ومع ان لفظ التطرف والمتطرف يستخدمه البعض بسهولة، وكأنه مصطلح علمي موضوعي اتفق الناس عليه، يلفت ممدوح اسماعيل محامي الاسلاميين في مصر الى ان اللفظ نفسه «متطرف وتطرف» مسيس سلفا. ويقول «بالنسبة لاطلاق لفظ التطرف الاسلامي فهو لفظ استخدمته النظم العلمانية، في اطار حملتها الاعلامية لتشويه الاسلاميين، وهو من جملة الفاظ تستخدم في تلك الحرب الاعلامية نتيجة فشل النظم في مواجهة التيار الاسلامى، ومن تلك الالفاظ المتشددون والمتزمتون، واخيرا الارهابيون. ومنها ايضا الاصوليون واخيرا التكفيريون. والحقيقة انه اسلوب بعيد تماما عن اي منطق او حجة سليمة، فمن الممكن ان ينطبق لفظ التطرف او التشدد على اسلوب فرد او فكرة، لكن تعميم اللفظ على تيار او مجموع خطأ جسيم مقصود به التشويه». اما ما يتعلق بالانتخابات والديمقراطية الغربية فقال اسماعيل، «ينبغى التفريق بين الديمقراطية من الناحية القيمية وآلياتها، فمن آليات الديمقراطية الانتخابات، وهي آلية مقبولة من الناحية الاسلامية، لاستيضاح رأي الشعب في اختيار ممثليه، وهي تأكيد لحرية الفرد في الاختيار، وهي حق أكدته الشريعة الاسلامية للانسان ولا حرج في اقتباس اي نظام اداري او آلية عمل طالما لا تتناقض مع الثوابت الاسلامية». لكن انجم شودري الامين العام الاسبق لحركة «المهاجرون» الاصولية ومسؤول حركة «الغرباء» في بريطانيا، يلفت الى ان التطرف ليس فقط طريقة في التفكير، بل ايضا طريقة في الحياة واسلوب ومعاملة. ويوضح «المتطرف في أنظار الناس هو المسلم الذي يتمسك بصرامة بمعتقداته وممارساته، بغض النظر عما يعتقده الآخرون. انه شخص يرفض كل المعتقدات الأخرى، باعتبارها زائفة، وكل سبل الحياة الأخرى باعتبارها ليست ذات أهمية. والمتطرف هو من يعتقد ان المسلم أعلى ولا يمكن لأي امرئ ان يتساوى معه». ويضيف «يعرف المتطرف باعتباره شخصا صريحا وعالي الصوت بشأن الاسلام وفخورا بالحديث عنه الى الآخرين. وهو شخص يقول الحقيقة بغض النظر عن العواقب ويقوم بذلك في أوقات العسر واليسر. انه شخص يرى نفسه جزءا من الأمة العالمية ويتحدث عن قضايا تهم المسلمين في مختلف انحاء العالم». ويتابع «المتطرف هو من يعتقد أن معتقده وطريقة حياته يجب ان تكون سائدة ويعمل على اقامتها في المجتمع. وهو ينقل معتقده الى الآخرين داعيا اياهم الى الاقتداء به في حياتهم. وهو ليس شخصا يجلس على التل ويدع الآخرين يقومون بما يحلو لهم، بل يحاول ابلاغهم بآثامهم ويدعوهم الى الاسلام وطاعته. وهو شخص لا يساوم على معتقداته». لكن اللواء فؤاد علام، رئيس مباحث أمن الدولة الاسبق في مصر يقول، ان التطرف والمتطرفين ظاهرة اجتماعية لا ظاهرة دينية. ويقول «لا يوجد متطرف اسلامي، ولكن يوجد متطرفون يدعون انهم يعملون من اجل الاسلام، ويتسترون وراء شعارات الدين البراقة، رغم ان ديننا منهجه الوسطية والاعتدال وليس التطرف والغلو تجاه الاخرين». ومن وجهة نظره، فإن المتطرف هو ذلك الشخص الذى يعزل نفسه عن المجتمع الذي يعيش فيه بحجة ان الاخرين غير مسلمين اساسا او غير مكتملى الاسلام. ويقول اللواء علام ان المتطرفين يعتقدون انهم وحدهم هم المسلمون، وسواهم من الكافرين، ولذا فإنهم انشأوا جماعة «المسلمين» التي تخصهم وحدهم دون غيرهم، ومعنى ذلك ان «أي شخص ليس منضما الى جماعة المسلمين، يعتبر خارجا عن ملة الاسلام والمسلمين».