تصوت النساء للنساء .. نعم ولا

انتخابات الغرفتين التجاريتين في جدة والمنطقة الشرقية حركت الكثير من المياه.. إلا أن تحول المجتمع يأخذ وقتا

TT

ربما هي مصادفة أن ينتهي العام 2005 بترشح 5 سيدات سعوديات لعضوية مجالس تجارية وهندسية في السعودية بعد أن سمحت وزارة التجارة والصناعة بمشاركة المرأة في عضوية مجالس الادارة في المؤسسات الأهلية وشبه الحكومية، وهو ما كان أمرا غير مطروح قبل هذا التاريخ، عطفا على طبيعة المجتمع التي مازالت شرائح كبيرة فيه ترى أن دور المرأة لا يتعدى حدود المنزل في الوقت الذي أصبح صندوق الاقتراع هدفها المستقبلي في تحقيق كل طموحاتها والحصول على كافة حقوقها الاجتماعية من خلاله. وبالرغم من قرار منح النساء حق الترشح والتصويت في انتخابات المجالس التجارية، وهي الممارسة التي تمت فعلا في جدة والشرقية، الا ان التجربة دلت على ان القوانين وحدها لا تكفي للتغيير، وان تغيير المجتمع وافكاره، وحتى افكار النساء فيه يتم بتدرج. فخلال انتخابات جدة والمنطقة الشرقية، لم تكن الكثير من النساء بالحيوية التي تصورها البعض عندما حصلن على حق الترشح والتصويت، اذ ان الكثيرات منهن لم يذهبن للاقتراع، فيما لم تصوت من ذهبن بالضرورة للنساء، هناك سيدات صوتن لسيدات، وسيدات صوتن لرجال. فلماذا؟ تقول مضاوي الحسون، وهي عضو في مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بمدينة جدة، حول وجود المرأة في العملية الانتخابية وحصولها على أصوات رجالية ونسائية، ادت الى انتخاب 4 سيدات في أول مشاركة للمرأة منذ 60 عاما في بيت التجارة في جدة «حضورنا كسيدات لم يكن للمشاركة الشرفية بل لتسجيل موقف.. لقد أردنا تحريك جبل الجليد بإشعال حطب الوعي تحته.. أعتقد أننا نجحنا بدعم الجميع». وتضيف السيدة الحسون، التي بدت طوال الحملة الانتخابية متفائلة ومتفاعلة مع وسائل الاعلام «كان من الضروري أن يساعدنا الاعلام في إيصال أصواتنا وأهدافنا من الترشح.. لقد ترشحت وظهرت صورتي للمرة الأولى وسط جو ايجابي من أسرتي وزوجي»، مستطردة «أعتقد أن المرأة في السنين القادمة لن تواجه نفس الصعوبات التي واجهناها.. لقد تلقينا الصدمة الأولى بشجاعة».

من جانبها تؤيد الدكتورة سناء فلمبان، وهي أول سعودية تنال منصب مديرة مستشفى حكومي، ما قالته الحسون من أن مشاركة المرأة في عضوية المجالس الادارية هي خطوة في تعزيز دور المرأة، لتضيف «كان الحدث مدهشا لي وأنا أتصفح صور سيدات الأعمال المرشحات، لم يكن يوما عاديا وأنا أتخيل مشهد يوم الاقتراع النسائي والحملات الانتخابية كيف ستجري في الايام التالية».

وترى الدكتورة فلمبان أن السماح بمشاركة المرأة في الانتخابات التي جرت في الغرف التجارية والهيئة السعودية للمهندسين، انعكست على طبيعة النظرة السائدة من وجود المرأة في ميدان العمل، كما أسهمت في تشجيع العاملات في المجالات الاجتماعية والصحية والتجارية على العمل بروح جديدة تنسجم ورؤية القيادة السعودية في منح المرأة فرصا أكبر في القيام بدورها الاجتماعي والوظيفي وسط فرص متساوية مع الرجل في الحقوق والواجبات.

وعلى الرغم من عدم فوز أي من المرشحات في انتخابات الغرفة التجارية في المنطقة الشرقية للسعودية، إلا أن مرشحات خاسرات أكدن على إيجابية المشاركة ومعرفة ردود الأفعال الأولية للمجتمع (الشرقاوي) الذي بدا أكثر تحفظا من المجتمع (الحجازي) الذي استوعب ضرورة مشاركة المرأة وصوّت لها، وهو ما بدا واضحا من حجم الاصوات الرجالية التي حصلت عليها مرشحات جدة.

وأشارت مضاوي الحسون تعليقا على مشاركة المرأة في انتخابات الشرقية ومدى استفادتهن من التجربة الأولى في جدة، بأن «فرص الفوز كانت لدى سيدات الشرقية أكبر خاصة وأنه كان لديهن الوقت الكافي للتخطيط والتنظيم»، وهو ما ترى الحسون أنه تم بالفعل. لكنها أرجعت عدم فوز أي من مرشحات الشرقية إلى عامل «الخوف الاجتماعي» الذي فوّت عليهن فرصة تحقيق الاستفادة الاعلامية الكافية للمنافسة، وغياب التشجيع الأسري الذي حاول تقييد الكثير من المرشحات بأسباب اجتماعية لم تشجعهن على خوض المنافسة بشجاعة أكبر.

ويرى المتابعون أن ضعف الإقبال النسائي على التصويت لزميلاتهن المرشحات، وهو ما بدا جليا في انتخابات غرفة تجارة الشرقية بصورة أكبر من انتخابات غرفة جدة، يحتمل عوامل عديدة كالتي أشارت إليها الحسون في مداخلتها ومنها وجود سطوة اجتماعية لا تساعد المسجلات في عضوية تلك الغرف من الذهاب إلى صناديق الاقتراع التي عادة ما تشهد تغطية إعلامية واسعة، وهو ما تخشاه الكثير من النساء من خلفيات اجتماعية محافظة. فيما يرى آخرون أن انضمام السيدات في جدة لتكتلات رجالية قوية ساعدهن في الفوز، فيما لم يستطع التكتل النسائي الوحيد (الأوائل) في جدة من الفوز بأي مقعد نتيجة مراهنته على حصد أصوات السيدات الناخبات وهو ما لم يحدث نتيجة امتناع أكثر من 300 ناخبة عن التصويت، وانحسار العدد الاجمالي من المقترعات على الرقم 100 وهو ما لا يضمن لأي مرشحة الفوز بمقعد في مجلس الادارة.

وبحسب طبيعة المجالس تلك فإن توافر صفات مهنية وقانونية في العدد الاجمالي يلعب دورا كبيرا في حجم المشاركة، إذ أشارت في حينها المرشحة حصة العون، إلى «أن المراهنة على الصوت النسائي فقط لا يمكن أن يضمن فرصة الفوز حتى في حال اكتمال النصاب من السيدات الناخبات في الإدلاء بأصواتهن». وهو ما جعل سيدات الشرقية لا يراهن كثيرا في برامجهن الانتخابية على صوت المرأة الذي لم يصل فيه عدد المقترعات اكثر من 22 صوتا فقط، فيما نافست المرشحات وخاصة في فئة التجار على أصوات الناخبين من الرجال إذ تحصلت السيدة سامية الإدريسي على 25 % من أعلى الأصوات المحققة في فئة التجار بعد أن رشحها 438 صوتا، تليها أمينة الجاسم بعدد 426 صوتا، إلا أن عدم وجود السيدات المنافسات في أحد التكتلات الرجالية فوّت عليهن إعادة المشهد الذي حدث في جدة باكتساح تكتل واحد لكل أصوات المجلس بما فيه سيدتان هما لمى السليمان ونشوى طاهر.

وكما قامت وزارة التجارة السعودية بتعيين سيدتين أخريين في المجلس من النصاب المخصص للتعيينات هما مضاوي الحسون وألفت قباني، فإن توقعات كبيرة تشير لتعيين سيدة في مجلس غرفة الشرقية، فيما يعتبر تأكيدا من الحكومة السعودية على عزمها منح المرأة السعودية حقوقها السياسية. وقد أكدت خلال الاسبوع الماضي المرشحة في انتخابات غرفة الشرقية، نادية الدوسري التي حققت 364 صوتا أن عدد الأصوات التي حصلت عليها سيدات الأعمال يعتبر مميزا في ظل الإمكانات والخبرات التي لا تقارن مع مثيلتها لدى رجال الأعمال، على الرغم من الجهود التي بذلت من مجموعة الوطني ومن سيدات الأعمال الأخريات، وتوقعت الدوسري أن تحظى المرأة في الانتخابات المقبلة بنصيب أكبر في عدد الأصوات يؤهلها للدخول في عضوية الغرفة.

وفي المقابل بدت أصوات الناخبات عالية في طرح النقاط التي يرين أنها ضرورية لترسيخ مفهوم الوجود النسائي ودعم حقوقهن من خلال تلك المجالس، إذ ترى الدكتورة المهندسة ندى النافع، وهي أكاديمية في جامعة الملك عبد العزيز، قامت مع مجموعة من المهندسات السعوديات بالمساعدة في دعم وجود المرشحة الوحيدة في انتخابات هيئة المهندسين المهندسة نادية بخرجي حتى استطاعت الفوز بمقعد متقدم بين عشرة مقاعد لمجلس الادارة أنه «من الضروري أن تكون المرشحة الفائزة قادرة على ترجمة فوزها بعرض برامج اجتماعية يمكن أن تصبح قرارات تصب في صالح الجميع وتركز على فهم احتياجات المرأة ومنحها نصيبا أكبر من دائرة الاهتمام حتى تكون الجدوى من المشاركة النسائية أكثر من مجرد فلاشات إعلامية».

رأي الدكتورة النافع توافقها عليه الحسون، لكنها تزيد بأن عمل المرأة والرجل هو في إطار تكاملي وكمنظومة اجتماعية واحدة دون اعتبارات تنافسية للنوع بل لتحقيق مصلحة الكل وخدمة كافة الشرائح التي يمكن لعضو المجلس خدمتها. في الوقت الذي تمنت فيه الدكتورة فلمبان أن تصبح ثقافة الانتخاب نمطا اجتماعيا عاما في كافة الدوائر والمؤسسات الحكومية والأهلية من أجل بناء أجيال قادمة قادرة على اتخاذ قراراتها بشجاعة وثقة ليصبح المجتمع وقتها دافعا في تحقيق مفاهيم العدل لا عائقا في ترسيخ الصورة السلبية بين الرجل والمرأة.