هل العملاق الصيني من ورق؟

هناك 10 أسباب اقتصادية و3 سياسية تقلق الصينيين حول مستقبل التنمية في بلادهم

TT

في زيارته الأخيرة طلب وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر من دليله الشخصي أن ينظم لقاء له مع صديقه القديم جيانغ زيمين. لكن الدليل رفض تنفيذ طلبه قائلا إن ذلك الشخص لم يعد موجودا، وذلك الشخص طبعا كان رئيسا لجمهورية الصين لعقد من الزمان قبل إخراجه من المكتب الرئاسي في واحد من الانقلابات التي عاشها البلد منذ فترة السبعينات من القرن الماضي. والنظام الذي أسقط جيانغ زيمين بين عشية وضحاها هو الذي شكله الرئيس المتوفى دينغ هسياوبينغ الذي حكم الصين بقبضة من حديد لما يقرب من عقدين بدون أن يحتل أي منصب قيادي بارز. وتحت ذلك النظام مرت قيادة الحزب الشيوعي الصيني بعمليات تطهير منتظمة كل عشرة أعوام. ومنذ ذلك الوقت تم إقصاء هوا كو فينغ وهو يابانغ وأخيرا جاء دور جيانغ زيمين على رأس عشرات الألوف من المسؤولين الحزبيين والحكوميين عبر شتى أنحاء الصين. وكان دينغ أكثر من المصمم البارز لانقلابات القصر، كان أيضا الأب لما عرف بـ «النموذج الصيني» الذي يتكون من مزيج من نظام سياسي استبدادي يتمثل بمبدأ الحزب الواحد مع نظام اقتصادي يستند إلى مبدأ «دعه يعمل دعه يمر» شبيه بذلك النظام الذي بشر به غيزو في فرنسا خلال فترة عقد الثلاثينات من القرن التاسع عشر، وكان بداية تدشين الرأسمالية الاقتصادية. للوهلة الأولى يبدو النموذج الصيني ناجحا، فمن الناحية السياسية هناك مستوى من الاستقرار لم تعرفه الكثير من بلدان العالم الثالث. ومن الناحية الاقتصادية تحقق الصين نموا اقتصاديا وصل في بعض الفترات إلى 10% في السنة، وحوّل الصين من بلد زراعي بالدرجة الأولى إلى لاعب أساسي في التجارة الدولية. كما برزت الصين في السنة الماضية كخامس قوة اقتصادية في العالم وإذا اثبتت التقديرات صحتها فإنها ستكون أكبر قوة اقتصادية في عام 2020 متقدمة على الولايات المتحدة. وقد تنبأ الان بيرفيت الذي يعد أكثر الأوروبيين الذين كتبوا حول صعود الصين الكبير أن «المستقبل سيكون صينيا»، أما الرئيس الصيني هو جينتاو فذهب أبعد حينما قال عن بلاده: ما زال الأفضل في الطريق. لكن ماذا لو كانت هذه الضخامة ذات أقدام من طين؟ ماذا لو أن «النموذج الصيني» لا يحتوي سوى مجرد ألعاب نارية مثيرة تستمر لفترة قصيرة، وبعد ذلك يبدأ التراجع؟ قد تبدو أسئلة من هذا النوع حول اقتصاد يتضاعف كل سبعة أعوام فى غير محلها. مع ذلك فإن بعضا من هذه الأسئلة قد أثيرت ضمن الجلسات الخاصة في بكين نفسها. ان قراءة اكثر تركيزا تكشف عن تناول نقدي للسياسات الراهنة للاقتصاد الصيني تنتهي بخاتمة مفادها ان اعتماد الصين المتزايد على قوة التجارة الخارجية يضعف استقلالها، وربما مستقبلها. لا غرابة اذاً في ان يتمثل رد فعل الحزب الشيوعي الحاكم في الإغلاق المؤقت للصحيفة وإلغاء ملحقها وطرد الفريق المسؤول عن تحريرها. إلا ان الغريب هو الاحتجاجات التي أثارتها الحملة المتشددة ضد عشرات من المسؤولين الحزبيين السابقين والأكاديميين والمفكرين الذين وقعوا على خطاب مفتوح يدين الرقابة.

ويقترح البعض نقاشا اكثر انفتاحا حول السياسات الاقتصادية التي تصاغ دائما خلف الكواليس وبواسطة بضعة سياسيين فقط ومستشاريهم من التكنوقراط. فإذا كان هناك فى الصين من يتساءل حول المستقبل الاقتصادي للبلد، فمها هي نقاط ضعف الظاهرة في «النموذج الصيني»؟ يقول غالبية الخبراء ان هناك عشرة نقاط ضعف رئيسية قد تهدد استمرار النمو الاقتصادي من بينها ان اقتصاد الصين يعتمد على أعداد هائلة من الايدى العاملة الرخيصة، ورأس المال الاجنبي غالبا، والمواد الخام، وهي عناصر لا يمكن ضمان استمرارها على المدى الطويل. ايضا يخلط صناع السياسات في الصين بين النمو والتنمية. فصحيح انه جرى تنويع اقتصاد الصين اخيرا، وباتت البلاد التي بدأت بانتاج سلع بسيطة منزلية، تنتج ايضا سلعا اكثر تقدما من الناحية التكنولوجية، لكن مع هذا لم تحقق الصين درجة يعتد بها من التنمية. كما ان الاستمرار في خفض الأسعار وخفض قيمة العملة الصينية يعتبر دعما للمستهلكين في الدول الغنية، لانه يقدم سلعا صينية رخيصة الثمن، لكن لا يعني ان هذه السلع يمكن ان تنافس فعلا امام سلع غربية اسعارها قريبة من الاسعار الصينية. ايضا باتت الصين تعتمد بصورة متزايدة على الخارج فيما يتعلق برأس المال والتكنولوجيا ومصادر الطاقة والأسواق، وهذا التوجه الاقتصادي يمنع تطوير اقتصاد يركز على تلبية حاجات السوق الداخلية في مجالات الغذاء والرعاية الصحية والتعليم والإسكان. وقد اوجدت الصين النموذج الذي كان الاوروبيون يريدون فرضه عليها في القرن التاسع عشر، وهو نموذج يتضمن فصل الدولة الى كيانين: المحافظة الساحلية، التي جرى ضمها الى الاقتصاد العالمي، ومنطقة خلفية تزودها بما تحتاجه، وهذه المنطقة لا تزال في الصين ذات طابع ريفي مغلق. ويتفق الكثير من الخبراء على ان الصين اشبه بمقاول من الباطن للقوى الصناعية الكبرى، ولاسيما الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وتايوان وكوريا الجنوبية واليابان. ودورها هو استضافة الصناعات التقليدية في الوقت الذي تدخل فيه الاقتصاديات المتقدمة عصر ما بعد الصناعة. ايضا، عبارة «صنع في الصين» لا تعني اخفاء حقيقة ان الصين لا تملك ايا من الـ5 الاف ماركة تجارية عالمية التي تسيطر على الاسواق العالمية الان. كما لا تملك الصين مصرفا كبيرا واحدا، ولا شركة تأمين ولا شركة سمسرة ومضاربات قادرة على العمل على المستويات الاقليمية، ناهيك عن المستوى العالمي. كذلك تنفق الصين معظم دخلها من العملات الصعبة في شراء سندات الخزانة الاميركية، وبالتالي تساعد على تغطية العجز في الاقتصاد الاميركي، وهو بالتالي يحرم البلاد من الموارد التي تحتاجها لرفع مستوى المعيشة لاكثر من 800 مليون او اكثر «يعيشون تحت خط الفقر».

ايضا من العوامل التي تعزز الشكوك فى قدرة الصين على مواصلة طفرتها الاقتصادية وجود احتياطي من العمالة الرخيصة التي يقدر عددها بـ 200 مليون «باحث عن العمل» في أي وقت، وهؤلاء ربما يكونون ميزة على المدى القصير لانهم يحافظون على انخفاض تكلفة العمالة، ولا سيما في غياب نقابات عمالية. اما على المستويين المتوسط والطويل، فيمكن ان تؤدي الى زعزعة النظام بأكمله.

وبالاضافة الى كل ذلك، فإن الصين تواجه، على الاقل ثلاث نقاط ضعف سياسية. الاولى هو مستقبل صناعة القرار، وهل يمكن لنظام الحزب الواحد الحاكم الحالي الاستمرار لفترة طويلة؟ تدل الاشارات الحالية الان على ان الطبقة الوسطى الناشئة ستتحدى هذا الوضع بعدما اختبرت الثروة المادية، ومن المؤكد انها ستطالب بنصيب من السلطة السياسية. ونقطة الضعف الثانية نابعة من الاولى. فاذا ما تم فتح النظام السياسي فربما يؤدي الى انتقال في موازين القوى من الساحل الى عمق البلاد وبالتالي يهدد النموذج الاقتصادي نفسه الذي ادى الى ظهور «المعجزة الصينية». اما نقطة الضعف الثالثة فتتعلق بتطلعات الجماعات العرقية والدينية. فهل سيستمر المانشوريون والمغول وسكان التيبت والويغور (الترك المسلمون) في قبول سيطرة الصينيين العرقيين اذا ما توفرت لهم الفرصة لتخيل مستقبل اخر؟ أليست الصين امبراطورية على غرار الاتحاد السوفياتي، التي ربما، في يوم من الايام ستتعرض لنفس الاضطرابات التي تعرض لها النظام الشيوعي المنافس في التسعينات؟

طبقا للارقام الرسمية فإن العمق الصيني، ولاسيما حيث اغلبية السكان من الاقليات العرقية والدينية، تعرض لأكثر من 70 ألف «حادثة عنف» وهو اشارة الى اضطرابات، في العام الماضي. وردا على ذلك اقترح رئيس وزراء الصين وين جياباو خفض الضريبة على المحاصيل الزراعية وإطلاق عدة «مشاريع تنمية زراعية» يقول البعض انها وهمية. وكتب لي داتونغ رئيس تحرير ملحق صحيفة «لي داتونغ» «لا يمكننا التنمية بدون حرية»، لقد كرر لي، فيما يبدو بدون معرفة، اسم ادم سميث اول اقتصادي نظر للعلاقة بين نوع النظام السياسي والاقتصاد، والذي أظهر انه في الوقت الذي يمكن للنظم الاستبدادية تحقيق تنمية سريعة ومؤثرة، فلا يمكن لها تطوير اقتصاد عصري يستند على قواه الذاتية.