حرب الأحذية

في غضون عام زادت صادرات الصين من الأحذية لأوروبا بنسبة 300% وصادرات فيتنام 700%

TT

لا يتوقف التنين الصيني عن التهام كل ما يمر أمامه، فصادراته التي لا تنتهي والتي تتميز برخص ثمنها مقارنة بتلك الأوروبية، قد فاقت كل الحدود ووصلت إلى معقل صناعة الأحذية العالمية، أوروبا نفسها، بل وايطاليا التي عرفت دوما على انها مركز أجود صناعة للاحذية فى العالم.

ومع ان التطور الكبير فى صناعة الاحذية الصينية، بدأ قبل سنوات، الا ان المشكلة بين الاتحاد الاوروبي وبين الصين على إغراق الاسواق الاوروبية بالصادرات الصينية من الاحذية بدأت فقط قبل ايام، وذلك بعد اتهام اوروبا للصين بمخالفة شروط منظمة التجارة العالمية.

وخوف الاتحاد الاوروبي من الصادرات الصينية من الأحذية له ما يبرره ، وهو انعكاس لحالة من عدم الرضا بين الشركات الاوروبية المصنعة التي وجدت منافسا شرسا لا يمكن مجاراته في هذه الصناعة في ما يتعلق بالسعر. ولأن المستهلكين الأوروبيين وجدوا ضالتهم في هذه الأحذية الرخيصة، فقد لعبت الشركات الأوروبية على وتر البطالة، وقدرت هذه الشركات خسارتها من الوظائف في إيطاليا وحدها بـ30 ألف فرصة عمل سيفقدها الايطاليون من جراء هذه الحرب الضروس من قبل الصينيين، وبحد أقل، من جيرانهم الفيتناميين.

وبالطبع فإن خوف الاوروبيين له شواهد بالارقام، فقد احتلت الصين المركز الاول فى العالم في انتاج الاحذية، ففي الصين حاليا قرابة 40 ألف مؤسسة خاصة بانتاج الاحذية تنتج 6.5 مليار زوج من الأحذية سنويا محتلة 51% من اجمالى حجم انتاج الاحذية في العالم، وفى مقاطعة قوانغدونغ بجنوب شرقي الصين وحدها 5 آلاف أو 6 آلاف مؤسسة لإنتاج الاحذية تنتج 3 مليارات زوج من الاحذية سنويا ويعادل حجم انتاج الاحذية فى هذه المقاطعة نصف اجمالى حجم انتاج الاحذية فى الصين كلها، إلا أنه ليس كل هذه الأحذية من النوع الذي يمكن أن يجاري، نوعيا ومن حيث الخامة الأحذية الاوروبية، فالمراقبون يعتبرون 85% من الأحذية التي تنتجها الصين حاليا هي من الصنف المتوسط والرديء، لذا فان الصين تسعى الان لان تتحول تدريجيا من «المنتج الكمي» للاحذية الى «المنتج النوعي».

وصناعة المنتجات الجلدية على وجه الخصوص هي صناعة تقليدية هامة بين الصناعات الصينية، ومنذ عام 1978 حين بدأت الصين تنتهج سياسة الاصلاح والانفتاح الاقتصادي، شهدت صناعة الاحذية والمنتجات الجلدية تطورات سريعة ليصل حجم انتاجها الى نصف الاجمالي العالمي، وفي نفس الوقت، خاضت صناعة الاحذية الصينية في السنوات الاخيرة «حرب الاسعار الداخلية» بسبب الحاجة الى طاقة لتطوير منتجات جديدة والنقص في الماركات التجارية الخاصة بها، ذلك ادى الى سقوط الصناعة في حلقة  مفرغة تتمثل في «ارتفاع حجم الصادرات وانخفاض الفعالية الاقتصادية».      ويقول الدكتور جاسم حسين رئيس وحدة البحوث الاقتصادية بجامعة البحرين، إن حرب الأحذية بين الاتحاد الأوروبي وكل من الصين وفيتنام تمثل انتقاصا لهيبة منظمة التجارة العالمية، «فهناك تهديد من قبل بروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي) بفرض إجراءات مضادة ابتداء من السابع من أبريل (نيسان) المقبل تصل إلى حد 20% زيادة في التعرفة الجمركية على واردات الأحذية من الصين وفيتنام». ووفقا للدكتور جاسم، فإن الحجة تكمن في وجود مزاعم بقيام كل من الصين وفيتنام بإغراق أسواق دول الاتحاد بالأحذية عن طريق بيع المنتجات بأسعار تقل عن تكلفتها الفعلية، بسبب قيام السلطات في البلدين بتقديم أنواع من الدعم للمصدرين مثل توفير الأراضي لإقامة المصانع وتأجيرها بأسعار رمزية، فضلا عن منح إعفاءات ضريبية، وعلى هذا الأساس ترى مفوضية الاتحاد الأوروبي أن الصادرات المدعومة هذه تشكل تهديدا مباشرا لصناعة الأحذية في دول الاتحاد. ويضيف جاسم حسين «يبدو أن التهديد المزعوم هو لصناعة الأحذية في بعض الدول الأوروبية مثل بولندا وجمهورية التشيك وسلوفينيا والتي بدورها تنتج أحذية تنافس السلع الصينية والفيتنامية». ويعتقد الدكتور حسين أن نظرية المؤامرة تتعزز عند الأوروبيين على خلفية تسجيل نمو غير طبيعي في صادرات الأحذية من قبل البلدين الآسيويين في الآونة الأخيرة «ففي غضون 12 شهرا للفترة ما بين مارس (آذار) 2004 و 2005 زادت صادرات الصين من الأحذية إلى دول الاتحاد بنسبة تفوق 300% فضلا عن 700% فيما يتعلق بفيتنام). ولكن كيف يمكن التوصل لحل ينهي هذه الحرب بين الطرفين، يقول رئيس وحدة البحوث الاقتصادية بجامعة البحرين ان المطلوب من دول الاتحاد الأوروبي تقديم شكوى إلى منظمة التجارة العالمية بخصوص هذه المزاعم للبت فيها ومن ثم إصدار حكم نهائي فيها، ويزيد أن المفوضية الأوروبية ترغب في فرض شروطها على الصين وفيتنام وهي فرصة غير متوفرة عند تقديم شكوى للمنظمة العالمية «ويبدو أن دول الاتحاد ترغب في تكرار تجربة الأقمشة مع الصين، ففي عام 2005 نجحت دول الاتحاد في التوقيع على اتفاقية مع الصين حددت بواسطتها نمو الواردات من الصين لعشرة أنواع من الأقمشة بنسبة لا تزيد عن 10% سنويا حتى عام 2008». ويوضح الدكتور جاسم أن التحرك جاء بعد فترة قصيرة من تحرير تجارة الأقمشة في بداية عام 2005 الأمر الذي ساهم بحدوث نقلة نوعية في صادرات الأقمشة من الصين إلى دول الاتحاد الأوروبي «حقيقة تكمن قوة الاتحاد في حجم سوقها حيث أنها تضم 25 دولة بينها اقتصاديات ضخمة مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا، كما يوجد نوع من تعاطف دولي مع دول الاتحاد الأوروبي بسبب نمو الصادرات الصينية على وجه الخصوص، فتتمتع الصين بفائض تجاري مع مختلف دول العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة، والملفت أن واشنطن لم تنتقد موقف بروكسل بفرض عقوبات اقتصادية ضد كل من بكين وهانوي». وكانت ردة الفعل الصينية عنيفة على قرار للاتحاد الاوروبي بمكافحة ما سمته اوروبا ممارسة الصين اغراق الاسواق بالاحذية. وقالت الصين ان التدابير التي اتخذها الاتحاد الاوروبي والتي ستطبق ابتداء من شهر ابريل (نيسان) المقبل «لا اساس قانونيا لها وهي مليئة بالتدابير الحمائية». ومن جهته، اعتبر بيتر ماندلسون مفوض التجارة في الاتحاد الاوروبي ان التدابير العقابية التي اتخذها الاتحاد الاوروبي ستطول الاحذية الجلدية المصنعة في الصين وفيتنام، مشيرا إلى أن الاتحاد الاوروبي عثر على براهين تثبت ان المنتجين من الصين والفيتنام يمارسون اغراق اسواق الاتحاد الاوروبي ببضائعهم ما يسمح لهم بالبيع باسعار رخيصة جدا، وأضاف ماندلسون ان التدابير التي اتخذها الاتحاد الاوروبي موجهة ضد ما سماه بـ«ظاهرة الاغراق المقنعة» أي التي تمارسها الدول من خلال قطاع صناعي معين، واعتبر ان الاتحاد لا يهدف من خلال خطواته الى معاقبة الصين وفيتنام، بل الى استهداف المنافسة غير الشريفة.

وتقضي القرارات الجديدة التي اتخذها الاتحاد الاوروبي والتي سيبدأ العمل بها في السابع من ابريل (نيسان) المقبل وسبتمبر (ايلول) المقبل بفرض ضريبة قدرها 19.4% على الاحذية الجلدية الصينية و16.8% على الفيتنامية، وهو ما سيؤدى عمليا الى زيادة اسعار الاحذية المصنعة في البلدين. وحتى موعد تطبيق القرارت الجديدة، فإن الصينيين يسعون إلى إقناع الطرف الأوروبي بأن المصالح متبادلة بين الطرفين، وأن الصين نفسها لا تعد سوقا للتصدير فقط، ولكنها أيضا سوق ضخمة لاستيعاب المنتجات الأوروبية، في مغزى واضح للكثافة السكانية الهائلة التي تتمتع بها الصين، وربما تلعب بها كورقة أخيرة في حربها التجارية، وهنا يقول سون جيا تشنغ وزير الثقافة الصيني «اذا ما اشترى كل فرد من 1.3 مليار صيني قطعة من الاشياء المستوردة فيا لها من كمية ضخمة». فهل يدخل أكثر من مليار صيني طرفا في حرب الأحذية؟ سؤال يحدد اجابته مستقبل تحول الطبقات الفقيرة فى الصين الى طبقات قادرة على الشراء والاستهلاك وبالتالي التحول الى «سوق».