جماز السحيمي .. المهندس

لم يتحدث للصحافيين سوى مرة أو مرتين خلال عامين.. ويحب صيد السمك والسرية

TT

هذا الرجل لم يتحدث للصحافة سوى مرة أو مرتين على مدى عامين ولدقائق معدودة فى أحد اللقاءات العامة. ومع ان من يعرفونه يؤكدون عدم حبه لفلاشات الكاميرا او اضواء الاعلام، الا انه فى قلب الاحداث اليومية بكل سخونتها. ومع انه لا يتحدث علانية، الا لماما، الا ان علاقاته العامة واسعة بحكم المناصب التى شغلها سابقا. كما انه شخص هادئ متريث لا يتخذ القرارات، الا بعد تفكير طويل، لكن عندما يتخذ قراراته يقف بحزم وراءها. هذا هو جماز عبد الله السحيمي رئيس مجلس إدارة هيئة السوق المالية في السعودية. والسحيمي المولود فى القويعية على بعد 130 كليومترا غرب الرياض حاصل على بكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة الملك سعود، وماجستير في الهندسة الكهربائية من «جامعة واشنطن» فى مدينة سياتل الاميركية. وعلى الرغم من خلفيته الاكاديمية «الهندسية» الا انه انضم للعمل فى القطاع المالي والمصرفي بعد حصوله على دورة تدريبية لمدة 8 شهور في الأعمال المالية والمصرفية في مانهاتن بنيويورك.

والمتتبع لسيرة السحيمي العملية، بالرغم من قلة المعلومات حوله، يجد أنه عمل نائباً لمدير عام صندوق التنمية الصناعية السعودي بين اعوام 1982و 1984، ثم عين وكيلا لمحافظ مؤسسة النقد العربي السعودي عام 1989 وحتى يوليو (تموز) 2004، ليشغل بعدها منصب رئيس مجلس هيئة سوق المال. وهو بالإضافة الى هذا عضو في مجلس إدارة المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين)، وعضو فى الشركة الوطنية للتأمين التعاوني، وعضو فى بنك الخليج الدولي، وعضو فى المجلس الوطني للتأمين الصحي، وعضو فى مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار، وعضو دائم في لجنة الإشراف على الأسهم وتنظيمها. والسحيمي (62 عاما) على كثرة المهام الملقاة على عاتقه وكثرة مسؤولياته يتميز بالعمل الدوؤب وهدوء الشخصية، ويبدو ان الدأب والهدوء جزء اساسي من حياته، وهو ما يظهر جليا حتى فى هواياته الشخصية، اذ يحب صيد السمك والسفر والتجوال عبر العالم مع اسرته (متزوج وله 4 ابناء، 3 بنات وولد). الرصيد التراكمي الذي يمتلكه السحيمي لنحو ربع قرن فى العمل المصرفي والمالي، لم يمنع الاقتصاديين من أن يختلفوا حول قراراته التي تصدر من قبل الهيئة، كونها تلامس بعض مصالحهم عبر سوق الأسهم السعودي الذي شهد انتعاشاً خلال السنوات الأربع الماضية، والذي شهد أيضا قرارات إيقاف بعض المضاربين في السوق، وهو ما يختلف حوله المتعاملون في السوق، حيث يرى فريق أنها تصب في مصلحة السوق، فيما يعارضها رأي آخر ويرى أنها أحد أسباب هبوط سوق الأسهم في الاونة الاخيرة.

وحين تولى السحيمي رئاسة هيئة سوق المال في السعودية، تعهد بأن يعمل مع بقية أعضاء مجلس الهيئة على تنظيم السوق المالية التي أقرتها الحكومة السعودية في يوليو (تموز) عام 2004، اضافة إلى تطوير أساليب الأجهزة والجهات العاملة في تداول الأوراق المالية «تنظيماً وتشريعاً ورقابة»، وتطوير الإجراءات الكفيلة بالحد من المخاطر بمعاملات الأوراق المالية، وتوعية المستثمرين بما يعزز من الثقة في السوق واستقرارها. ويرى البعض أن اختيار السحيمي ليكون رئيساً لهيئة سوق المال درس بعناية من أصحاب القرار، كونه يميل للعمل بصمت ولا يحب الظهور الإعلامي، موضحين ان تصريحاته في حال كانت كثيرة قد تؤثر على السوق المالية ولو بشكل غير مباشر. ويدعم هؤلاء رأيهم بان السحيمي طوال فترة عمله في مؤسسة النقد كان يبتعد عن الاعلام، إضافة إلى اختياره لمستشارين قريبين جدا من شخصيته، اذ انهم يتصفون ايضا بالميل للصمت، وعدم حب الظهور فى وسائل الإعلام المختلفة. وبحسب هؤلاء فإن شخصية رئيس هيئة سوق المال لا بد أن تتسم بالحذر وقلة الحديث، اضافة الى الصرامة والحزم. لكن السحيمي مع كل هذا يتميز بسعة العلاقات العامة والشخصية التي اكتسبها خلال المواقع التي سبقت عمله في الهيئة. ويقول محمد الضحيان أحد المستشارين الماليين السعوديين، أن السحيمي له دور بارز في عمل هيئة سوق المال كونه استطاع أن يبني علاقة على مستوى عال مع الجهات الرقابية والقطاع المصرفي، ويخلق نوعاً من التلاحم في سبيل المصلحة العامة. وأضاف أن السحيمي عمل على إعداد كوادر سعودية في مؤسسة النقد العربي السعودي حينما كان وكيلا للمحافظ، وأوجد شبابا مؤهلين في جميع قطاعات المؤسسة وعمل على تطوير برامج قوية مع اتخاذ قرارات سريعة لتطوير نظام التداول، غيرت أوامر الشراء أو البيع من 3 أيام إلى نفس اللحظة، إضافة إلى نظام المدفوعات السريع.

وقال الضحيان أن السحيمي ركز خلال عمله على توطين البطاقات لتكون عملية المقاصة محلية وعبر نظام المدفوعات السعودية ولترتفع درجة الكفاءة للمدفوعات عبر شبكة ضخمة في ظل وجود نقاط البيع والصرف الآلي، وليقدم كيانا يتيح الفرصة للكثير من البنوك لتتقدم بسرعة في الخدمات التي تقدمها للعملاء وخاصة في مجال تطوير التقنية. وعلى الصعيد الشخصي، يقول الضحيان إن السحيمي إنسان لا يتخذ القرار إلا بعد تريث، وعند صدوره يتحمل كافة تبعات القرار ومسؤوليته، إضافة إلى أنه يرى الخلفية الأخرى لذلك القرار، وهو ما يدل على عقلانيته وقدرته على التحليل والتفاعل وإثارة كل نقطة من النقاط التي تقف أمامه. ولا يرى الضحيان أي غموض في شخصية السحيمي، إلا أنه يرى أن الواقع الذي يفرضه عمل السحيمي يتطلب السرية المطلقة، كونه قدم من مؤسسة النقد العربي السعودي والتي تعتبر البنك المركزي للسعودية.

ويشدد على ان السحيمى بالرغم من كونه رجلا اجتماعيا، إلا أنه يضع حدودا للعلاقة الشخصية ولا يفرط بها كثيراً لكي لا تتدخل مع العمل. والسحيمى ديمقراطي في قراراته، اذ انه يتجه للاستعانة بعدد من المستشارين. ويقول الضحيان ان السحيمى لديه أفضل المستشارين ولا يعتمد في قراراته على رأيه الشخصى فقط، بل يحسم الأمور بالاستعانة بالمستشارين الماليين لدعم قراره بأسلوب علمي. لكن اذا كان الضحيان يجد ان السرية التى يحيط بها السحيمي بها نفسه وعمله جزء من «طبيعة المهنة»، يختلف الصحافي الاقتصادي حزام العتيبي فى هذا التقييم، كما يستغرب عدم تخصيص متحدث رسمي باسم الهيئة يملك المعلومات والصلاحيات للرد على أسئلة الاعلاميين، أو يقدم إيجازا صحافيا اسبوعيا يبث الطمأنينة في قلوب المتعاملين في السوق، خاصة أن الكثير منهم وضع جميع ممتلكاته فيه. ودلل العتيبي بذلك بعدم استطاعة الصحافيين التحدث إلى السحيمى سوى مرة أو مرتين على مدى عامين تولى فيها دفة هيئة سوق المال السعودي، ولدقائق معدودة على هامش احد اللقاءات العامة، متسائلا عن مدى أهمية هذه البيروقراطية. ويقول إن الاختلاف مع السحيمي ليس في القرارات التي يصدرها كونه المسؤول عن هيئة سوق المال، وإنما في مسألة توقيت صدور هذه القرارات، فهناك من يرى أنها متأخرة، والبعض الآخر يرى انها غير متدرجة. ويؤكد العتيبي أنه مع الايمان الكبير بالخطوات المهمة التي يؤسس لها السحيمي وجهازه إلا أن الاكتفاء بالصمت، واغلاق النوافذ امام وسائل الاعلام، خلق أرضية تنامت فيها الاشاعات واستطاع المنتفعون من هذا الطقس ان يقدموا انصاف حقائق تخدم مصالحهم الشخصية. اما الشريف عبد الله بن أحمد بن عون أحد المستثمرين في أسواق الأسهم، فيقول إن المتتبع للقرارات التي تصدر من الهيئة يرى أنها أخذت منحى التحدي الشخصي بين السحيمي وكبار المستثمرين في سوق الأسهم، مشيراً إلى هيئة سوق المال تفرغت لمحاربة كبار المستثمرين وتركت السوق وضعاف المستثمرين بدون حماية لهم. ويضيف الشريف عبد الله أن الهيئة تدعو من خلال اللوائح التي تصدرها للشفافية، إلا أن القرارات التي صدرت من قبل رئيسها لا تدعو للشفافية، كونها لم تعقد ولا مؤتمرا صحافيا تبين فيه الأسباب التي أدت إلى اتخاذ هذه القرارات لوضع النقاط على الحروف. لكن خالد الجوهر عضو لجنة الأوراق المالية بغرفة الرياض يقول إن تقييم أداء أي شخص ليس بالأمر السهل لأن عدالة التقييم تقتضي دراسة أبعاد العمل المنوط به والمسؤوليات والتبعات المترتبة على اتخاذ القرارات وطبيعة الموقع والعوامل المؤثرة فيها، مشيراً إلى أن منصب السحيمي من المواقع التي تشتمل على مسؤوليات جسيمة، وانه قام بها بكفاءة ملحوظة في ظل الظروف التي بدأت فيها الهيئة أعمالها. ويضيف الجوهر أن من الأمور التي تحسب للسحيمي نظام تداول الحديث وتطويره ليكون بهذه الصورة الحالية. ويرى الجوهر أن أي قرار لتنظيم سوق الأسهم يقابل أحيانا بشيء من التحفظ لعدم تعود السوق على الإجراءات التنظيمية المستمرة التي تتطور حسب معطيات السوق، موضحا ان هذه النظرة ستتغير عند ازدياد مستوى الوعي، مع التشديد على ان الهدف من التنظيم هو الحماية طويلة الأجل للسوق والمتداولين وليس الصعود المؤقت للسوق، وان يتم التداول في ظل مستوى عال من الشفافية والعدالة. ويقول الجوهر إن السحيمي تميز في كل هذا بشخصية قوية ورؤية واضحة تنبع من خطة عمل استراتيجية طويلة الأجل لتطوير سوق المال وتحمل متغيراته للوصول إلى النظام الأمثل للتداول. والمثير في كل هذا ان السحيمي الذي أشرف على دراسات تنظيم هيئة سوق المال وهو الذي في الأصل أشرف في الماضي على إدارة تداول الأسهم والتي وجدت على يديه، اي انه المنظم والمراقب في الوقت ذاته.