اللعب على التناقضات

يتحد الإيرانيون على اختلاف انتماءاتهم السياسية في دعم البرنامج النووي.. غير أن حساب الخسائر يفرقهم

TT

عندما سألت «مهد»» وهو طالب في المرحلة الاعدادية يدرس في مدرسة اسسها الدكتور عزت الله سحابي، احد زعماء حركة حرية ايران تسمى «نهضت ازادي» عن رأيه بما انجزه العلماء الايرانيون، اجاب وبنوع من الفخر والاعتزاز ان يوم العاشر من ابريل يجب ان يحتفل به الايرانيون كيوم وطني، كما تحتفل ايران بيوم تأميم النفط، الذي تم على يد الزعيم الراحل محمد مصدق في الخمسينات. عادة، الطلاب الذين يدرسون في مثل هذه المدارس يكونون بعيدين عن النقابات والتجمعات الطلابية الاصولية كقوات التعبئه الدينية «الباسيدج» او المليشيات الدينية غير الرسمية، وبالتالي يعبر رد الفعل هذا عن ارتياح وفخر لدى قطاع واسع من الشارع الايراني بغض النظر عن الانتماء السياسي او العقائدي. فالايرانيون يفتخرون بوضعهم في المنطقة، ولا يزالون يعتقدون بأنهم القوة الاقليمية الاكثر اهمية، وما زال تاريخ كورش وكسرى وقبلهم رستم، الذي عاش قبل اكثر من الف واربعمائة مبررا للفخر الوطني حتى الآن. وعندما ينظر الايرانيون الى مرحلة الفتح الاسلامي لبلادهم، يعتبرونها مرحلة من مراحل تاريخهم وليست بداية التاريخ. ولا غرابة في ان نجد في المكتبات الايرانية حاليا عشرات الكتب تتحدث عن شاه ايران محمد رضا بهلوي او تلك المنشورة كمذكرات سواء للشاه او زوجته او افراد حاشيته. فالحكومة لا تمانع ولا القارئ العادي ينفر من قراءة هذه الكتب، حتى ان كان «الثوريون» يصفون الشاه بالطاغوت والشاهنشاهيين بعبدة الطاغوت. ولذلك فلا غرابة ان يعارض ابن الشاه رضا بهلوي قيام الولايات المتحدة بمهاجمة ايران عسكريا، لانه ينطلق من منطلق ضرورة بقاء ايران وعدم تمزيقها وعدم التعرض لمنجزاتها حتى ان كانت هذه المنجزات في عهد الجمهورية الاسلامية، التي اطاحت برأس ابيه. ومن الطبيعي في ظل هذا الشعور الوطني ان تقوم جامعة «امير كبير» الصناعية الايرانية ـ كما اعلنت ـ عن توزيع 114 كيلوغراما من مادة الكيك الاصفر، التي تستخدم في انشطة تخصيب اليورانيوم على طلبة واساتذة الجامعة المذكورة كرمز لما قام به العلماء الايرانيون من انجاز على المستوى الوطني.

وهنا يبرز سؤال مهم، وهو مدى استعداد الشارع الايراني لتحمل العقبات المحتملة، لخطوة تخصيب اليورانيوم الصناعي، وهل هو مستعد لتحمل حرب عسكرية بسبب امتلاكه للطاقه النووية؟ ام انه يقبل بالمقاطعه الاقتصادية دون الحرب؟ أم انه يرفض الحالتين؟

عندما سألت احد الاشخاص عن هذه السيناريوهات، فكر قليلا قبل ان يجيب، بأنه يقبل ويدعم ذلك ما دامت الامور تسير في اطار تمكن المواطنين من العيش بسلام... وفهمت منه بعد ذلك انه لا يقبل الحرب مقابل امتلاك التقنية النووية، كما لا يقبلها مقابل المقاطعة الاقتصادية التي تشل حركة الاقتصاد الايراني. هذا الرأي على بساطته، هو الحد الادنى من رأي الشارع، لان هناك سقفا اعلى من ذلك وهو الذي يلتزم به الثوريون، كالحرس الثوري «باسداران» وقوات التعبئة «الباسيدج»، الذين يظهرون الرغبة في المواجهة ايا كانت النتائج (حتى سيناريو شن حرب) ما دامت هذه المواجهه تأتي تحت راية ولي الفقيه ومن اجل الدفاع عن المكتسبات الوطنية.

وفي حقيقة الامر فان المشهد السياسي الذي يدير الملف النووي الايراني سواء ذلك الذي اداره في عهود الرئيس هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي او الذي يديره حاليا في عهد الرئيس احمدي نجاد يدرك ان الحصول على التقنية النووية يجب ألا يدخل ايران في متاهات وازمات لا تستطيع ايران من خلالها الاستفادة من هذه التقنية للاغراض السلمية.

فالرئيس الايراني السابق محمد خاتمي اعرب عن امله في ان تنجح المساعي للحصول على المزيد من المكتسبات في اطار ما وصفه بالسياسات المناسبة التي تستطيع ان تحرك ايران باتجاه التقدم والرقي.

فاذا ما استثنينا الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الذي زف للشعب الايراني نبأ دخول بلادهم نادي الدول المالكة للتقنية النووية، فان الكتاب والصحافيين المحافظين، دافعوا عن ذلك، لا من خلال المطالبة بالخروج من معاهدة الحظر النووي، وانما من خلال المطالبة بتنفيذ بنود هذه المعاهدة. فرئيس تحرير صحيفة «كيهان» حسين شريعتمداري المعروف بتشددة وتطرفه في مثل هذه الملفات، طالب مدير الوكالة الدولية للطاقه الذرية محمد البرادعي بالتحقق في ما اذا كانت هناك خروقات لمعاهدة الحظر النووي، قبل ان يدفع بتقريره لمجلس الامن الدولي او مجلس محافظي الوكاله الدولية للطاقه الذرية. الا ان الاكاديمي داود هيرميداس باوند رأى ان الايرانيين يجب ان يديروا ملفهم النووي من الآن فصاعدا بسقف عال من الدراية والحكمة، مشيرا الى ان مباحثات محمد البرادعي في طهران سوف تكشف عن الكثير من النوايا... فإما ان يقبل بالخطوة الايرانية التي لا تتعارض مع مواثيق الوكالة والمعاهدات الدولية، التي خصبت فيها ايران اليورانيوم بنسبة اقل من خمسه بالمائة... او انه سيرفضها، وهذا معناه انه سوف يرمي الكرة في ملعب مجلس الامن ليتخذ قرارا بذلك. ومن الواضح ان مجلس الامن الدولي، الذي استند الى المادة السادسة من ميثاق منظمة الامم المتحدة في استصدار بيانه بحق الملف النووي الايراني، احتاج لاسبوعين من الزمان من اجل الاتفاق على صيغة بيان مشترك لا يلزم ايران بتنفيذه، وانما حاول وضعها في اجواء الارادة الدولية. فاذا ارادت الوكاله الدولية للطاقة الذرية التعامل سلبيا مع ايران على خلفية خطوتها الاخيرة، فان ذلك سيدعو مجلس الامن الدولي للتدخل والاستعانة بالمادة السابعة من ميثاق منظمة الامم المتحدة، وهي ذات المادة التي استعان بها المجلس المذكور بحق العراق، الذي رحل بموجبها ملف العراق من الوكالة الدولية للطاقة الذرية الى مجلس الامن الدولي. لكن السؤال يبرز هنا: هل يستطيع مجلس الامن الدولي التدخل بترحيل الملف الايراني وغلقه في الوكالة الدولية؟ ام ان الحالة الايرانية تختلف عن الحالة العراقية؟ في الواقع ان الملف الايراني في جانبه الفني والقانوني يختلف كثيرا عن الملف العراقي فايران ـ وبناء على تقارير مدير الوكالة الدولية للطاقه النووية محمد البرادعي ـ لم تنتهك القوانين والمواثيق الدولية ولم تستطع فرق التفتيش من تثبيت ان ايران انتهكت القوانين الدولية حتى ان تقارير البرادعي السابقة اشادت في بعضها بالتعاون الايراني واكدت على عدم رغبة ايران بانتاج الاسلحة النووية، كما انها اكدت عدم العثور على ادلة تشير الى توجه ايران الى تنفيذ مشروع نووي سري. وعلى ذلك فإن اعضاء مجلس الامن الدولي اذا كانوا في المرة السابقة قد احتاجوا الى اسبوعين للاتفاق على صيغة معينة حيال ايران فالأكيد في هذه الحاله إنهم سيحتاجون الى وقت اطول للاتفاق علي صيغة لمعالجة الملف الايراني. وتعتقد مصادر دبلوماسية ان الامر ليس بتلك السهولة التي يعتقدها البعض، لان انشقاقا محتملا سوف يحصل داخل الدول الاعضاء في مجلس الامن وتحديدا من قبل روسيا والصين ان لم تضف اليهم فرنسا في مقابل الولايات المتحدة وبريطانيا في آلية مواجهة الخطوة الايرانية. الا ان هذه المصادر واعتمادا منها على مواقف بعض الدول الاقليمية، فانها ترجح بعد الخطوة الايرانية فتح باب المفاوضات مع ايران اقليميا ودوليا، على اساس انه بالرغم من القلق الاقليمي والدولي من الخطوة الايرانية، الا ان هناك تناقضات يمكن ان تبرز بين دول المنطقة والغرب اذا كانت هناك مخططات عسكرية ضد ايران، وستكون طهران هي المستفيدة من ظهور هذه المتناقضات في التعامل معها. فالمنطقة تعاني من حالة فوضى كبيرة، ولا تحتمل المزيد من التصعيد العسكري، وقد تقف دول مهمة في الشرق الاوسط ضد استهداف طهران عسكريا فقط، لان الاوضاع لا تسمح بهذا. وتستند المصادر ذاتها الى الزيارة التي يقوم بها رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني الى كل من سورية والكويت مصطحبا معه ممثل المرشد الايراني في مجلس الامن القومي المدير السابق لمجلس الامن القومي حسن روحاني. ويطرح البعض امكانية فتح الحوار بين طهران وواشنطن، وذلك استنادا الى جملة امور، تأتي في مقدمتها الرغبة الايرانية في انتاج الوقود النووي عبر النافذة الدولية وليس بعيدا عنها. ومع انه من المبكر معرفة كامل رد الفعل الدولي على الخطوة، اما مدى صمود النخبة الايرانية معا في الدفاع عنها، اذا ظهر ان تكلفتها الدولية على ايران ستكون فادحة، فان الحقيقي في هذه اللحظة ان الايرانيين لا يريدون التراجع للوراء، ووقف التخصيب.

* رئيس المركز العربي للدراسات في طهران