الهروب إلى الجنة

TT

الخوف من الفاقة والفقر لم يعد يهدد هؤلاء الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون على رزق «اليوم باليوم»، بل أصبح يطال الموظفين والتكنوقراط الذين كانوا قبل أشهر قليلة من صفوة الطبقة الوسطى الفلسطينية، الذين يعتمد غالبيتهم في معيشتهم على ما يتقاضونه من رواتب من السلطة الفلسطينية التي أعلنت إفلاسها. فحجم المشكلة امتد من ثلثي سكان الضفة الغربية وقطاع غزة الذين كان معظمهم تحت خط الفقر بالأساس، ليتهدد ايضا الثلث الباقي، الذي كان يعتمد في معيشته على راتبه الوظيفي من السلطة الفلسطينية. فمع وقف الدعم من الدول المانحة ومع وقف إسرائيل لتحويل أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية بعد وصول حركة «حماس» للسلطة ستوقف أيضا حال معاش أكثر من 140 ألف فلسطيني. والواقع انه بجردة سريعة يمكن تأكيد ان غالبية المراهقين الفلسطينيين الذين قاموا بعمليات انتحارية ينتمون الى الطبقة الوسطى, دون ان يرتبط هذا بالتعليم، فغالبية هؤلاء الشباب يحملون شهادات عليا. وبحسب دراسة أجراها باحثون إسرائيليون في مركز «دراسات الأمن القومي» في حيفا في أواخر العام الماضي فإن هناك 1200 متطوع في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ينتظرون دورهم على لائحة «الاستشهاديين»، وهم يرون ان أحد أهم أسباب هذا التوجه لدى الشبان الفلسطينيين يكمن في الحصار الخانق وفي سياسة التجويع والتوغلات العسكرية والمشاهد اللاإنسانية التي يتعرض لها الفلسطينيون على المعابر، وبسبب النزعة الدينية لدى الغالبية العظمى من الشباب المراهق، تبدو العمليات الانتحارية مهربا من الاوضاع القائمة وغير المحتملة واقصر طريق للجنة. ووفقا لهذه الدراسة التي قامت باستقصاء أحوال الذين نفذوا تلك العمليات الانتحارية فإن 60% من المنفذين هم حديثو العهد بالانتماء الى التنظيمات الفلسطينية، ومن بين هؤلاء الشباب هناك 153 «استشهادياً» حاصلون على دراسات عليا، و58 منهم من ذوي التعليم الثانوي، وهناك فقط 42 غير متعلمين. ولا يمكن فصل التردي الاقتصادي الذي تعيشه المناطق الفلسطينية حاليا، عما سبقه من سياسات اقتصادية مدمرة. فقد لاحظ الخبراء الاقتصاديون الدوليون أن السلطة الفلسطينية، منذ قيامها عام 1994 «ظلت في حال اعتماد كلي على إسرائيل». كما لاحظ تقرير البنك الدولي المكلف متابعة الاقتصاد الفلسطيني، أن السلطة لم تهتم بما يكفي بخلق فرص عمل، كما لم يتم بناء مناطق صناعية أو تجهيز البنية التحتية لتنظيم قوة العمل، ولم تتخذ الخطوات اللازمة لجلب الاستثمار. ولاحظ التقرير الصادر في العام 2004 أنه وباستثناء ثلث السكان الذين يتقاضون رواتبهم من السلطة الفلسطينية ليس هناك أي مصدر حقيقي لتشغيل العمال سوى العمل لدى إسرائيل الذي يعتبر مصدر رزق إضافيا. وهذا موجود فقط عندما توافق إسرائيل على فتح المعابر ومنح العمال الفلسطينيين تأشيرات عمل.

وما كان بالإمكان فتح هذه المعابر في ظل الانتفاضة التي ألحقت أفدح الضرر بالوضع المعيشي للفلسطينيين، وخاصة في أوساط الطبقة العاملة. ولا ريب فإن انعدام فرص العمل هذا ظهر في مؤشرات عديدة أهمها مستوى دخل الفرد الفلسطيني، حيث بلغ دخله السنوي ما مقداره 1750 دولاراً في عام 1999 ليهبط إلى 850 دولاراً فقط في عام 2004. كما انخفض الناتج المحلي الفلسطيني لعام 2004 بنسبة 40% قياسا بعام 1999. كما لاحظ التقرير ذاته الارتفاع الهائل في نسبة عدد الفقراء من 20.1% عام 1997 إلى أكثر من 60%عام 2002، وأن 67.6% من الأسر عانت الفقر عام 2003. وتفيد نتائج المسح الذي أجري في عام 2002 أن هناك 63.8% هم تحت خط الفقر وأن 53.5% من الأسر في الضفة الغربية هي تحت خط الفقر، بينما تتضاعف النسبة بشكل مخيف في قطاع غزة التي بلغت مستوى قياسيا وصلت فيها 82.7%.

وتتعدد مستويات الفقر بين الفلسطينيين لتصل ذروتها في قطاع غزة وتتجلى هذه المظاهر في وجود أسرتين من كل ثلاث أسر فقيرة تعيش الفقر المدقع، أي أنها لا تستطيع توفير المتطلبات الدنيا من الطعام والملبس والمسكن، مقارنة مع أسرة واحدة من كل أسرتين في الضفة الغربية. كما لاحظت نتائج المسح الذي جرى بهذا الخصوص، الانخفاض الحاد في نسبة العمالة الفلسطينية في إسرائيل من 22.9% في نهاية 1999 إلى 9.7% في عام 2003. كاتبة وصحافية فلسطينية تقيم في فيينا