أسعار رخيصة .. للقلب

موضوع حساس لم يناقش خلال قمة بوش ــ جينتاو .. فما هو؟

TT

بحث الرئيس الصيني هو جنتاو أمس خلال زيارته لواشنطن بدعوة من الرئيس جورج بوش، عدد من المواضيع المشتركة. ولكن لم يثر بوش قضية حساسة وهي اتهامات للصين بازدهار تجارة بيع وشراء اعضاء جسم الانسان، ربما لأن الصين تعمدت ان تعلن، قبل الزيارة، انها ستتخذ خطوات للرد على الاتهامات. وقبل ذلك كانت وزارة الخارجية الاميركية قد طلبت من الصين ان تحقق في الموضوع. وربما لهذا اعلنت بكين انها بداية من اول يوليو (تموز) ستمنع بيع وشراء اعضاء جسم الانسان بدون شهادة مكتوبة من كل شخص يريد الاستفادة من اعضاء جسمه بعد وفاته, وذلك ردا على ضغوط واتهامات عالمية بأنها تريد اكتساح سوق اعضاء الجسم باسعار رخيصة (وخاصة القلب والكلية والمعدة)، مثلما اكتسحت اسواق كثير من المصنوعات والمنتجات مستفيدة من عمالتها الرخيصة.

والحديث عن قضية بيع الاعضاء، وتأثيرها على العلاقات الدولية ليس من قبيل المبالغة، فتجارة بيع الاعضاء تنمو بطريقة مثيرة جدا، خاصة التجارة السرية غير القانونية التي تتم بدون مراعاة أية قوانين او قواعد انسانية. وفي هذا الاطار توضع بلدان كالصين والهند في دائرة الاتهام، فالسلطات هناك تتجاوز عن الكثير من المخالفات من اجل الربح، ولا تستطيع أية جهة ان تحدد على وجه الدقة حجم الانفاق العالمي على تجارة الاعضاء، غير ان الرقم هائل بلا شك، فنقل الاعضاء يتم تقريبا على مدار الساعة في العالم كله، وهناك اعضاء انسانية «جاهزة» للبيع في كل دقيقة. فالمواقع الإلكترونية للمراكز الطبية الصينية، تعلن بكل مفتوح عن امكانية تجهيز كلية للبيع في غضون اسبوع، او على الاكثر شهر، ومع انها لا تقول لمئات الالاف من المرضى الاجانب الذين يتوجهون كل شهر لاجراء عمليات لنقل الاعضاء في الصين، ان الاعضاء الذين سيحصلون عليها، مأخوذة من اشخاص اعدموا وانه ليس من المؤكد انهم وافقوا قبل اعدامهم على نقل اعضائهم لاشخاص اخرين، الا ان المرجح هو ان الاعضاء التي تعرضها المراكز الطبية الصينية، تكون غالبا لاشخاص اعدموا. وتقدم هذه الاعضاء بسرعة لافتة، بل ان احد المراكز الطبية قال انه يستطيع ان يوفر امعاء «فورا»، وتكلفة بيع الكلية 62 الف دولار وهو رقم معقول مقارنة، بالمبالغ التي تدفع في اماكن اخرى، اما سعر بيع القلب فهو فقط 140 الف دولار، وهو ايضا رقم معقول. وهناك شكوكا عالمية بأن تلتزم الصين بما اعلنت. ورد شو ماومنغ، متحدث باسم سفارة الصين في واشنطن، قائلا «نحن ملتزمون بالمعايير الطبية الاخلاقية. ونحصل على كل عضو بدون اي ضغط على اي انسان. في الصين يقدم المواطنون اعضاءهم طواعية».

لكن هذا الرد الدبلوماسي لا يقلل من الشكوك العالمية. وذلك لأن الحكومة الصينية لا تقدم معلومات كافية: اولا، عن الذين يتبرعون باعضائهم، والذين يقبلونها. وثانيا، عن الاجهزة والمؤسسات التي تشرف على ذلك، ومدى شفافيتها ومصداقيتها. وثالثا، عن تعريف طبي محدد لحالة «الموت الدماغي»، أشارة الى اهمية ذلك لتحديد اذا كان الشخص مات فعلا، او ان الاطباء نقلوا اعضاءه وهو حي او شبه حي.

وأشارت وزارة الخارجية الاميركية، في شهر مارس (آذار)، في تقريرها السنوي عن حقوق الانسان، الى ان الصين تبيع اعضاء الذين حكم عليهم بالاعدام. وتساءل التقرير «اذا حصل اي مسؤول على موافقة تطوعية وكاملة وموثوق بها من كل سجين او من اقربائه» قبل نقل اعضاء جسمه.

وقد اثارت منظمة العفو الدولية، منذ سنوات كثيرة، نفس الموضوع. وأعلنت، أخيرا، ارقاما اوضحت بأن الصين اعدمت، في السنة قبل الماضية، 3400 شخص، وحكمت بالاعدام على 6000 آخرين. لكن المنظمة قالت انها تعتقد ان الارقام الحقيقية اكثر من ذلك، والكثير منهم اخذت منهم اعضاؤهم بعد اعدامهم. وأثارت نفس الموضوع ايضا طائفة «فالون غونغ» الدينية الصينية المعارضة التي تنتقد سيطرة الحزب الشيوعي على الحكم هناك. (وتعرض اعضاؤها، بسبب ذلك، الى مضايقات واعتقالات واحكام بالاعدام). وأعلنت الطائفة، أخيرا، ان «آلافا» من اعضائها الذين اعتقلوا اما اعدموا ونقلت اعضاؤهم، او نقلت اعضاؤهم خلال عمليات جراحية بدون موافقتهم.

وأخيرا ازداد الاهتمام العالمي بتجارة الاعضاء العالمية، وبدور الصين، بسبب ظاهرة سفر اميركيين واوروبيين الى هناك للاستفادة، اولا، من توفر الاعضاء نسبيا، وثانيا، من انخفاض تكلفة العملية الجراحية. لكن الصين قالت إنها لا تصنف المرضى الى صينيين واميركيين، ولا تمنع الاميركيين من العلاج فيها، ولا تحدد (في عصر الرأسمالية الشيوعية) اسعار العمليات والمعاملات الطبية وغير الطبية. وقال هاري وو (اميركي من اصل صيني)، ومدير مركز ضغط صيني في واشنطن، ان الموضوع ليس سياسيا او طبيا، ولكنه ثقافي. اي ان هناك تفكيرين مختلفين، اميركيا وصينيا، ليس فقط عن اعضاء الذين يعدمون، ولكن، ايضا، عن حكم القانون بصورة عامة.

مثلا: يمنع القانون الاميركي كل معتقل محكوم عليه بالاعدام من ان يتبرع باعضائه لان «مجرد وجوده داخل السجن كمعتقل يؤثر على حريته، وبالتالي، على حرية قراره في اختيار التبرع او عدم التبرع». وصدر هذا القانون قبل انتشار مرض الـ«ايدز» في اميركا، وخاصة في سجونها، وصعوبة التأكد من نظافة دم المعتقلين، ناهيك من اعضائهم.

واجرى الاطباء الاميركيون، في السنة الماضية، حوالي ثلاثين الف عملية لنقل اعضاء. وتدريجيا بات موضوع تجارة الاعضاء دوليا على نحو متزايد، فقد كشفت الشرطة الدولية، قبل ثلاث سنوات، شبكة لتجارة الكلي ضمت البرازيل وجنوب افريقيا واسرائيل. يسافر الاسرائيلي الى جنوب افريقيا للعلاج في مستشفى معين، ويدفع مائة الف دولار، وينتظر الكلية. وفي نفس الوقت، يسافر عضو في الشبكة الى قرية في حوض نهر الامازون في البرازيل (تسمى المنطقة «قرى الكلية»)، ويدفع لقروي عشرة آلاف دولار، وتكاليف السفر الى ومن جنوب افريقيا، وتكاليف الاقامة في فندق وفي المستشفى، مقابل «التبرع» بكلية تنقل الى الاسرائيلي المنتظر. وزارت الهند، قبل سنتين، بعثة تلفزيونية تابعة لمجلة «ناشونال جوغرافيك» الاميركية الشهرية لتصوير «قرى كلية واحدة». واشتهرت بهذا الاسم لأن كثيرا من فقرائها تبرعوا بكلياتهم، وبقي كل واحد بكلية واحدة. وعرضت ليزا لنغ، مذيعة البعثة، ثمانمائة دولار للكلية، وانهمر عليها الفقراء، وصورتهم وهم يفعلون ذلك. وقالت «كان هذا راتب سنة كاملة لكل واحد منهم. لكن لن يقدر اي واحد منهم على التبرع بالكلية الثانية».

كما قدم تقرير اصدره مركز «تجارة الاعضاء» في بيركلي، في ولاية كاليفورنيا (بعض اعضائه اساتذة في جامعة كليفورنيا هناك) احصائيات عن الموضوع. واشار الى دول مثل البرازيل، وكوبا، واسرائيل، وايران، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وجنوب افريقيا، وقال ان شبكات غير قانونية تعمل فيها. حتى موقع «اي باي» للبيع والشراء في الانترنت، عرض قبل سنوات، كلية لمزاد علني، وصلت قيمتها الى ستة ملايين دولار تقريبا، قبل ان تنتبه ادارة الموقع، وتلغي المزاد لأنه خرق القانون الاميركي. وأشار التقرير الى بحث شمل ثلاثمائة هندي كان كل واحد «تبرع» بكليته قبل خمس سنوات او اكثر. ووجد الباحثون ان 90% منهم يعانون من امراض، وفصل 40% من وظائفهم لأن مخدميهم لاحظوا بطء حركتهم. واشتكى 70 % من امراض نفسية، منها القلق من توقف الكلية الثانية. وفكر عشرة % في الانتحار، وسمع الذين اجروا البحث اشاعات بأن بعضهم انتحر فعلا. ونشرت، في السنة الماضية، جريدة «نيشن» في ليلنغوي، عاصمة مالاوي، تصريحا لوزير الداخلية هناك عن القبض على اعضاء عصابة تتاجر في الاعضاء في فندق في العاصمة، ومصادرة اعضاء تناسلية لخمسة رجال، واكتشاف جثة رجل يعتقد انه صاحب واحد من الاعضاء التناسلية. وقال الوزير، الذي كان يخاطب البرلمان، ان «رئيس العصابة سائق تاكسي، ولا يعرف اي شيء عن العمليات الجراحية» واضاف: «سنقدمه وزملاءه الى المحكمة بتهم القتل لدافع الربح» وقالت الجريدة: «تشير تقارير محلية الى ان تجارة الاعضاء التناسلية اصبحت مثل كنز من الذهب» لكنها اضافت أن الهدف ليس نقلها الى آخرين، ولكن «لممارسة تقاليد قبلية ونشاطات شيطانية»، لكن تجارة الاعضاء لا تقتصر على الدول الفقيرة، فقد اعلن، أخيرا، مسؤولون يابانيون انهم يحققون في ظاهرة سفر يابانيين اثرياء الى الصين لاجراء عمليات لنقل الكلى. ونشرت، في الاسبوع الماضي، مجلة «ميدل ايست تايمز» تقريرا عن تجارة الاعضاء البشرية في مصر، اشار الى معلومات ، بأن اثرياء عرب يسافرون الى مصر لشراء اعضاء من مصريين وسودانيين. ونسب التقرير الى حمدي السيد، نقيب اتحاد الاطباء المصريين، قوله ان الثري العربي «يقدر على ان يدفع 80.000 دولار يتقاسمها الطبيب وصاحب العضو والوسيط». واضاف السيد ان الثري العربي «يأتي الى مصر لعملية نقل كليه، ومعه مرافق، يقولان بأنه سيتبرع بكليته. لكن هذا مجرد غطاء، لانهما يأتيان الى هنا، ثم يبدآن البحث عن مصري او سوداني مستعد لبيع كليته».

وقال التقرير ان انتشار تجارة الاعضاء في مصر جعل البعض يسميها «برازيل الشرق الاوسط».

* .. وكرت السبحة > اجريت، قبل مائة سنة، اول تجربة لنقل عضو، وكان ذلك في مستشفى جامعة النمسا في فينيا عندما نقلت كلية من قرد الى آخر. ونقلت بنجاح، سنة 1954، اول كلية من انسان حي الى آخر. ونقلت بنجاح، بعد ذلك بعشر سنوات، اول كلية من انسان ميت الى آخر. ونقل بنجاح، سنة 1968، اول بنكرياس. ونقلت بنجاح، في نفس السنة، اول معدة. ونقل بنجاح، في السنة التالية، اول قلب. ونقلت بنجاح، سنة 1981، اول رئة، وبعد ذلك بخمس سنوات اول رئتين معا. ونقلت بنجاح، في نفس السنة، اول امعاء. ولم تكن المشكلة هي النقل، بقدر ما كانت تطور التكنولوجيا، وخاصة المحافظة على حياة العضو وهو ينقل من مكان الى آخر، وعلاج رفض جسم انسان لعضو انسان آخر. وقد اخترع، سنة 1961، دواء «ازاثيوبرين» لعلاج رفض العضو الغريب، وطور، وزادت فعاليته، بعد سنوات، عندما استعمل مع دواء «ستيرويد»، وساعدت ادوية اخرى على تطور نقل الاعضاء. لكن تقرير مركز «تجارة الاعضاء» في كاليفورنيا لاحظ انه كلما تطورت تكنولوجيا نقل الاعضاء، زاد عدد الذين يريدون استبدال اعضائهم، وزادت المنافسة على «المتبرعين».