«القاعدة» في اليمن.. الفكرة والتنظيم

كيف أدت بعض الممارسات الرسمية إلى زيادة عناصر تنظيم «القاعدة» وتجنيدهم في السجون اليمنية؟

TT

تؤكد الحكومة اليمنية دائما أنها شريك رئيسي لاميركا والعالم في الحرب على الإرهاب الذي يشكل محوره الأساسي تنظيم «القاعدة»، وتؤكد على مواجهة هذا التطرف بـ«السبل الأمنية» وبـ«الحوار» معا مع معتنقي الفكر المتشدد.

وبالعودة إلى الوراء قليلا لاستكشاف وجود «القاعدة» في اليمن، نجد ان هذا التنظيم وكما هو معروف نفذ عمليتين إرهابيتين كبيرتين في المياه اليمنية، الأولى كانت استهداف السفينة الحربية الاميركية «يو. اس. كول» عام 2001، والثانية كانت تفجير ناقلة النفط الفرنسية «ليمبورج» عام 2002. وبخلاف ذلك أحبطت السلطات اليمنية بعض العمليات الإرهابية لجماعات تتبع «القاعدة» «مباشرة»، وعمليات أخرى منظمة في جماعات متطرفة «عنقودية» تدين بالولاء لفكر «القاعدة»، على الاغلب من خلال تجربة «الجهاد» في افغانستان، غير انها لا تتبع لتنظيم «القاعدة» بشكل مباشر. ففي اليمن هناك الكثير من المشايخ الذين يؤمنون بأفكار أسامة بن لادن ويهللون عند كل عمل تقوم به جماعته في أي بقعة من العالم. والعشرات من الإسلاميين يحاكمون اليوم في اليمن بتهمة الانتماء لـ«القاعدة»، فيما أعلنت السلطات عن قرب إحالة 170 عنصرا من «القاعدة» إلى القضاء وهم يخضعون حاليا للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة والإرهاب (الجزائية) وضمن ابرز من يحاكمون حاليا من تقول صنعاء انه الرجل الثاني في «القاعدة» والمسؤول المالي للتنظيم في اليمن حمدي الأهدل. كما يجري تعقب عدد من عناصر «القاعدة» المدانين في حادثتي «كول» و«ليمبورج» وعددهم 23 شخصا فروا قبل نحو شهرين من معتقلهم بسجن المخابرات بصنعاء. «الشرق الأوسط» تتطرق لملف القاعدة في اليمن، وذلك بلقاء مع احد عناصر «القاعدة» الذين اطلق سراحهم مؤخرا وهو رشاد محمد سعيد المكنى بأبي الفداء الذي يكشف لأول مرة عن كيفية معاملة عناصر «القاعدة» المفرج عنهم في اليمن، كما يتطرق لشكل «القاعدة» في اليمن، وتركيبها، وأجندتها والأسباب وراء تجنيد المئات من الشباب في تنظيمات تحمل فكرا متطرفا. كما تقف «الشرق الاوسط» عبر مقابلات مع متخصصين وخبراء ومحامين على مستقبل «القاعدة» في اليمن، ومدى نشاطها اليوم. فعندما قامت السلطات اليمنية بإطلاق عدد من الناشطين الاسلاميين الذين اعلنوا توبتهم، كان من المفترض نظريا ان يكون هذا بداية «الاندماج» و«الادماج» في المجتمع، غير ان الواقع كان مختلفا، اذ ان الذين اطلق سراحهم، من المفترض انهم عناصر القاعدة في السجون اليمنية، يعانون ظروفا غير عادية. ويكشف أبو الفداء لـ«الشرق الاوسط» انه ومن أطلق سراحهم من سجون المخابرات اليمنية خلال الفترات الماضية من أعضاء «القاعدة» يعانون من إجراءات أمنية معقدة جعلتهم تحت ما يشبه «الإقامة الجبرية»، حسب تعبيره. حيث «يتممون» شهريا لدى الأجهزة الأمنية. وهؤلاء أفرج عنهم في ضوء «الحوارات الفكرية» بين الدولة وأعضاء «القاعدة» والعائدين من أفغانستان والذين أعلنت الحكومة اليمنية أنهم «أعلنوا التوبة عن الأفكار المتطرفة» و«العنف» وبالأخص ضد الأجانب والمصالح الأجنبية في اليمن. وهي الحوارات التي أجرتها لجنة فكرية من علماء المذهبين الزيدي والشافعي في اليمن برئاسة القاضي حمود الهتار، عضو المحكمة اليمنية العليا.

ويكشف أبو الفداء لأول مرة أن تحركات «الشباب»، كما يسميهم، بين المحافظات اليمنية المختلفة لا تتم إلا باستئذان من جهاز الاستخبارات، وان جوازات سفرهم وبطاقات هوياتهم الشخصية مسحوبة منهم وان كثيرا منهم يقومون كل شهر بتوقيع حضور إلى الأجهزة الأمنية التي يقعون في نطاقها. وفي بعض المحافظات تسلم لهم أوراق يكتبون فيها ماذا فعلوا طيلة الشهر الماضي. ثم يقول ابو الفداء في هذا الصدد «ان كانت أميركا طلبت منهم ذلك فهي تدفع بالأمور نحو التأزم وان كانت لم تطلب ذلك فانا انصحهم أن يبتعدوا عن التخوف». ويرى أن هذه السياسات الأمنية المتبعة «تصنع من بعض الناس العاديين أبطالا وأسودا». ويقول إن بعض المعتقلين أو الذين اعتقلوا «لا يحفظون جزءا واحدا من القرآن الكريم وليست لديهم أبجديات العمل العسكري»، وبعضهم «لا يعرف أسامة بن لادن ولكنهم يخرجون إلى قومهم من المعتقلات أبطالا «بسبب التصرفات الأمنية والاستخباراتية»، رغم انه اجمالا يشيد بتعامل أجهزة المخابرات اليمنية مع معتقلي «القاعدة» ويصف التعامل بالايجابي أكثر من بقية البلدان العربية «حيث لم تسفك دماء كثيرة»، كما لم يستهدف عناصر «القاعدة» المسؤولين في الدولة «كون الجميع مسلما ولا يجوز استهداف الآخرين». ويجزم أبو الفداء الذي كان ضمن أعضاء القاعدة في أفغانستان أن «جميع الشباب لا يرون أو يفكرون في القيام بأي عملية في اليمن»، وبالتالي يرى أن على الأجهزة الأمنية أن تكون لديها القدرة على التعاطي مع عضو «القاعدة» «نفسيا». ويتساءل عن أسباب سجنهم وحقنهم بروح العداء والبغضاء حتى تجعلهم يتحسرون على حالهم ويتمنون لو كانوا فعلا قاموا بما سجنوا من اجله. ويرى أن هذه السياسة ساعدت «القاعدة» في التوسع حتى في أوساط المعتقلين في السجون اليمنية.

وقد حاولت «الشرق الأوسط» التحدث إلى مصادر أمنية في وزارة الداخلية وجهاز الأمن السياسي (المخابرات) من اجل التعليق على حديث أبي الفداء، من دون جدوى، غير أن مصدرا أمنيا قال لـ«الشرق الأوسط» إن ما طرح فيه مبالغة.

أما الموضوع الآخر الساخن على الساحة اليمنية، فهو تسفير عناصر يمنية الى العراق، غير أن أبا الفداء ينفي وجود نشاط «رسمي ومنظم» لـ«القاعدة» باتجاه تسفير شباب يمنيين للقتال في العراق. ويقول إن الذين يسافرون إلى العراق هو محض «عمل فردي»، وان «بعض الذين سافروا إلى العراق ونفذوا عمليات لا يفقهون حتى في الصلاة». ويجزم بأنه وحتى اللحظة لم يصدر تصريح أو استعانة أو طلب من زعيم القاعدة بن لادن أو مسؤول «القاعدة» في العراق أبو مصعب الزرقاوي للاستنجاد وطلب مقاتلين يمنيين إلى العراق «لكنهم يطلبون النصرة وهي بالمال أو الدعاء أو القلم أو بأي شيء». وحول شكل وحجم «القاعدة» في اليمن، يؤكد ابو الفداء أن القاعدة من حيث الهيكلية التنظيمية ليست موجودة في اليمن، من جهة الشكل التنظيمي كأمير ونائب وخلايا. ويعتقد أن ما يوجد في اليمن هو عبارة عن «مجموعة أفراد ذهبوا إلى أفغانستان وربطتهم علاقات مصيرية بالشيخ أسامة بن لادن، كونهم رفقاء جهاد ودرب». ويقول ابو الفداء إن تنظيم القاعدة في اليمن «عنقودي» وليس «هرميا»، أي مجموعات منفصلة عن بعضها البعض، «وان في اليمن سيولة بشرية من المجاهدين لكنهم غير مرتبطين تنظيميا وإنما تربطهم الفكرة». ويؤكد أبو الفداء ان أبا علي الحارثي، العضو البارز في «القاعدة» الذي قتل بصاروخ من طائرة أميركية بدون طيار عام 2003 كان الرجل الأول للقاعدة في اليمن لعدة أسباب منها كبر سنه، وحصانته القبلية (ينتمي لإحدى قبائل مأرب بشرق البلاد)، وسابقته في الجهاد لانه حارب فى افغانستان. لكنه يعتقد أن أبا علي الحارثي لم يكن يعرف جميع المجموعات التابعة للتنظيم في اليمن. وحول محمد حمدي الأهدل «أبو عاصم الأهدل» الذي يعتقد انه الرجل الثاني للقاعدة في اليمن والمسؤول المالي للتنظيم، والذي حكم عليه مؤخرا بالسجن 37 شهرا بتهمة جمع أموال من متبرعين في المنطقة لصالح تمويل عمليات إرهابية في اليمن، يؤكد أبو الفداء أن أبا عاصم جمع فعلا الأموال في فترة من الفترات لصالح مجاهدي الشيشان والبوسنة وبمباركة عربية ودولية وعبر حسابات وبنوك رسمية، لكنه «لم يثبت عليه حتى في محاكمته الجارية انه جمع أموالا لتمويل عمليات في اليمن». واذا كان ابو الفداء يقول ان القاعدة فى اليمن تنظيم «عنقودي فكري» اكثر منها تنظيم «هرمي مركزي عملياتي»، يوضح المحامي اليمني الإسلامي البارز محمد ناجي علاو، المنسق العام للمنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق والحريات «هود» والنائب السابق في البرلمان لـ«الشرق الاوسط» ان وجود تنظيم القاعدة في اليمن «مسألة بديهية»، باعتبار أن الجماعات التي كانت تذهب إلى أفغانستان بغرض المناصرة خلال الاحتلال الروسي لأفغانستان، كانت كلها واغلبها من اليمن ومصر والخليج، فكان من الطبيعي أن يكون في اليمن تواجد لهذه العناصر وخاصة انه كان لها قيادات مرحبا بها، لان اليمن بالنسبة لها كانت ملاذا أمام المضايقات التي تمت في الكثير من البلدان العربية. أما عن حجم التواجد الحالي ونشاط التنظيم الان، فيقول علاو إنه لا يعتقد أن بمقدور أي «محلل سياسي أن يعطي معلومات تفصيلية ودقيقة عن وجود القاعدة وانتشارها وحيزها. والأجهزة الأمنية باعتقادي، التي يفترض أنها تمتلك الكثير من المعلومات، لا تستطيع أن تحصي أفكار الناس وتوجهاتهم وما يمكن أن يستجد من الخلايا في أي تنظيم فكري خاصة أن جذور المشكلة أصلا لم تحل.

ويرى علاو أن استمرار اعتقال ومحاكمة العشرات من المعتقلين بتهمة الانتماء للقاعدة «واحدة من أسباب استمرار العنف أصلا». ويؤكد ما قاله أبو الفداء حول أن الأجهزة الأمنية اليمنية تفرض حصارا مطبقا على المفرج عنهم من معتنقي الفكر المتطرف. ويتابع «تم الحوار مع الكثير من هؤلاء الشباب على أساس انه وبعد الحوار ان يقسموا أيمانا أنهم سيطيعون ولي الأمر، وبأنهم سيفرج عنه، لكن لم يفرج عن الكثيرين، ومن أفرج عنه تمت مضايقته وما زال لا يستطيع أن ينتقل من مدينة إلى أخرى إلا بإذن من جهات الأمن، لا يستطيع أن يحضر جنازة أبيه أو حفل عرس لقريب إلا إذا ما استأذن وطرح مبررات لهذا. كما يضايقون في قضية العمل، لا احد يستطيع أن يوظفهم، وكثير منهم يفضلون البقاء في السجون على أن يخرجوا على هذه الشاكلة».

ويصف علاو، وهو ايضا قيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي المعارض بزعامة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر المحاكمات للمتهمين بالانتماء لتنظيم «القاعدة» بأنها «صورية وتجري بصورة مخالفة للدستور، من خلال محاكمات استثنائية وغير عادلة لا تتوافر فيها حقوق الدفاع بالتأكيد، كل هذا لا اعتقد إلا أنه يقمع الناس ليطوروا أشكالا أخرى في مقاومة هذه الطرق التي يواجهون بها». ولا ينكر الدكتور احمد الدغشي، أستاذ أصول التربية المشارك بجامعة صنعاء، والمهتم بشؤون الجماعات الإسلامية وجود تنظيم القاعدة في اليمن، ولكنه يتساءل عن حجم هذا التنظيم فى الواقع. ويقول إن تنظيم القاعدة يمثل شقين، تنظيم يقوم على الفكرة التي هي في قلب كثيرين ربما لا يعرفون تنظيم القاعدة أو رموزه أو شخصياته، ولكنهم يؤمنون بأفكاره ويبررون له أفعاله بحكم ما يجري من اضطهاد ومظالم عديدة هنا وهناك. ويتايع «من هنا القاعدة كفكرة موجودة في نفوس الكثيرين، أما كتنظيم ونسق وعمل على الأرض يجري وفق خطط موجهة من قبل قيادات قاعدية، فهذا محدود جدا والمنضوون تحت هذا الإطار ربما ليسوا بالعدد الذي يصور إعلاميا على المستوى الداخلي والخارجي».

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول مستقبل «القاعدة» في اليمن يقول الدغشي «في اعتقادي أن الحرب على ما يسمى بالإرهاب قد قضت على القاعدة إلى حد كبير كقاعدة، لكنها أوجدت بالمقابل قواعد عديدة لا تنتمي إلى هذا التنظيم وإنما تنتمي إلى الفكرة، كما اعتقد أن تنظيم القاعدة في اليمن منته وذاهب وآفل ولا يمكنه أن يدوم إلا في حالة واحدة إذا أرادت الولايات المتحدة عن طريق الإرهاب الذي تديره هنا وهناك». وكما يشكك الغشى فى الحجم الحقيقي لعناصر القاعدة في اليمن، يقول عبد العزيز السماوي، المحامي الأشهر في الترافع عن أعضاء «القاعدة» أمام المحاكم اليمنية إنه لا يستطيع أن يجزم أن كل من حوكم هو عضو في «القاعدة» باستثناء من أعلن عضويته. ويرى أن هناك تهما تلقى جذافا على البعض «أنا معني فقط بـ هل هؤلاء ارتكبوا جرائم أم لم يرتكبوا .. هل يحاكمون فقط لأنهم من تنظيم القاعدة دون أن يرتكبوا عملا جنائيا؟». ويكشف المحامي السماوي لـ«الشرق الأوسط» أن معظم الذين قدموا إلى المحاكمات واجهوا تهما فقط لأنهم فكروا في القيام بأعمال في اليمن أو أرادوا السفر إلى العراق لقتال القوات الأجنبية هناك. ويتابع «لا أستطيع أن أتصور أن شخصا يسجن ويحاكم فقط لأنه يريد السفر للعراق».