سبب آخر للخوف.. من الصين

TT

يستكمل بناء «سد المضايق الثلاثة» الصيني غدا، قبل 9 اشهر من الموعد الرسمي لاستكماله، إلا انه لم يتم بعد تركيب جميع التوربينات الكهربائية المتوقع ان تعمل بالكامل عام 2009. وسيكون يوم الافتتاح الرسمي يوما حافلا ليس على مستوى الصين فقط، بل على مستوى العالم، فسد المضايق الثلاثة هو ببساطة اكبر مشاريع التشييد المدني في العالم، ولهذا السبب يتدفق السياح الأجانب بمئات الآلاف على الصين لحضور الافتتاح. وسيصل عرض السد المقام على نهر «يانغتسي»، ثالث اطول نهر في العالم بعد نهري «النيل» و«الامازون» الى 1.3 ميل وارتفاعه الى 610 أقدام. وبعد الانتهاء من تركيب التوربينات الكهربائية بالكامل سيصبح بإمكانه توليد ما يصل الى 18200 ميغاوات من الكهرباء من 26 توربينا، طاقة كل منها تساوي مفاعلا نوويا متوسط الحجم. ويعتقد ان مؤسس الصين الحديثة، صن يات صن، هو اول من اقترح فكرة بناء سد لتوليد الكهرباء في منطقة المضايق الثلاثة عام 1919. وفي منتصف الخمسينات وبعد فيضانات مدمرة عبر نهر «يانغتسي»، أمر الزعيم الصيني ماوتسي تونغ بإجراء دراسات جدوى حول اقامة سد على النهر، إلا ان القرار السياسي ببناء السد لم يتخذ فعليا إلا عام 1992، وبعد ذلك بعام بدأ الانشاء، وبلغت تكلفة البناء حتى الآن 30 مليار دولار. لكن منذ طرحت فكرة انشاء السد باتت مصدرا للجدل في الصين والعالم بين مؤيد ومعارض. فأنصار تشييده يتحدثون عن تحسين الملاحة في نهر «يانغتسي» وتوليد الطاقة اذ ان من المتوقع ان يصل حجم الطاقة الكهربائية من السد الى 84.6 مليار كيلووات في الساعة، مما سيجعله ايضا اكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية في العالم. كما يشيرون ايضا الى تأثيره على الانتعاش الاقتصادي، وفي الحد من معدلات البطالة، لان ما يتراوح بين 20 الى 30 الف عامل كانوا يعملون الى مدار 24 ساعة يوميا لسبعة ايام في الاسبوع. ايضا سينعش السد المناطق المحيطة بالبحيرة من الناحية الاقتصادية، وذلك بزيادة حركة المرور في النهر، وزيادة التجارة التي يمكن ان تساعد المناطق الفقيرة في اللحاق بالمناطق الساحلية المزدهرة، وستؤثر البحيرة الضخمة التي ستتشكل خلف السد ايجابيا على مناخ وتربة المناطق القريبة. غير ان انصار المشروع يقولون ان أهم منافعه ستكون في السيطرة على الفيضانات في نهر «يانغتسي»، المعروف بفيضاناته العنيفة منذ قديم الزمن، فقد ادى لمقتل مليون شخص في المائة عام الماضية، لكن مع بناء السد سيتم تأمين حياة اكثر من 15 مليون شخص كانت حياتهم وأرزاقهم مهددة بسبب الفيضانات، وذلك بالاضافة الى زيادة الاراضي الزراعية في المنطقة بمليون ونصف المليون هكتار، وكل هذه مزايا تبرر التكلفة المالية الكبيرة للسد الذي تقول السلطات الصينية انه احدى علامات تحول الصين الى قوى عظمى. لكن المعارضين للسد لهم رأي مختلف تماما، فهم يحذرون من اعادة توطين ما يقرب من مليوني صيني. وطبقا للتقديرات الرسمية فانه تم حتى الان تهجير مليون شخص مع نهاية العام الماضي، ويعيش العديد منهم في ظروف بائسة بلا موارد كافية لمواجهة اعباء الحياة. ومن المحتمل وصول الرقم النهائي للمهجرين الى ما يتراوح ما بين 1.3 الى 1.9 مليون شخص، وهو ما يعتبر اكبر عملية تهجير في العالم. وربما يؤدي ذلك الى اضطرابات اجتماعية، فقد حذر علماء الاجتماع الصينيون من ان عملية اعادة التوطين «يمكن ان تؤدي الى مشاكل اجتماعية متفجرة». أيضا أدى بناء السد لإغراق مساحات كبيرة من الاراضي الزراعية والمواقع التاريخية، فقد غرقت 365 بلدة في اقليمي «سيشوان» و«هوباي» تحت مياه البحيرة، وتم نقل 1599 مشروعا صناعيا وتعدينيا وغيرها من المشروعات في اماكن اخرى.

ويخشى المعارضون من تهديد الحياة البرية بسبب غمر المياه للاراضي. وتشير جماعات البيئة الى ان مستوى المياه المرتفع سيؤثر على الاسماك المهاجرة ويقضي على نباتات نادرة ويؤدي الى تلوث المياه، كما تشعر بالقلق خصوصا من الطمي الذي سيتراكم في بحيرة السد، ونوعية المياه السيئة التي يمكن ان تنجم عن تفريغ مياه المجاري والاستخدامات الصناعية في البحيرة مباشرة. ومنذ امتلاء خزان السد قبل ثلاث سنوات اصبحت منطقة السد عرضة لكوارث بيئية. ومن بين العوامل التي يدعو ناشطو البيئة الى اخذها بعين الاعتبار، تأثير مثل هذا المشروع الضخم مستقبلا على ظاهرة الاحتباس الحراري وتغييرات الطقس. وحتى التغييرات الصغيرة في الطقس يمكن ان تؤدي الى تغييرات اساسية في تدفق النهر، حيث تؤدي الى زيادة الترسيب، والفيضانات.

وينظم تحالف من الجماعات البيئية وحقوق الانسان وجماعات التنمية حملة مستمرة منذ فترة ضد المشروع، للفت الانتباه لتأثيره الاجتماعي والبيئي. ونتيجة لهذه الجهود اتخذ مجلس الأمن القومي الاميركي قرارا يمنع الحكومة الفيدرالية الاميركية من المشاركة في المشروع.

لكن بالرغم من الجدل الداخلي والدولي حول الموضوع أصبح مشروع «المضايق الثلاثة» رمزا للوحدة الوطنية بالنسبة للحزب الشيوعي الحاكم، ويعتبر قادة الصين المشروع بمثابة «بطاقة مرور» لتحديث وتطوير الصين، ورمزا لقوة البلاد. ففي خطاب لمهندسي المشروع ذكر لي بنغ، رئيس مؤتمر الشعب ورئيس الوزراء السابق، وهو مهندس اساسا، ان تشييد السد تحول الى احتفاء بالوطنية الصينية وقيادتها السياسية مثلما هو مشروع هندسي ضخم لتوليد الكهرباء. وهو ما يجعل التعامل مع الانتقادات صعبا. فداخل الصين اسكتت الحكومة المعارضة التي تم التعبير عنها في مؤتمر الشعب، عن طريق معارضة لم يسبق لها مثيل من ثلث الاعضاء الذين لم يصوتوا على المشروع عندما تم اقراره عام 1992.

وتؤكد الحكومة الصينية ان السد سيمنع الفيضانات المدمرة، ويدعم اقتصاد الصين عبر توفير ما تحتاج اليه من مصادر الطاقة، بسبب النمو الاقتصادي الهائل، كما سيؤدي الى زيادة الملاحة الدولية في نهر «يانغتسي». وتأمل السلطات الصينية في ان يحل العديد من المشاكل الاقتصادية عند الانتهاء منه بالكامل. وتقدر الحكومة ان الطاقة المولدة من السد ستؤدي الى زيادة الانتاج الصناعي بمقدار 520 مليار يوان سنويا. لكن البعض يرى ان الحكومة الصينية تبالغ في الاثار الايجابية المترتبة على السد، فمع اغلاق العديد من المصانع المملوكة للدولة في السنوات الاخيرة انخفض استهلاك الكهرباء بحدة، وسيصبح لدى الصين فائض من الكهرباء بعد سنوات من التوسع. وبالرغم من ان انصار السد يقولون انه ضروري للتحكم في الفيضانات، فإن الخبرة العالمية في هذا المجال تشير الى ان السدود والحواجز يمكن ان تزيد من سوء الفيضانات الخطيرة، لانها تؤدي لاستقامة مجرى النهر ما يزيد من سرعة المياه وحجمها وقدرتها على التسبب في اضرار، إلا ان ما يقلق الجميع هو التكلفة الانسانية الكبيرة للمشروع، لكن الحكومة الصينية اكدت بالمثال العملي انها لا تكترث كثيرا لمسألة التكلفة الانسانية عندما يتعلق الامر بالنمو الاقتصادي، على اساس ان التنمية المتوقعة من المشروع ستعالج بنفسها الآثار الانسانية السلبية لاحقا.