إيران ـ أميركا.. جاذبية الكراهية

لهفة القادة الإيرانيين على إجراء حوار مباشر مع واشنطن تطرح السؤال: هل هي علامة ضعف أم قوة ؟

TT

اذا كانت مشاعر الكراهية اقوى من مشاعر الحب كما يقولون، فان اللهفة الايرانية لاجراء مفاوضات مباشرة مع اميركا، يجب ألا تثير الدهشة، حتى اذا كانت اللهفة الايرانية قد حطمت في غضون أشهر قليلة ميراث 26 عاما من «العداء العلني الصريح»، و«التفاوض السري». ففي النهاية، انها المرة الاولى منذ الثورة الايرانية 1979 التي يبارك فيها المرشد الاعلى لايران اجراء حوار مباشر مع اميركا، بل ويحرر رسائل لم يقصد فقط ان تكون علنية، بل قصد ايضا وبالأساس ان تنال أكبر قدر من التغطية الاعلامية والنشر. فحسن روحاني، مستشار المرشد الاعلى اية الله علي خامنئي لشؤون الامن، والذي كان كبير المفاوضين النوويين الايرانيين، يعرف كل تفاصيل المسألة النووية، سواء ايرانيا او دوليا، بعث برسالة الى مجلة «تايم» الاميركية قبل ايام قليلة من الاعلان عن خطاب الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى الرئيس الاميركي جورج بوش. واقترحت رسالة روحاني التي وردت في صفحتين اجراء مفاوضات لترحيل الملف النووي من مجلس الامن الى وكالة الطاقة الذرية وهو مسعى ايراني اساسي يتجاوز المسألة النووية الى المسألة الامنية. وقال روحاني في خطابه «ايران توافق على اجراء حوار مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (والدول المعنية) حول مدى وحجم تخصيبها لليورانيوم للاغراض الصناعية». واذا كانت هذه الرسالة ارسلت لواشنطن عبر «التايم» فإن مسؤولين ايرانيين بارزين بينهم رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني ومسؤول الملف النووي ورئيس مجلس الامن القومي الايراني علي لاريجاني وروحاني نفسه اوصلوا رسائل بنفس المعنى الى شركاء ايران الاوروبيين (أهمهم انجيلا ميركل مستشارة المانيا)، ودول شرق اوسطية وخليجية، ومسؤولين دوليين بينهم الامين العام للامم المتحدة كوفي انان ومدير وكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي، لحملها الى الاميركيين وكلها تتضمن نفس المحتوى.. دعونا نجلس وجها لوجه. فلماذا هذه اللهفة الايرانية «العلنية»، وما هو الموقف الحقيقي من التفاوض في الادارتين الاميركية والايرانية، وهل هناك انشقاقات بين الاجنحة المختلفة في طهران وواشنطن، وما هي البدائل امام كل من الطرفين اذا استعصى الحوار؟ وفقا لمسؤول ايراني سابق تحدث لـ«الشرق الاوسط»، فانه «ليس هناك اي شخص في الحكومة الايرانية يرفض الحوار المباشر مع اميركا الان»، كما ان الشارع الايراني يؤيد ذلك، بل ويؤيد عودة العلاقات مع اميركا. واذا كانت الحكومة «شبه موحدة» في دعم الحوار المباشر مع اميركا، خاصة بعد الضوء الاخضر من المرشد الاعلى، فإن النخبة الايرانية ليست موحدة بنسبة 100% فيما يتعلق بتأييد الحوار المباشر. فهناك نسبة من رجال الدين المحافظين النافذين ترى ان «مخاطر الحوار اكبر من فوائده»، الا انهم لا يتكلمون عن هذا علانية خوفا من اغضاب خامنئي، ومن بين النافذين غير المؤيدين للحوار اية الله محمد تقي مصباح يزدي المرشد الفكري لاحمدي نجاد والمرشح لخلافة خامنئي عند وفاته، واية الله علي مشكيني رئيس مجلس الخبراء، وجواد جاهانجير زاده عضو مجلس السياسة الخارجية والامن القومي بالبرلمان الايراني، وحسين شريعتمداري رئيس تحرير «كيهان» المحافظة المعبرة عن مزاج المحافظين الايرانيين. واذا كانت غالبية اعضاء الحكومة الايرانية تؤيد حاليا حوارا مباشرا مع اميركا، فان هذا ليس هو الحال في اميركا، فهناك اقلية غير مؤثرة تؤيد اجراء حوار مباشر مع اميركا، فيما الاغلبية تعارض، وهي نجحت, كما يقول فيلنت ليفيريت الذي شغل منصب مسؤول الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي الاميركي خلال ولاية بوش الاولى, في تجميد مبادرة ايرانية بين 2002 و2003 عبر سويسرا من اجل حوار مباشر تفتح فيه كل القضايا، وهي مبادرة باركها خامنئي. وساعتها لام وزير الخارجية كولن باول ونائبه ريتشارد ارميتاج مستشارة الامن القومي انذاك كوندوليزا رايس لانها مالت الى صف فريق نائب الرئيس ديك تشيني. وأوضح ليفيريت ان المتخصصين في شأن ايران في الادارة أطلقوا على العرض الايرانى اسم «صفقة ايران الكبرى»، لانها تضمنت مثلا وقف طهران لدعم «حماس» و«الجهاد الاسلامي» ومناقشة «المسألة النووية»، مقابل ضمانات أمنية ورفع العقوبات الاقتصادية وتطبيع العلاقات. وعلل ليفيريت «فشل» ادارة بوش في التعامل مع العرض الايراني بغياب «سياسة موحدة» داخل الادارة حول طهران، وهو غياب يقول انه ما يزال مستمرا. نفس هذا التقدير وصل اليه لورانس ويلكرسون مساعد وزير الخارجية السابق كولن باول. وكان ويلكرسون قد غادر وزارة الخارجية في يناير 2005، بعدما اتخذ قرارا، مثل باول، بعدم مواصلة العمل مع ادارة بوش في ولايته الثانية. وقال ويلكرسون لـ«الشرق الاوسط» ان الادارة الحالية ليست حريصة على اجراء مباحثات مباشرة مع ايران لان الهدف الاساسي للصقور هو تغيير النظام الايراني. وأعرب ويلكرسون عن اعتقاده بأن الامكانيات لاجراء مفاوضات وجها لوجه بين واشنطن وطهران ضئيلة في الوقت الراهن طالما ظل تشيني مصرا على موقفه حول رفض اجراء اي حوار مباشر مع ايران او كوريا الشمالية. وتابع ويلكرسون «السبب وراء ذلك هو ان تشيني يعتقد ان اجراء مفاوضات مباشرة مع هذين البلدين الشريرين في رأيه سيدعمهما، ويطيل عمرهما. ما يريده تشيني بدلا من ذلك هو تغيير النظام الايراني. إنها سياسية خارجية حمقاء. لكن هذا هو واقع الحال». وتابع ويلكرسون لكن «اذا غير تشيني موقفه لاي سبب، فربما فقط انذاك يمكن الحديث عن حوار مباشر، لكني قبل ذلك لا ارى اي امكانية لاجراء هذا الحوار». وكان مسؤول اميركي رفيع خبير بالملف الايراني قد تحدث قبل فترة الى «الشرق الاوسط» في لندن حول استراتيجية ادارة بوش في التعامل مع طهران. وكانت الفكرة الاساسية التي طرحها هي ان الاغلبية داخل الادارة لا تعتقد انه بالامكان اجراء حوار مع ايران حول الموضوع النووي او العراق او اي قضية اخرى، على اساس ان هذا النظام الافضل له ان يذهب لانه «ديكتاتورية دينية»، «منتهك لحقوق الاقليات والمعارضين»، «داعم للارهاب»، «يطور اسلحة دمار شامل»، موضحا ان «تغيير النظام الايراني» عبر دعم منظمات المجتمع المدني والمعارضة الديمقراطية هو السبيل الافضل لاستقرار المنطقة والعالم. وهو حمل طهران ضمنا مسؤولية عدم الحوار معها بسبب سياساتها الداخلية والخارجية. وفي هذا الصدد يقول مايكل روبن الباحث في معهد «اميركان انتربرايس» لـ«الشرق الاوسط» ان الولايات المتحدة ايدت على الدوام اجراء محادثات مباشرة مع ايران، طالما ان كل القضايا محل القلق الاميركي مطروحة على المائدة. ويحدد روبن هذه القضايا بـ : موقف ايران الرافض لعملية سلام الشرق الاوسط، واستمرار دعم ايران للارهاب، وتطوير اسلحة دمار شامل، واخيرا عدم احترام ايران للديمقراطية وحقوق الانسان. لكن روبن لا يرى فعليا باب التفاوض مفتوحا بعد، ويلقي اللوم على الايرانيين قائلا ان «المحادثات يمكن فقط ان تحدث اذا كانت لدى الطرفين القوة اللازمة لاتخاذ القرارات التي لا بد من اتخاذها. هذا يعني ان الحوار يجب ان يصادق عليه من مكتب المرشد الاعلى وليس من مكتب وزارة الخارجية التي تعتبر قوتها رمزية وليست فعلية في هذا الموضوع». وتابع «ايضا لا ينبغي ان تكون هناك اي شروط مسبقة، لكن ايران للاسف تواظب على طلب شروط. ويبدو ان الشروط تهدف الى نيل مكافاة مقابل جمود الدبلوماسية». لكن بالرغم من عدم نجاح طهران وواشنطن في اجراء اي حوارات علنية مباشرة بينهما منذ اكثر من ربع قرن، «الا ان المفاوضات بين البلدين عند الضرورة لم تتوقف». فخلال ازمة ايران ـ كونترا سمح الرئيس الاميركي رونالد ريغان باجراء مفاوضات مباشرة مع الايرانيين، كما سمح الرئيس الاميركي بيل كلينتون بمباحثات مباشرة. وبعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) سمح جورج بوش باجراء مفاوضات مباشرة مع ايران حول غزو افغانستان واطاحة طالبان. لكن لاحقا وضع بوش ايران ضمن دول «محور الشر» بتأثير التيار المحافظ في الادارة. إلا أن المصالح غيرت الوضع نسبيا لاحقا اذ في مايو (ايار) 2003 ناقش الطرفان تسليم اعضاء من «مجاهدى خلق» اعتقلتهم القوات الاميركية في العراق لايران، مقابل تسليم طهران لعناصر «القاعدة» على اراضيها. لكن المفاوضات انتهت بعد مذكرة من الاستخبارات الاميركية حول دور لايران في انفجار «الخبر» بالسعودية. ويقول ليفيريت ان صفقة تبادل المطلوبين من الجانبين ماتت لان المحافظين من ادارة بوش الدافعين الى «تغيير النظام» في ايران، قالوا إنه بدلا من تسليم عناصر «مجاهدي خلق» لايران، يمكن استخدامهم وتقويتهم كمعارضة من اجل تغيير النظام في طهران على غرار النموذج العراقي. ويبدو ان طريقة التفكير هذه هي ايضا التي ادت الى انهيار الحوار المباشر الذي كان مزمعا بين الطرفين حول العراق في مارس وابريل الماضيين. وكانت مبادرة الحوار هذه قد جاءت من زعيم المجلس الأعلى للثورة الاسلامية عبد العزيز الحكيم، المقرب من ايران، الذي دعا في 15 مارس الماضي لاجراء مفاوضات بين طهران وواشنطن حول العراق. وقال «من مصلحة الشعب العراقي ان يجري مثل هذا الحوار، والتوصل إلى تفاهمات حول عدد من القضايا». وسواء تحرك الحكيم مدفوعا باعتقاده بأهمية اشراك ايران، او تحرك مدفوعا من ايران نفسها، الا ان طهران تلقفت الدعوة فورا بطريقة مثيرة للدهشة، خاصة في بلد لا تتخذ فيه القرارات قبل ان تمر على مكتب المرشد الاعلى. فبعد ذلك بيوم وفي 16 مارس، اعلن وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي ان بلاده لا تمانع في اجراء حوار مباشر مع اميركا. وقال متقي خلال صلاة الجمعة في جامعة طهران «جمهورية ايران الاسلامية ستجري حوارا مع اميركا حول العراق للمساعدة في عملية بناء الحكومة هناك، ودعم الشعب العراقي». وكان رد الفعل الاميركي الرسمي مرحبا، فقد قالت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس في 17 مارس (اذار) خلال مؤتمر صحافي، ان واشنطن بدورها راغبة في حوار مع ايران حول العراق. بعد ذلك بيومين، قال السفير الاميركي في العراق زلماي خليلزاد (اجرى من قبل حوارات مباشرة مع مسؤولين ايرانيين عندما كان سفيرا لواشنطن في افغانستان) ان واشنطن لا تمانع في حوار مباشر مع ايران، موضحا ان الحوار سيركز على مخاوف اميركا حيال السياسية الايرانية في العراق، وان المحادثات ليست ايرانية ـ اميركية بشأن العراق، بل ايرانية اميركية بشأن «السياسات الايرانية في العراق»، وانه يريد ان تعقد في بغداد. وبدا وقتها أن النخبة الحاكمة في ايران كانت موحدة وراء دعم المفاوضات مع اميركا، اذ أعطى المرشد الاعلى لايران الضوء الاخضر للمفاوضات بقوله في 22 مارس خلال زيارة لمدينة مشهد الايرانية «اذا استطاع المسؤولون الايرانيون ان يجعلوا اميركا تفهم وجهات النظر الايرانية حول العراق، فلا مشكلة في المحادثات»، بل ان محمد نهونديان مستشار الامين العام لمجلس الامن القومي الايراني علي لاريجاني توجه الى واشنطن في 19 ابريل الماضي للتحضير للمفاوضات. ولم يكن هذا هو الحال في العراق واميركا، فسنة العراق اعربوا عن عدم ارتياحهم من تدخل ايران، الشيعية، في موضوع العراق، وانتقدوا خصوصا تصريحات لاريجاني في 16 مارس 2006 التي اعرب فيها عن أمله في ان تؤدي المحادثات الى تسهيل تشكيل الحكومة العراقية، فاضطرت السفارة الاميركية في العراق لاصدار بيان شجبت فيه تصريحات لاريجاني. اما في اميركا، فإن نافذين في الادارة من المحافظين وبينهم مستشار الامن القومي ستيفن هادلي، لم يكونوا بدروهم مؤيدين لاجراء الحوار. وبرغم بعض الاعتراضات العراقية والاميركية على حوار مع طهران حول الاوضاع في العراق، إلا ان التحضير للمفاوضات كان يسير قدما الى ان اعلن وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في 19 ابريل (نيسان) الماضي ان المحادثات بين الاميركيين والايرانيين لن تتم، الا بعد تشكيل الحكومة العراقية. وبعد ذلك وبأيام معدودة تحول الموقف الايراني تماما، اذ قللت الخارجية الايرانية من شأن المفاوضات، وقال المتحدث باسم الوزارة حميد رضا آصفي في مؤتمر صحافي في 23 ابريل «لا تبالغوا في شأن المفاوضات لأنها ليست بهذه الاهمية. لم يحدث اي شيء حتى الان حولها، لا بد من تجهيزات، وحتى الان ليس هناك تجهيز، ونحن لسنا في عجلة». وبعد ذلك بيوم وفي 24 ابريل قال احمدي نجاد في رد على اسئلة للصحافيين انه «لا داعي لمفاوضات مباشرة مع اميركا حول العراق»، موضحا «في الوقت الراهن، نحن نعتقد أنه في غياب حكومة عراقية دائمة لا داعي لاجراء مفاوضات مباشرة»، مع اميركا. وكان واضحا ان كلا من ايران واميركا يحمل مفهوما مختلفا للمفاوضات، ففيما اعتبرتها طهران بمثابة اعتراف بدورها في العراق، واقرار بصعوبة استقرار الاوضاع، بل وتشكيل الحكومة العراقية هناك بدون دعمها، اعتبرتها واشنطن تستهدف الكلام المباشر على الطاولة حول استيائها من السياسات الايرانية في العراق، بهدف اقناع طهران بتغيير سلوكها. ووفقا لمسؤول ايراني بارز سابق تحدث لـ«الشرق الاوسط» فإن الاميركيين غيروا رأيهم فى اجراء مفاوضات مباشرة مع ايران، لان واشنطن رأت ان طهران لا تتعاون بما يكفي في احلال الامن بالعراق او في الملف النووي خاصة بعد خطوة تخصيب اليورانيوم، فيما رأى الايرانيون ان تصلب واشنطن في موضوع رفع الملف النووي الايراني الى مجلس الامن مؤشر سلبي. المؤكد ان الرسائل الايرانية المباشرة وغير المباشرة الى واشنطن ادت الى اثارة جدل ونقاش داخل الادارة الاميركية، ففيما يوجد تيار أقلية في واشنطن يدعو للرد على الاقل على رسالة احمدي نجاد، ولو بـ«رسالة عامة للشعب الايراني»، يعتقد اخرون ان من الافضل عدم الرد اطلاقا. ويقول مايكل روبن لـ«الشرق الاوسط» في هذا الصدد «الجدال داخل الادارة محموم حول ما اذا كانت العروض الايرانية الاخيرة من اجل حوار مباشر تهدف فعلا الى التوصل لحلول حول مصادر القلق الاميركي، وهل اقوال الايرانيين تعكس حقيقة افعالهم، ام ان العروض الايرانية استراتيجية لشراء مزيد من الوقت». وتابع «ان النقاش يدور ايضا حول ما اذا كان من الصحيح ان تتخذ الادارة الاميركية اي خطوة تفاوضية يمكن ان تؤدي الى «شرعنة» الحكومة الايرانية التي فقدت غالبية الشعب الايراني العادي الثقة بها. ففي 1953 و1979 دفعت الولايات المتحدة ثمن دعم حكومات تعارضها غالبية الايرانيين العاديين. لماذا ينبغي علينا ان نرتكب نفس الخطأ ثلاث مرات». وأضاف «في تقديري ان الحكومة الايرانية غير صادقة في عرضها التفاوض، فيما قامت واشنطن بالفعل باعلان دعمها للمفاوضات التي تجريها الترويكا الاوروبية ووكالة الطاقة الذرية مع طهران. يجب على الايرانيين ان يوفوا بتعهداتهم لهم. ففي نهاية المطاف الكثير من الصحف، بما فيه صحيفتكم (الشرق الاوسط) تنتقد بشكل منتظم الولايات المتحدة بسبب نهجها الاحادي في ادارة العلاقات الدولية، فلماذا ننتقد الان على نهجنا التعددي؟». واذا كانت ادارة بوش لا تريد الحوار المباشر، وتعترف باستحالة التورط عسكريا ضد ايران، على الاقل في هذه المرحلة، فما هي الخيارات الاخرى المتاحة امامها للتعامل مع طهران، التي تستغل الان كل الملفات من اجل «اجبار» الاميركيين على الجلوس إلى مائدة المفاوضات، سواء عبر افغانستان التي استعادت فيها حركة طالبان بعض نفوذها، وسيطرتها خاصة في المناطق الجنوبية، او عبر الوضع الامني فى العراق، او عبر دعم فصائل المقاومة الفلسطينية، او عبر النفط، او عبر حزب الله في لبنان, تبدو خيارات حاليا محدودة في سيناريو ثالث بين «الحوار المباشر» و«المقاطعة» وهو «ارهاق» الايرانيين تماما ودفعهم لتقديم اخر ما لديهم من عروض.

وقبل اي حوار مباشر او غير مباشر، لدى النظام الايراني في النهاية «عقدة امنية» منذ الثورة 1979، فهو يشعر انه مستهدف من اميركا بسبب عبء التاريخ بين البلدين، وهو يريد منذ سنوات، وقد عبر عن هذا بكثير من الطرق، ضمانات امنية من القوى الوحيدة التي تستطيع تقديم هذه الضمانات الامنية. فالخلافات الآيديولوجية والمصلحية بين البلدين يمكن تجسيرها، طالما ضمن النظام الايراني بقاءه. والمشكلة ان واشنطن قد يكون لديها تفكير اخر وهو .. تغيير النظام.

* صقور.. وحمائم بعد الإعلان عن ترتيب حوار أميركي ـ إيراني مباشر حول العراق في مارس (اذار) الماضي، ظهر «صقور» من الجانبين لم يبدوا حماسة كبيرة للحوار المباشر. فقد نظمت مجموعات طلابية من قوات (الباسيج) وأخرى تابعة لـ«أنصار حزب الله» الإيراني تظاهرة أمام مبنى «المجلس الاعلى للأمن القومي الإيراني» تنديدا بالمحادثات. أما في اميركا فقد عارض مسؤولون من داخل الادارة بينهم ستيفن هادلي مستشار الأمن القومي الحوار. فمن هم «صقور» ايران وأميركا المعارضون للحوار؟ > إيران 1 ـ آية الله محمد تقي مصباح يزدي، من اكثر المحافظين الايرانيين نفوذا ومعروف بأنه الاب الفكري لمحمود أحمدي نجاد. وبسبب نفوذه الكبير بين كبار رجال الدين الذين يشكلون مجلس الخبراء الذي ينتخب المرشد الاعلى للبلاد، يعتقد على نطاق واسع، انه يمكن ان يحل محل آية الله على خامنئي كمرشد أعلى للبلاد. ولا يؤيد مصباح يزدي اجراء مباحثات مع اميركا، وهذا يعني ان جناحا قويا من المحافظين لا يزال فعليا متحفظا على الحوار، وهو جناح لا يمكن التقليل من قوته. 2 ـ آية الله علي مشكيني، رئيس مجلس الخبراء، وهو كبير في السن , 85 عاما، ومصاب بالسرطان وحالته الصحية غير مستقرة، غير انه لاعب اساسي من وراء الستار، وهو من السياسيين الايرانيين الذين لم يؤيدوا علنا اجراء مباحثات مباشر مع اميركا. 3 ـ آية الله محمود هاشمي شاهرودي، رئيس مؤسسة القضاء المحافظ , لم يؤيد علانية الحوار مع اميركا.

4 ـ محسن رضائي نائب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق للحرس الثوري (باسدران)، قال بعد الاعلان عن الحوار إن المجمع «لم يستشر في موضوع المفاوضات»، غير أنه شدد على أن الجهة الوحيدة المخولة اتخاذ قرار في هذا الشأن هي خامنئي واحمدي نجاد. 5 ـ من الشخصيات الاخرى التي عارضت الحوار ايضا حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة «كيهان» المحافظة الذي كتب في افتتاحية الجريدة قبل اسبوع من كلمة خامنئي في «مشهد»، محذرا من ان اقتراح ايران لحوار مع أميركا حول العراق يمكن ان يرسل رسالة للعالم الاسلامي مفادها ان ايران استسلمت بعد 27 عاما من المقاومة. اما صحيفة «رسالات» المحافظة فقالت ان الحوار مع أميركا بعد رفع الملف النووي الايراني الى مجلس الأمن يمكن ان يفهم على انه «علامة ضعف». ايضا من المعارضين جواد جاهانجيرزاده عضو مجلس السياسة الخارجية والأمن القومي بالبرلمان الايراني، الذي قال في 20 مارس إن اميركا قد تستغل المفاوضات «كوسيلة وأداة» للخروج من مشاكلها في العراق. 6 ـ من الشخصيات التي كانت ضد الحوار في الماضي وتؤيده الآن آية الله جنتي رئيس مجلس الأوصياء الذي أيد خطاب احمدي نجاد لبوش، وعلي أكبر محتشمي. أما المؤيدون للحوار منذ البداية، فهم الاصلاحيون والليبراليون. > أميركا 1 ـ ديك تشيني، نائب الرئيس الاميركي، لم يقل علانية انه يرفض الحوار المباشر مع ايران، الا ان المعروف وسط الادارة، هو انه من أشد أعداء الحوار مع ايران في واشنطن.

2 ـ اليوت ابراهام، نائب مستشار الأمن القومي الاميركي، المسؤول عن برنامج الترويج للديمقراطية وحقوق الانسان، الذي يعد ركنا أساسيا في السياسية الخارجية لبوش. وعند تعيينه في منصبه مطلع 2005، قال البيت الابيض ان ابراهام غير مصرح له بالكلام للصحافة، وهو من الرافضين لإجراء حوار مباشر مع إيران والداعمين لمبدأ «تغيير النظام». 3 ـ وليام لوتي، يعمل مديرا لوحدة سياسة الدفاع والاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الاميركي، وهو يعتقد ان النظام الايراني لا يمكن الحوار معه، بسبب طبيعته غير الديمقراطية وانتهاكاته لحقوق الانسان. 4 ـ ستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي الأميركي، لا يؤيد اجراء حوار وقال في مارس الماضي أن ايران تريد الحوار للتمويه على برنامجها النووي. 5 ـ هناك أقلية داخل الادارة وبين النخبة الأميركية تؤيد الحوار بينهم عضو الكونغرس الجمهوري عن نبراسكا شوك هيجل، ودنيس روس مسؤول ملف الشرق الاوسط سابقا في الادارة، وصمويل بيرغر، مستشار الأمن القومي خلال ادارة الرئيس السابق كلينتون.